الهدف إيران..!
”المدارنت”..
لم تحاول “الحكومة الإسرائيلية” (الإرهابية الصهيونية) في أيّ وقت إخفاء هدفها الأكبر: إضعاف راعي “حماس” و”حزب الله” و(ميليشيا) الحوثيّين. إن “إسرائيل” تقاتل في الحقيقة ضد إيران.
اغتالت إسرائيل زعيم “حزب الله”، وقتلت العديد من أعضاء الحزب عن طريق أجهزة الاستدعاء وأجهزة اتصال اللاسلكي المفخخة. وبعد حملة قصف خاطفة، شرعت في غزو لبنان مرة أخرى الأسبوع الماضي في تصعيد لحملتها ضد الحزب شبه العسكري والسياسي. وفي الوقت نفسه، تواصل شن الحرب ضد “حماس” في غزة. كما قصفت مواقع مختلفة في سورية -حتى أنها هاجمت الحوثيين في اليمن البعيد.
ولم تحاول الحكومة الإسرائيلية في أي وقت إخفاء هدفها الأكبر: إضعاف راعي “حماس” و”حزب الله” والحوثيين. إن إسرائيل تقاتل حقاً ضد إيران.
في الأمم المتحدة الأسبوع قبل الماضي، عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي (الإرهابي الصهيوني) بنيامين نتنياهو، خريطة للمنطقة بعنوان “النقمة”. وأظهرت الخريطة رقعة من الشرق الأوسط باللون الأسود شملت إيران وسورية والعراق، مع وجود بؤر في لبنان واليمن.
وأعلن نتنياهو: “إنها خريطة لقوس من الإرهاب أنشأته إيران وفرضته من المحيط الهندي إلى البحر الأبيض المتوسط. العدوان الإيراني، إذا لم يتم كبحه، سوف يشكل خطرًا على كل دولة في الشرق الأوسط، والكثير الكثير من البلدان في بقية العالم، لأن إيران تسعى إلى فرض تطرفها في أماكن أبعد كثيرًا من الشرق الأوسط”.
ولم تكتف إسرائيل بشن هجمات ضد وكلاء إيران. في نيسان (أبريل) الماضي، قصفت إسرائيل المجمع الدبلوماسي الإيراني في دمشق، حيث أسفر القصف عن مقتل ثلاثة من كبار مسؤولي الحرس الثوري الإيراني. وخلال الصيف، وفي انتهاك صارخ للسيادة الإيرانية، قامت بتفجير قنبلة داخل دار ضيافة في طهران لاغتيال أحد كبار قادة “حماس”. وفي الهجوم الجوي الأخير على بيروت الذي أسفر عن مقتل زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله، قتلت إسرائيل أيضاً مسؤولاً عسكرياً إيرانياً رفيع المستوى، هو الجنرال عباس نيلفوروشان من “الحرس الثوري الإسلامي”.
جاء هذان الهجومان الأخيران بعد أن أدت الانتخابات التي جرت في تموز (يوليو) إلى صعود إصلاحي إلى سُدة الرئاسة في إيران. وبعد أن أظهرت إيران عدداً من المؤشرات على أنها تعيد تقييم سياستها العدائية المستمرة تجاه إسرائيل، وبعد أن أظهرت الحكومة الإيرانية علامات على استعدادها لاستئناف المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة.
إذا فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر)، فسيكون لإسرائيل مرة أخرى حليف ملتزم بالقدر نفسه بمواجهة إيران، عسكرياً إذا لزم الأمر. أما إذا فازت كامالا هاريس، فسيكون المسرح مهيأ لعودة محتملة إلى انفراج في العلاقات الأميركية الإيرانية.
من المؤكد أن الحكومة الإسرائيلية مهتمة بإضعاف كل من “حماس” و”حزب الله”. ومن المؤكد أنها تريد التصدي لإيران على جبهات مختلفة.
ولكن، ربما يكون الدافع الحقيقي وراء هجوم نتنياهو الحالي على “حزب الله”، ورفض وقف إطلاق النار في الصراع المستمر في غزة هو دفع إيران إلى الانتقام، وبذلك دفن كل أمل في حدوث مصالحة بين واشنطن وطهران. في الأسبوع الماضي، مع إطلاق إيران صواريخها على إسرائيل، يبدو أن كل شيء يسير حتى الآن وفقًا للخطة. لكنّ ما لم يتضح بعد هو ما إذا كان نتنياهو سيجني فائدة جانبية تتمثل في جعل إدارة بايدن تبدو حمقاء، مما يرفع بالتالي فرص ترامب الانتخابية في تشرين الثاني (نوفمبر).
ضبط النفس الإيراني
تخيل لو أن روسيا هرَّبت بطريقة ما قنبلة إلى غرفة فندق فولوديمير زيلينسكي في واشنطن العاصمة وتمكنت من اغتياله في زيارته الأخيرة. لو حدث ذلك، لكان هناك احتمال كبير لأن تستخدم الولايات المتحدة مثل هذا الهجوم كذريعة لإعلان الحرب على روسيا. وكان الشيء الوحيد الذي يمكن أن يقيد يد واشنطن هو ترسانة روسيا النووية وإمكانية إبادة الكوكب.
بالمثل، كان يمكن أن يفضي اغتيال إسرائيل لمسؤول في “حماس” داخل إيران في نهاية تموز (يوليو) إلى إشعال فتيل حرب شاملة -لولا وجود ترسانة إسرائيل النووية. وبطبيعة الحال، هددت طهران بالانتقام. وربما بدا ردها على الهجوم على المجمع الإيراني في سورية، الذي وقع بعد أسبوعين في منتصف نيسان (أبريل)، مثيرًا للإعجاب: 300 صاروخ وطائرة من دون طيار موجهة إلى إسرائيل. لكن عدداً قليلاً منها فقط تمكن من الإفلات من الدفاعات الإسرائيلية، ولم تقع إصابات بين الإسرائيليين.
من الواضح أن إسرائيل تتمتع بميزة على إيران من حيث الاستخبارات والتكنولوجيا. كيف قامت بتهريب قنبلة إلى أحد أكثر المباني أمانًا في إيران ثم فجرتها في اللحظة المناسبة تمامًا لقتل هدفها؟ وكيف تمكنت من تحويل المئات من أجهزة الاستدعاء وأجهزة الاتصال اللاسلكي إلى قنابل محمولة باليد قتلت وجرحت عناصر “حزب الله”، إلى جانب العديد من المدنيين اللبنانيين؟ كانت هذه إخفاقات استخباراتية من جانب إيران ووكلائها بالتأكيد، لكنها كشفت أيضًا عن صبر الإسرائيليين وتخطيطهم وتطورهم التكنولوجي.
بعبارة أخرى، ليست الأسلحة النووية الإسرائيلية وحدها هي التي تعمل كرادع. في الواقع، تمارس إيران سياسة “الصبر الاستراتيجي”. وهي تعرف أن العدو متفوق عليها في أي صراع تقليدي (أو نووي). وفي الرد على العمليات الإسرائيلية الناجحة، كانت هجماتها الصاروخية العقيمة على إسرائيل عروضًا مسرحية أكثر من كونها حملة عسكرية فعلية. وفي بعض الحالات، كانت أكثر تحفظًا، على سبيل المثال، بعد مقتل ثلاثة جنود أميركيين في الأردن في كانون الثاني (يناير)، عندما أصدرت طهران تعليمات إلى حلفائها بعدم تصعيد هجماتهم ضد الأهداف الأميركية.
بشكل عام، كانت النجاحات التي حققتها إيران وحلفاؤها ضد إسرائيل قد تحققت في مجال حرب العصابات. ويخلص الصحفي الإيراني السابق محمد مظهري إلى أن “’حزب الله‘ وإيران يحافظان على الموارد العسكرية وينتظران دخول القوات البرية الإسرائيلية في فخ داخل الأراضي اللبنانية”.
وفي غمرة حماسها وتوقها إلى “تلقين ’حزب الله‘ درسًا” وجر إيران إلى حرب أوسع، ربما تكون القوات الإسرائيلية قد دخلت في هذا الفخ مرة أخرى.
