الوقت الضائع..!
“المدارنت”.. في خضم العدوان “الاسرائيلي” غير المسبوق من حيث الوحشية والدموية والقدرة التدميرية على لبنان، انعقد في عين التينة مقر الرئاسة الثانية لقاء وصف بالترويكا الجديدة، وضم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والزعيم وليد جنبلاط، في خطوة تهدف وفقاً للبيان الصادر عن اللقاء، إلى تحريك عجلة التوافق بهدف الوصول إلى انتخاب رئيس توافقي للجمهورية اللبنانية.
كثيرون هم الذين انتقدوا هذا اللقاء من حيث الشكل ولم يحاولوا القراءة بين سطور مضمونه، فالبعض قال إنها ترويكا جديدة تذكّر بعهد الرئيس الراحل الياس الهراوي والترويكا الشهيرة التي ضمته إلى بري والرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي كان جنبلاط قاعدتها الرئيسية، في حين أن القارئين بين سطور بيان اللقاء رأوا فيه محاولة خجولة لكن جدية لتحريك مياه الانتخابات الرئاسية الراكدة منذ زمن طويل، والتي هي ضرورة ماسة في ظل الحرب التي يشنها العدو الصهيوني على لبنان.
لكن مصدراً مقرباً من “اللقاء الديموقراطي” رأى في التعليقات السلبية أنها لا تزال محكومة بالعقل الطائفي الذي كان ولا يزال علّة لبنان وأساس الخلافات الداخلية التي يوماً تعطّل الانتخابات الرئاسية، ويوماً تعرقل تشكيل الحكومة وغالباً تعرقل المشاريع الانمائية تحت حجة الانماء المتوازن، في حين أن حقيقة الأمر هي دعوة جدية للم شمل اللبنانيين جميعهم وتحديداً المسيحيون منهم من أجل العبور بالاستحقاق الرئاسي إلى بر الأمان.
ويعتبر المصدر أن الرئيس بري الذي قدّم تسهيلات كبيرة في سبيل إنجاز الاستحقاق الرئاسي في هذا الظرف الدقيق والخطير الذي يمر به لبنان، بحيث أنه لم يعد متمسكاً بشرط الحوار قبل الانتخابات الرئاسية ولم يعد يربط الاستحقاق بوقف إطلاق النار، لا يعني أن الرجل يستغل ظروفاً “صعبة” على فريقه السياسي كما يحاول البعض تصويره، بل إن الحس الوطني الذي يتمتع به رئيس المجلس هو الذي دفعه إلى التراجع عما يمكن تسميته “شروطاً”.
غير أن المصدر لم ينف أن بري الذي عاد وأوضح بعد اللقاء في حديث صحافي أنه لا يزال يعتبر اسم مرشحه رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية لا يزال مطروحاً ولم يتخلّ عنه، وضع “شرطاً” يتمثل في أن يكون المرشح التوافقي الذي تحدث عنه اللقاء، حائزاً على 86 صوتاً على الأقل لكي يدعو إلى الجلسة الانتخابية، ما يجعل من التوافق المسبق على اسم الرئيس شرطاً لا يزال سارياً ولو بصيغة أقل حدة عما كان قبلها.
وإذ عاد اسم قائد الجيش العماد جوزف عون إلى تصدر لائحة الأسماء التوافقية المنشودة للرئاسة، فإن العقبة الوحيدة التي لا تزال تعوق وصوله إلى بعبدا هي رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، غير أن هذا الأخير أبدى مرونة لافتة حين اعتبر أن البلاد بوجود رئيس أفضل من عدم وجوده، ما فسرّته أوساط مطلعة أنه تنازل يلاقي خلاله الرئيس بري في منتصف الطريق.
ولا شك في أن الحراك الذي قام به النائب وائل أبو فاعور بتكليف من جنبلاط الأب والأبن تجاه القوى المسيحية الرئيسية أزال على الأقل من حيث الشكل وبالتأكيد من حيث المضمون، الانتقاد الذي واجه اللقاء الثلاثي في عين التينة بأنه كان لقاء طائفياً، حيث أن اليد امتدت نحو “الشركاء” في الوطن وهم أي المسيحيون، المعنيون أولاً وأخيراً بالرئاسة، لكن نتائج هذه الزيارات لم تكن على المستوى الذي يرغبه أعضاء لقاء عين التينة.
فاستناداً إلى المصدر المقرب من “اللقاء الديموقراطي”، لم تكن أجواء لقاء أبو فاعور مع رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع مريحة إلى المستوى الذي كان يرغب به، وأن اللقاء مع رئيس “الكتائب” النائب سامي الجميل وإن كان “أريح” من اللقاء مع جعجع، لم يحقق الهدف المرجو بالكامل، في حين أن اللقاء مع رئيس “التيار الوطني الحر” كان أفضل من اللقاءين الأولين، ويمكن البناء عليه جدياً.
يبقى أن ما يتم تسريبه عبر الاعلام عن الانفتاح الذي يعبّر عنه في الفترة الأخيرة النائب باسيل، لا يزال يقف عند حدود رفض القبول بوصول قائد الجيش إلى الرئاسة، وهذا يعني أن لعبة الشروط والشروط المضادة لا تزال تعرقل كل مساعي التوافق المطلوب للعبور بالتسوية الرئاسية إلى بر الأمان.
وفي ظل هذه الأجواء، يمكن القول ان الحراك الرئاسي المستجد من لقاء عين التينة، يهدف أولاً إلى توجيه رسالة إلى اللجنة الخماسية أن حراكها المقدر لا يوصل إلى نتيجة ما لم يكن التوافق الداخلي موجوداً، وهو ما عبر عنه الرئيس بري أيضاً بأن الشأن الرئاسي داخلي وليس مسموحاً لأحد من الخارج أن يقرره، وأن ما سرب عن أجواء البيت الأبيض بأن “حزب الله” الآن في أضعف مرحلة يمكن استثمارها لتمرير رئيس مرضي عنه من الغرب، لا يعبر عن واقع الحال، فالحزب يسجّل انتصارات واضحة على العدو الاسرائيلي وهو بالتالي ليس ضعيفاً ولا يمكن استثمار الحرب الصهيونية على لبنان لتمرير ما يرغب فيه البيت الأبيض وأدواته الخارجية والداخلية على السواء.
إنه اللعب في الوقت الضائع ولا تزال العقدة الرئاسية رهينة الوضع الاقليمي الذي لن تتضح معالمه قبل انتهاء الجنون الاسرائيلي وتتوقف الحرب العبثية التي يخوضها والتي ستولد مشاعر بالثأر والانتقام نتيجة الوحشية التي يمارسها جيش الاحتلال، إن لم يكن في الوقت القريب فبالتأكيد لدى الأجيال المقبلة.