تربية وثقافةمقالات

المقلب الآخر.. مراحل الهجرة / (2)

عبــد النـاصــر طـه

خاص “المدارنت”

ابتدأت الهجرة العربية إلى الأمريكيتين في القسم الثاني من القرن التاسع عشر، ومهما قيل عن هجرات سابقة، فلم تكن تتعدى الزيارات السريعة أو قصد السياحة.

ويرى المؤرخ فيليب حتي “أن الهجرة العربية الحديثة ابتدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر”، والمرجّح أن الهجرة إلى اميركا الشمالية كانت البداية، وكان رائدها أنطوان البشعلاني الذي وصل إلى مدينة نيويورك عام 1854 ومات فيها بعد سنتين؛ واختلف الباحثون حول أول مهاجر وطىء ارض أميركا الجنوبية، فمنهم من قال انه المطران باسيليوس حجار عام 1874، وقال آخرون أنهما شقيقتان لبنانيتان من عائلة زخريا، في العام نفسه.

ثم أخذت قوافل المهاجرين تؤم البلاد الأجنبية، هرباً من حكم الأتراك العثمانيين، وطلباً للرزق؛ وما لبثت الهجرة ان ازدادت منذ بدايات القرن العشرين، وتعاظمت بعد نشوب الحرب العالمية الأولى، وكان معظم المهاجرين من المسيحيين واليهود العرب (لبنانيون وسوريون وفلسطينيون)، الذين عاشوا مرحلة الحكم العثماني (١٥١٦- ١٩١٧) ،وقد غادروا بلادهم لأسباب سياسية واقتصادية، وهم يحملون جوازات سفر تركية، ولذلك أطلقت عليهم شعوب اميركا اللاتينية تسمية “توركو”، نسبة إلى تركيا.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك والأرجنتين والبرازيل، أولى الدول المقصودة، وبعد ذلك، بدأ توافد المهاجرين العرب إلى شمال كولومبيا، وإلى الإكوادور، وإلى جزر البحر الكاريبي، وبشكل خاص الى الدومينيكان؛ والجدير بالذكر أن كثيرا من أولئك الرواد، نزلوا في مرافىء دول لاتينية، ظناً منهم انهم وصلوا إلى اميركا، أي الولايات المتحدة الأميركية؛ وتأخر كثير منهم في معرفة الفرق بين الأمريكيتين، والزمته الظروف الصعبة على البقاء حيث أنزلته الباخرة، ومن أشهر المرافئ التي استقبلت المهاجرين: بويرتو دي كولومبيا القريب من مدينة بارانكيا الساحلية في كولومبيا، و مرفأ غوياكيل في الإكوادور، و مرفأ لا غويرا القريب من العاصمة الفنزويلية كاراكاس؛ ويرجح وصول أول عربي الى كولومبيا عام ١٨٨٠، واسمه موسى حاتم، حيث استقر في مدينة بارانكيا، التي تعتبر اليوم مدينة العرب في اميركا اللاتينية.

وقد توالت موجات الهجرة العربية إلى أميركا اللاتينية بعد عام ١٨٦٠، ومرّت بمراحل مختلفة، من حيث الكمّ والنوع والأسباب الموجبة، وأهم تلك المراحل:

الاولى: امتدت من عام ١٨٦٠ إلى عام ١٩١٤.

الثانية: امتدت من بداية الحرب العالمية الأولى إلى العام ١٩٣٩.

الثالثة: امتدت من ١٩٣٩ إلى ١٩٤٥.

الرابعة: مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، امتداداَ الى أيامنا هذه؛ وامتازت الهجرة بتنوعها وكثافتها، واختلاف أسبابها، بدءاً بنكبة العرب في فلسطين، مروراً بالحروب العربية الإسرائيلية، ناهيك عن الصراعات السياسية والحروب الداخلية بين العرب انفسهم، وبخاصة الحرب اللبنانية التي بدأت عام ١٩٧٥، وسميت بالحرب الأهلية، وما تلاها من حروب داخلية بين اللبنانيين، إضافة إلى النكبات المتلاحقة للشعب الفلسطيني، وهزيمة عام ١٩٦٧، وأحداث الأردن الدامية عام ١٩٧٠.

ذلك يساعدنا على التمييز بين عوامل الهجرات المتتابعة، لكل من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، الذين يشكلون الغالبية العظمى من المهاجرين العرب إلى أميركا اللاتينية، وتبيان الزيادات العددية الهائلة لأبناء الطوائف الإسلامية، الذين كانت هجرتهم متأخرة زمنياً عن غيرهم من أبناء الطوائف الأخرى؛ كذلك ملاحظة ندرة هجرة مواطني الدول العربية الأخرى، التي تعتبر هجرة حديثة، وهي أقرب الى الشتات والضياع، وما يلفت الانتباه فيها هو وجود يمني ومغربي ومصري، وأحدث ما فيها هو الوجود العراقي.

                                                                                                                في الحلقة القادمة: ” تشكل الجاليات العربية “.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى