الوقت “المقاوم”..!
“المدارنت”..
قدمت لنا رشيدة طليب، نموذجاً لكيفية مقاومة الثرثرة بالصمت. ففي الكونغرس الأمريكي حين خطب (رئيس حكومة العدوّ الإرهابي الصهيوني بنيامين) نتنياهو، وهو ممتلئ بالأكاذيب ومحاط بالتصفيق، وقفت امرأة فلسطينية كزيتونة تحتقر من يحاول اقتلاعها.
العلاقة بين الكونغرس ومجرم الإبادة، وبين الكنيسيت والتصويت على شرعية اغتصاب الفلسطينيين، ليس خبراً، إنه علامة الانحطاط الكبرى في المجتمع “الإسرائيلي” والغربي وتعبير عن زمن الصمت الذي دخله العالم.
رشيدة طليب، وقفت صامتة، لكنها لم تكن تدعو إلى النسيان، كانت مكتظة بالشهداء وبالمناضلين الذين يجب أن لا ننساهم.
وعندما يخاطبونك في الغرب عن النسيان تفاجأ أنهم يريدونك، أنت، أن تنسى. أما هم فأقاموا كحرس الذاكرة.
فؤاد شكر، الذي دفع ثمن أربعين عاماً من الصمت، لم يكن يسعى إلى الانتقام، كان يحمل قضية كانت مخبأة في ضلوعه. فقام أوغاد النسيان في الإدارة الأمريكية، باللحاق به حتى وصلوا إلى اغتياله بأدواتهم “الإسرائيلية”.
ما هي العلاقة بين الذاكرة والنسيان؟
منذ نهاية الحرب الأهلية وهذا السؤال يُطرح علينا ويقف كعمود من الملح في وجوهنا، ونحن نقول: نريد أن ننسى. ووسائل الإعلام الغربية لا تشجعنا سوى على النسيان، وفجأة نكتشف أن الذي يريدني أن أنسى لم ينس شيئاً. وأنه يريد قتلي بأدوات الذاكرة.
عندما تفجرت السفارة الأمريكية في بيروت، فوجئ الناس بأن الأمريكان الذين قادوا الحرب عام 1983 ضد بيروت، موجودون في بيروت. كأن الجريمة لم تكن، وأن الجنود الأمريكان كانوا دعاة سلام في المكان الذي ملأوه عبثاً في واحدة من أوحش الحروب الأهلية في التاريخ.
الاغتيال الأول الذي شهدته كان اغتيال غسان كنفاني في بيروت. يومها فهمت أن القتل ليس حلاً ولا يقدم أي حلّ، وبدل أن يكون هناك ألف فدائيّ، صار هناك عشرة آلاف. القتل اغتيالاً ليس سوى أداة بيد المجرمين الصغار كي يبرهنوا أنهم يمتلكون القرار، بينما هم لا يمتلكون شيئاً.
الذين قصفوا “مجدل شمس”، وقتلوا أطفالها كانوا يعتقدون أن سلاحهم الإجرامي قادر على الهيمنة على الناس، وأنهم يستطيعون استعادة مسيرة الحرب الأهلية اللبنانية عبر اتهام “حزب الله” بارتكاب الجريمة.
غير أن الوعي والإيمان بالوطن وبأهمية الأرض، جعلا التضامن والموقف الشعبي الموحد عنوان المواجهة.
أما الذين اغتالوا إسماعيل هنية، فهم يعيشون في نقطة الصفر، حيث لا يزال الماضي هو اللغة الوحيدة.
ومع ذلك يطلبون منك أن تنسى، وحين تنسى ما طلبوه منك يأتيك سلاح الانتقام.
كأن “الإسرائيليين” نسوا أنهم اغتالوا سلسلة من قادة المقاومة، وهذا لم يغير شيئاً، بل أعطى المقاومة زخماً أكبر وطاقة على الاستمرار والمواجهة أذهلت العالم.
سلسلة من الجرائم التي وصلت إلى غرف النوم، غير أنها لم تستطع أن تصل إلى الروح التي تقود المقاومة.
فالمقاومة موقف روحاني ورؤيا إنسانية، لذا لا يمكن التعامل معها بلغة الأرقام، بل علينا أن ننحني على الأرض لنفهم لغتها ونتعمد بدماء شهدائها.
وقت المقاومة، هو زمن آخر لا يشبه الأزمنة العادية، إنه مزيج من الصبر والانتظار والفعل. وفي هذا المزيج يولد الإنسان الجديد الذي سيقود الأمة إلى النصر.
الوقت سلاح مزدوج: فهناك الوقت “الكولونيالي” الاستعماري الذي يسعى إلى جعل الأيام متشابهة بلا روح وجعل البشر سلعة في يد القوى المسيطرة.
وهناك الوقت المقاوم الذي يستعيد معنى الأيام ويعيد بناء الإنسان، محرراً إياه من الخوف والاستبداد.
تحية إلى الشهداء الذين صنعوا وقتنا بوقتهم.