تغيير في إيران؟
بينما كان نتنياهو يقرع طبول التهديد الإيراني في الأمم المتحدة، اتخذ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مسارًا مختلفًا في خطابه أمام الجمعية العامة:
”لقد خضتُ حملتي الانتخابية على برنامج يركز على ’الإصلاح‘، و’التعاطف الوطني‘ و’المشاركة البناءة مع العالم‘ و’التنمية الاقتصادية‘، وكان لي شرف كسب ثقة مواطنيّ في صندوق الاقتراع. وأهدف إلى إرساء أساس قوي لدخول بلدي عصرًا جديدًا، ووضعه في موضع يؤهله للاضطلاع بدور فعال وبنّاء في النظام العالمي المتطور”.
كما أعلن بزشكيان عن استعداده للعمل على إحياء الاتفاق النووي. وربما كان ما قاله في الجلسات الخاصة أكثر أهمية. على سبيل المثال، وعد بقبول أي اتفاق يفضله الفلسطينيون لإنهاء الصراع مع إسرائيل، والذي يُفترض أن يتضمن حل الدولتين الذي عارضته إيران تقليدياً لأنه يعني الاعتراف بإسرائيل كدولة.
في الحقيقة، بعد أن حل محل إبراهيم رئيسي الذي توفي فجأة في حادث تحطم طائرة عمودية في أيار (مايو) الماضي، رسم بزشكيان بهدوء مسارًا مختلفًا للسياسة الخارجية الإيرانية. ويشكل الفريق الذي قام بتجميعه أحد المؤشرات المهمة على توجهاته. إن رئيس فريق السياسة الخارجية هو عباس عراقجي، الذي لعب دوراً رئيسياً في تنسيق الاتفاق النووي للعام 2015 مع الولايات المتحدة ودول أخرى. كما أن جواد ظريف، وجه فريق التفاوض الإيراني في ذلك العام، هو الذي يشغل الآن منصب نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية. ويضم مجلس الوزراء الكثير من المحافظين، لكن فريق السياسة الخارجية جاهز، ويتمتع بالخبرة السياسية في سياسة الانفراج.
يعزو المراقبون الخارجيون رد إيران “الفاتر” على الهجمات التي تشنها إسرائيل على الأراضي الإيرانية وعلى الحلفاء مثل “حزب الله” و”حماس” إلى ضعف إيران النسبي. وكتب ديفيد ليونهاردت في صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخرًا: “يبدو أن التفسير الأكبر هو ببساطة أن إيران أضعف مما تريد أن يصدقه العالم. وربما يدرك قادتها أنهم لن يبلوا حسنًا في حال نشوب حرب أوسع نطاقًا”.
لكن هناك تفسيرًا آخر مع ذلك، هو أن الإجماع داخل إيران يتغير، وليس فقط داخل المؤسسة السياسية (التي تأرجحت من الإصلاحية إلى المحافظة والعودة مرة أخرى)، ولكن داخل الهيئات الدينية الحاكمة أيضا. وليس هذا تحولاً عقائدياً بقدر ما هو تصالح مع الحقائق الجيوسياسية المختلفة، خاصة داخل الشرق الأوسط.
على النقيض من العرض المنذر بالشؤم الذي قدمه نتنياهو في الأمم المتحدة، لا تشهد إيران توسعاً هائلاً في نفوذها. ومن المؤكد أنه يمكنها الاعتماد على الدعم من سورية، ومن نسبة كبيرة من سكان العراق، ومن (الحاءات) الثلاث: “حماس”، و”حزب الله”، والحوثيون. لكن سورية ما تزال عالقة في حالة من الفوضى، والعراق منقسم، و”الحاءات” الثلاث تترنح.
في الوقت نفسه، فإن القوى السنية في المنطقة، مثل المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا، آخذة في الصعود. كما حشدت الاتفاقات الإبراهيمية، التي دفع بها ترامب وتبناها بايدن، قوى سنية مثل الإمارات العربية المتحدة والمغرب إلى الاعتراف بإسرائيل. وكانت المملكة العربية السعودية هي التالية في الصف عندما عطلت “حماس” التقارب الذي كان يلوح في الأفق من خلال مهاجمة إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر). وكانت إيران قلقة للغاية من احتمال أن تستبعدها الاتفاقات الإبراهيمية من الجغرافيا السياسية الإقليمية لدرجة أنها ذهبت إلى تحقيق الانفراج الخاص بها مع المملكة العربية السعودية في العام 2023 بعد سبع سنوات من قطع العلاقات.
