المعارضة التركية ودعوة الانتخابات المبكرة..!
“المدارنت”..
يبدو أن المعارضة السياسية التركية بزعامة أقدم وأهم أحزاب تركيا على الإطلاق «حزب الشعب الجمهوري» لم تكن تتوقع تحقيق الفوز الهائل الذي حصلت عليه في الانتخابات البلدية الأخيرة التي أجريت في 31 مارس/آذار الماضي، حيث اكتسحت هذه الانتخابات وفازت، علاوة على ذلك، بأهم البلديات التركية على الإطلاق، وخاصة إسطنبول وأنقرة وأزمير وغيرها.
لذلك فإن المعارضة باتت اليوم مسكونة بهاجس الفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، بقناعة منها أنها أصبحت «الأقرب إلى ضمير الأمة»، وأن الشعب صار عازفاً عن مواصلة الخضوع والإنصات للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» الذي استمرت طوال 22 عاماً متصلة.
مشكلة المعارضة أن موعد الانتخابات المقبلة هو عام 2028، ومن الآن وحتى ذلك الموعد ليس هناك ما يضمن أن يظل زخم الدعم الشعبي للمعارضة، الذي عبر عن نفسه في الانتخابات المحلية (البلدية) الأخيرة مستمراً، خصوصاً في ظل متغيرين حديدين، أولهما أن حزب العدالة والتنمية استفاد من خسارة الانتخابات البلدية تلك، وبدأ بأوامر صارمة من الرئيس أردوغان، إجراء مراجعات وتغييرات جذرية في سياساته وقياداته لاستعادة الولاء الشعبي مجدداً.
والعامل الثاني من المتغيرات، هو النجاحات التي استطاع الرئيس أردوغان تحقيقها في مجال السياسة الخارجية وتأمين المصالح القومية التركية في الخارج، ابتداء من انتزاع ورقة «الأزمة السورية» و«المهاجرين السوريين» من أيدي المعارضة التي كان لها دور كبير في فوز المعارضة نتيجة تفاقم الرفض الشعبي التركي للمهاجرين السوريين، حيث بدأ الرئيس أردوغان يتجه إلى التقارب مع سوريا، ويسعى للقاء الرئيس بشار الأسد، لإيجاد حلول جذرية للأزمة السورية، وبالتحديد أزمة العلاقات السورية التركية.
إضافة إلى ذلك هناك التقارب الجديد مع مصر الذي كلل بزيارة ناجحة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لأنقرة، والتي أثارت ردود فعل إسرائيلية غاضبة خشية حدوث تقارب عسكري مصري تركي، ربما يتطور إلى تقارب مصري تركي إيراني من شأنه أن يغير كثيراً من معادلة توازن القوى الإقليمية، في وقت تعيش فيه إسرائيل أسوأ أيامها، نتيجة لتداعيات ما تقوم به من «إبادة عرقية جماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة».
شعور المعارضة التركية بالخوف من إمكانية حدوث تحولات إيجابية شعبية داعمة للرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، من شأنها تبديد فرصة المعارضة لتوظيف زخم الدعم الشعبي لها في الوقت الراهن، ما دفع المعارضة إلى تبني دعوة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في أقرب فرصة ممكنة.
المشكلة التي تواجه المعارضة لتحقيق طموح إجراء انتخابات مبكرة قبل موعدها المقرر عام 2028 أن القرار ليس بيدها، لكن بيد الرئيس أردوغان وحزبه أو تحالفه البرلماني «تحالف الشعب» مع حزب «الحركة القومية».
فالدعوة لإجراء انتخابات مبكرة قبل موعدها يتم بأحد طريقين: الأول، دعوة من رئيس الجمهورية، وفي هذه الحالة يشترط ألا يترشح الرئيس في تلك الانتخابات الجديدة، وهذا أمر مستحيل، لأن الرئيس لن يتبنى الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة يكون هو أول من سيدفع أثمانها.
أما الطريق الثاني، فهو من «ثلثي أعداد البرلمان +1» أي 360 نائباً في البرلمان، ولا تملك المعارضة كلها مثل هذا العدد من النواب، ما يعني أن قرار إجراء انتخابات مبكرة، هو قرار الرئيس أردوغان دون غيره.
في مواجهة هذه الاستحالة تسعى المعارضة إلى «تخليق البديل الثالث»، والمتمثل في تأزيم الأوضاع السياسية والاجتماعية داخل البلد لكسب موقف شعبي قوي داعم لخيار «الانتخابات المبكرة» وفرضه فرضاً على الرئيس أردوغان، أي الدفع بالبلاد نحو أزمات يجري افتعالها يكون المخرج الوحيد منها هو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة.
الأسابيع الأخيرة شهدت ثلاث معارك سياسية كبيرة افتعلتها المعارضة التي تعيش حالة قناعة كبرى أنها «صاحبة الحق» في حكم البلاد، احتكاماً على الدعم الشعبي الذي حظيت به في الانتخابات البلدية الأخيرة على نحو ما يؤكد زعماء حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة ورئيسه أوزغور أوزيل.
كانت المعركة الأولى دامية في البرلمان، عندما تبنت المعارضة دعم قرار المحكمة الدستورية العليا إعادة النائب جان أتالاي (حزب العمال الكردي عن مدينة هطاي جنوبي تركيا إلى مقعده الانتخابي بالبرلمان وبطلان تجريده من مقعده) في مواجهة قرار البرلمان، بدعم من الأغلبية (حزب العدالة والتنمية وحلفائه) الذي رفض الاعتراف بإعادة انتخاب هذا النائب للمرة الثانية (مايو 2023)، رغم وجوده في السجن، حيث حكم عليه بالسجن 18 سنة عام 2022.
الخلاف حول عضوية هذا النائب تحوّل إلى معركة دامية بين النواب داخل البرلمان، وامتدت أصداؤها إلى الخارج، في إشارة إلى ما تسميه المعارضة «دكتاتورية الحزب الحاكم».
أما المعركة الثانية، فكانت من جانب المعركة ضد الرئيس أردوغان رفضاً لقراره «تطهير الجيش» من الضباط الجدد الذين تظاهروا عسكرياً ضد أردوغان عقب حفل تخرجهم يوم 30 أغسطس/آب الماضي، برفع سيوفهم وأداء قسم يؤكدون الولاء لمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، مرددين عبارة «نحن جنود مصطفى كمال».
شنت المعارضة وخاصة زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، هجوماً حاداً ضد الرئيس أردوغان لاتهامه لهؤلاء الضباط الصغار من تلويحهم بالسيوف، أنه يعد من قبيل «الانقلاب»، هذا الهجوم الشديد على الرئيس كان وما زال يستهدف تخليق أزمة بينه وبين الجيش والشعب معاً.
المعركة الثالثة تلك التي افتعلها أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، في مواجهة مع وزير العدل يلماظتونتش، بسبب احتمالات تأييد محكمة الاستئناف العليا للحكم الصادر بحبسه ومنعه عن العمل السياسي 5 سنوات.
المعارك كلها هدفها تخليق حالة شعبية لدعم خيار الانتخابات المبكرة، وهي بداية دعوة للتغيير في تركيا.