تربية وثقافة
الى صديقي ابن مريم في قيامته..
خاص “المدارنت”..
ابن مريم صديق أحبّه، وأومن بعظمته التي تضعه في مصافّ الكبار في تاريخ الحضارة الإنسانية.
وعظمته عندي ليست في كونه إلهاً أو ابن إله، ارسل لخلاص البشرية كما جاء في الرواية المسيحية. وليس لكونه نبيّاً مرسلاً لهداية قومه من بني اسرائيل، كما يؤكّد أتباع الرسالة الاسلامية.
إنّ هذه الإيمانيّات المسيحية والإسلامية، لا تدخل لديّ في دائرة النقاش العقليّ المنطقيّ او العلميّ التجريبيّ، لكونها مسألة ايمانيات تقوم على التصديق والتسليم أساساً، وتتّخذ موقعاً لها في القلب، ويصدّقها العمل لدى بعض من الناس احياناً.
لن أدخل إذاً في نقاش صحّة هذه الايمانيات أو المفاضلة بينها؛ لأنّ النقاش المثمر يقتضي الإستناد الى أرضيّة مرجعيّة مشتركة، وهو ما لا يمكن توفّره هنا.
أن يكون ابن مريم إلهاً لدى المؤمنين بألوهيته، فتلك عظمة لا تدانيها عظمة، وأن يكون نبيّاً ورسولاً، فمرتبة لا يبلغها مخلوق عاديّ مهما سما عقلاً وخلقاً.
لكنني، وأنا المسلم الذي يحمل بعضاً من تلك الايمانيات وفقاً لمذهبه الفكريّ الخاص، أرى أنّ عظمته الكبرى هي باعتباره إنساناً، استطاع بما له من مواصفات استثنائية، أن يجسّد نموذجاً فريداً لقائد فذّ، خطا بالبشرية خطوات جبّارة في طريق تقدّمها الحضاريّ في أبعاده الإنسانية السامية.
كان المجتمع أقرب الى الغابة التي تسودها شريعة القوّة الباطشة، والعنف المتوحش، فجاءها ببذارٍ مختلف جديد، بذار مؤصّل ربا في تربة القيم الإنسانية السامية.
جاء يجسّد التواضع ويتّخذ لنفسه مكاناً بين المساكين والبائسين، يشاركهم همومهم، ويلأم جراح حياتهم القاسية.
وجاء ينصر المستضعفين المعذّبين والمشرّدين، الذين تنبذهم أعراف المجتمع الفاسد، ليواسيهم ويكفكف دموعهم، ويشدّ أزر ضعفهم في مواجهة تلك الأعراف الظالمة.
وكان على رأس القيم التي دعا إليها وجسّدها سلوكاً وعملاً في الواقع، قيمة المحبّة التي تنبع من ينابيعها قيم الخير جميعاً.
هذه المحبّة التي تتخطّى حدود الأنانية في الطبيعة البشريّة الى محبّة الآخرين، لتبلغ في سموّها درجة استيعاب البغضاء والعداوة، بالحبّ والمسامحة والغفران.
وكان من تجلّيات هذه المحبّة، أمثولة الفداء التي جسّدتها جلجلة آلامه، ودمه المراق من اجل الإنسان.
إنّ الاحتفال بقيامة المسيح، هو احتفال بتلك القيم التي عمل على غرسها، وتعهّدها بالعناية، ودفع في سبيلها أثمن ما يملك.
لقد كرّمه الإسلام بآيات بيّنات، رفعت مقامه عالياً؛ فهو كلمة الله، وروح منه، ورافعه إليه، ووجيه في الدنيا والآخرة، وقد خصّه بمعجزات الخلق والشفاء، والكلام في المهد، ومعرفة الغيب التي ما كانت له إلّا بإذنه.
إنني، وأنا المسلم، أدع هذه المميزات السامية مع ايماني بها، أدعها جانباً، لأنظر إليه من زاوية أخرى، من زاوية إنسانية مجرّدة من الألوهة والنبوّة، فأكبر ذلك الإنجاز التاربخيّ العظيم، لرجلٍ بدّل وجه العالم، ونحا به وجهة الحضارة في بعدها الانسانيّ الخلقيّ الرفيع.
أيها الصديق ابن مريم، ايها الإنسان المتواضع العظيم.
لقد رويت غرسك من القيم بدمك، وكانت جلجلة آلامك مأثرة لا تموت. إمسح برحمنك وحبّك وسلامك على قلوبنا اليابسة. نحن في هذا الجحيم المقيم من القتل والدماء والخوف المتعاظم، من هذا الوباء الفيروسيّ الخطير، احوج ما نكون الى يدك الببضاء، تبلسم آلامنا وتبدّد مخاوفنا، ونزرع فينا الامل والحبّ والإخاء.
======================