حرب عالمية ثالثة؟
لا شك في أن خطر التصعيد الإقليمي كبير. في الأسبوع الماضي، أطلقت إيران صواريخ على إسرائيل، حتى ولو أنها ألحقت أضرارًا محدودة. ومن جهتها، تريد إسرائيل ذريعة للرد على إيران، وخاصة ضد مجمعها النووي. وقد وسعت الولايات المتحدة وجودها العسكري في المنطقة كعلامة واضحة على الاستعداد. وعلى الرغم من أن إسرائيل أعلنت أن غزوها للبنان سيكون محدودًا، إلا أن الحكومة سعت دائمًا في الإطار العام إلى تحقيق أهداف متطرفة -تدمير ”حماس” و”حزب الله”- حتى في مواجهة الشكوك التي عبرت عنها قوات الدفاع الإسرائيلية.
إذا وضعنا الحكومة الإسرائيلية جانبًا، فإن أحدًا لا يريد صراعاً إقليمياً. وباستثناء الحكومة الإسرائيلية، مارس الجميع بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) درجة من ضبط النفس. وقد استوعبت إيران، على وجه الخصوص، ذلك النوع من العقاب الذي نادرًا ما يمر من دون انتقام جاد في عالم الجغرافيا السياسية اليوم. وإلى حد ما، لبت مطالب داخلية وخارجية بالانتقام من إسرائيل من دون إلحاق أي أضرار يعتد -على نحو يشبه إطلاق نار قصير في الهواء في مبارزة. ومع ذلك، في مرحلة ما، قد تشعر إيران بأنها مضطرة إلى التخلي عن صبرها الاستراتيجي واستهداف إسرائيل بشكل أكثر فتكاً.
لمنع نشوب حرب أوسع نطاقًا، كان من الأفضل أن تجري إدارة بايدن مناقشات هادئة بلا توقف مع فريق السياسة الخارجية في حكومة بزشكيان. وحتى في الوقت الذي تعرب فيه الولايات المتحدة عن دعمها لإسرائيل، يتعين عليها أن تقفز من فوق إسرائيل للتفاوض مع إيران. ويشكل بنيامين نتنياهو مشكلة يجب عزلها بطريقة ما داخل إسرائيل، وبطريقة ما داخل المنطقة.
ولكن كيف يمكن إخراج نتنياهو من منصبه ووضع شخص في مكانه ينطوي على ذرة من البراغماتية على الأقل؟ يواصل رئيس الوزراء شن الحرب لأن الحرب تبقيه في السلطة. كذلك فعل أنتايوس أيضًا، حين كان يستمد القوة من الأرض حتى تمكن خصم من رفعه في الهواء لهزيمته. هذه هي المسألة الأساسية اليوم: العثور على طريقة لفصل نتنياهو عن الحرب، وبذلك تجريده من مصدر قوته.
*جون فيفر John Feffer: (مواليد 1963) مؤلف، يدير حاليا نشرة “السياسة الخارجية تحت المجهر” Foreign Policy In Focus في “معهد الدراسات السياسية”. وهو زميل في “مؤسسات المجتمع المفتوح”. تشمل كتبه “الحملة الصليبية 2.0″ (أضواء المدينة، 2012)، وهو وصف للهجمات المعاصرة على الإسلام؛ “كوريا الشمالية/ كوريا الجنوبية: سياسة الولايات المتحدة وشبه الجزيرة الكورية”، وهو وصف للسياسة الأميركية الحالية تجاه كوريا وحدودها؛ “رحلة القوة”، وهو سرد للأحادية الأميركية خلال إدارة جورج دبليو بوش؛ و”العيش في الأمل”، وهو وصف للاستجابات الإبداعية من المجتمعات المحلية لتحديات العولمة. كتابه الأخير هو “محور الوباء” (2020)، ويتحدث عن تأثير جائحة “كوفيد-19″ وإمكانية التغيير التحويلي الناتج عن الوباء. مساهم في “هافينغتون بوست”. وهو عضو في ”الاشتراكيين الديموقراطيين الأميركيين”.