«اليوم التالي» للانتخابات الرئاسية الأميركية!
“المدارنت”..
لم يعد «اليوم التالي» قاصراً على غزة، بل قد تكون الولايات المتحدة الأكثر تأثراً بالحرب على غزة كونها كانت ولا تزال الأكثر انغماساً ومشاركة في هذه الحرب من “إسرائيل” نفسها، فوصلت تداعياتها لها بالتظاهرات الطلابية والتلويح بالإحجام عن التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة من جانب قطاعات واسعة من الناخبين ومؤيدي الحزب الديموقراطي.
وشاءت الأقدار السياسية أن تطول الحرب مع اقتراب الانتخابات لتشكل عاملاً حاسماً في نتيجتها، ومن هنا فإن «اليوم التالي» أمريكياً هو: هل ستكون المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس رئيسة للولايات المتحدة أم المرشح الجمهوري دونالد ترامب؟ وهل سيكون يوماً هادئاً وسلمياً أم يتحول إلى يوم من العنف والمواجهات التي تهدد الديمقراطية والنظام السياسي الأمريكي برمته؟
الجديد في هذه الانتخابات هو هاريس وليس ترامب. وكل التوقعات تؤكد أن ترامب قد لا يقبل بنتيجة الانتخابات ويعيد سيناريو انتخابات 2020 واقتحام مبنى الكونغرس، لكن هذه المرة قد يمتد العنف ليشمل العديد من الولايات، ويضع الديمقراطية والنظام السياسي الأمريكي أمام أكبر التحديات.
هذه الانتخابات تأتي في سياق محاولة اغتيال ترامب وفي أعقاب انسحاب الرئيس جو بايدن من المنافسة بسبب تقدمه في العمر، وبعد المناظرة التي جمعته مع ترامب وخرج منها مهزوماً. وتجرى الانتخابات أيضاً في سياقات غير أخلاقية من الهجوم غير المسبوق بين ترامب الذي حسم ترشحه عن الحزب الجمهوري وكامالا هاريس المرشحة عن الحزب الديموقراطـي. فكلاهما يمثل النقيض للآخر ولا يكمله، فهي انتخابات للمرة الثانية بين ترامب مقابل ثاني امرأة تنافس على منصب الرئاسة لأول مرة.
في الانتخابات السابقة فاز على المرشحة هيلاري كلينتون وفي هذه المرة ستكون المنافسة أشد وأقوى في مواجهة هاريس، والمفارقة في هذه الانتخابات أنها قد تصنف على أنها بين أول امرأة من أصول إفريقية آسيوية سمراء البشرة ومن يمثل التيار الشعبوي والعنصرية البيضاء الجديدة، ما يجعلها انتخابات تتسم بالعنف اللفظي غير الأخلاقي.
لا شك أن هاريس تملك الكثير من الأوراق التي تقربها من الرئاسة، فهي أول امرأة من أصول إفريقية آسيوية وتمثل الطبقة المتوسطة، ورحلتها من مدعية عامة لولاية كاليفورنيا كانت ناجحة وهو ما يمنحها ورقة قانونية قوية، ومنها إلى مجلس الشيوخ، إلى نائبة رئيس لأربع سنوات..
ولا شك أن ترشحها ينزع من ترامب ورقة العمر والخرف، لتحولها إلى مصلحتها بين مرشح متقدم في العمر (78 عاماً) مقابل 59 عاماً لهاريس وتمثل حالة إنقاذ للحزب الديمقراطي بعد المناظرة التي خرج منها بايدن مهزوماً، وتقدم نفسها على أنها البديل لترامب داخلياً وخارجياً، وأنها تمثل أمريكا الجديدة وحفاظها على القيم الديمقراطية الأصيلة التي بُني عليها النظام الأمريكي، وتجسد مقولة أمريكا «أمة من المهاجرين».
ومن الأوراق القوية الداعمة لها موقفها من قضية الإجهاض ودعمها لها ما يمنحها فرصة أكبر لتصويت العنصر النسائي لها.
والجديد في هاريس أنها انتزعت من يد ترامب العديد من الأوراق، الأولى التشكيك في الانتخابات في حال بقاء بايدن وفوزه من جديد، فهي أقل عمراً من ترامب بـ18 عاماً ومن شأن هذا أن يجعل ترامب في مواجهة امرأة أكثر التزاماً ولديها خلفية قانونية. ومن نقاط القوة الأصول العرقية، فهي تجمع بين الأصول الجامايكية والهندية وهذا من شأنه أن يمنحها أصوات الكثيرين من المهاجرين، هذا مقابل الشعبوية الجديدة والعنصرية البيضاء التي يمثلها ترامب.
ورغم كل هذه النقاط إلا أنها قد لا تكفي للفوز، لأن هناك عوامل أخرى قد لا تعمل في صالحها، أبرزها اللوبي الصهيوني ورغبة “إسرائيل” في فوز ترامب وعودته رئيساً لدعم مواقفها من الحرب على غزة واستكمال سياستها الرافضة لحلّ الدولتين، وتحقيق السلام في المنطقة، رغم أن هاريس أعلنت تأييدها المطلق لأمن “إسرائيل” وحقها في الدفاع عن نفسها.
ولعل أكبر تحد لها أنها تقابل مرشحاً شرساً يمثل الأثرياء والمال في أمريكا، فهذه الانتخابات يحكمها اليوم الأثرياء وشركات التكنولوجيا وصناعة الرقائق واللوبي اليهودي، وتحكمها أيضاً القضايا الداخلية كقضية الإجهاض والعمل والصحة والعنف والتمييز العنصري، وفي الوقت ذاته ولأول مرة تحكمها القضايا الخارجية كالحرب في أوكرانيا وغزة، وتدخلات دول أخرى كالصين وروسيا.
ويبقى أن التحدي الأكبر الذي يواجه مستقبل النظام السياسي الأمريكي ليس أن تفوز كامالا هاريس وهو احتمال كبير كأول امرأة في تاريخ أمريكا وامرأة سوداء من أصول إفريقية آسيوية ولكن بقبول ترامب وحزبه بنتيجة الانتخابات وهزيمته أمام امرأة شكك في أصولها. ويبقى السؤال.. من سيكون الرئيس الـ47 للولايات المتحدة؟