اليوم التالي للمناظرة الأميركية..!
“المدارنت”..
أذكت المناظرة الرئاسية الأمريكية بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والديموقراطية كامالا هاريس، السباق الانتخابي، بعدما شهدت سجالاً حاداً حول الاقتصاد والهجرة و”إسرائيل”، والتعامل مع كل من روسيا والصين والنهج السياسي المستقبلي للولايات المتحدة، وفعل كل منهما ما بوسعه لاستقطاب الناخبين المترددين وتحريك نسب تأييدهما المتكافئة أملاً في الظفر بالبيت الأبيض في انتخابات الخامس من نوفمبر المقبل.
المناظرة التي تابعها عشرات الملايين في الولايات المتحدة وخارجها، على شاشات شبكة «إن بي سي»، ربما تكون آخر مواجهة تلفزيونية انتخابية قبل الحسم، وإذا كانت الانطباعات الأولية تشير إلى أن هاريس تفوقت في هذه المناظرة، فإن ترامب لم ينهزم، وأبدى تصميماً على منازلة المرشحة الديمقراطية في مناظرة ثانية، ومن دون الرهان كثيراً على تأثر استطلاعات الرأي بما أسفرت عنه هذه المناظرة، لكنها ربما تكون مفيدة للديمقراطيين في الثقة بمرشحتهم الحالية أفضل من الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن الذي تخلى عن السباق تحت الضغط، وبالمقابل فإن ترامب، وإن أربكت هذه المناظرة نسب التأييد له، فإن ذلك سيظل مؤقتاً وليس بعيد المدى، إذ ما زال السباق حماسياً وشاقاً، وقد تشهد الأمتار الأخيرة مفاجآت لصالح هذا المرشح أو ذاك.
اليوم التالي للمناظرة لن يكون كما قبله، إذ ستبدأ المرحلة النهائية من السباق إلى البيت الأبيض، ومثلما سيكون النسق سريعاً، ستحتد النبرة كلما اقترب الاستحقاق، فترامب سيظل متمسكاً بخطابه القائم على التحذير من المهاجرين وتصوير الولايات المتحدة على أنها بلد ينهار وأنه الوحيد القادر على إنقاذه، ومهاجمة الديمقراطية ومنافسته «الماركسية».
كما سيواصل اجترار ادعاءاته السابقة بتحقيق رخاء اقتصادي والقدرة على إنهاء الحرب في أوكرانيا وحل الصراعات الأخرى بمكالمات هاتفية وخلال 24 ساعة، أما منافسته هاريس فإن أداءها الجيد نسبياً في المناظرة سيدفعها إلى استقطاب الناخبين المترددين، خصوصاً الجمهوريين المناهضين لترامب، كما ستزيد من الهجوم على خصمها الجمهوري تحذيراً من خطره على وحدة الأمريكيين وسلامة النظام الدستوري، كما ستحاول دغدغة مشاعر مواطنيها من أصول عربية ومسلمة بشأن ضغطها لإنهاء الحرب على غزة، دون أن تخفي دعمها المطلق لـإسرائيل”.
من المتعارف عليه أن القضايا الداخلية هي التي تحسم دائماً نتائج السباق إلى البيت الأبيض، أما هذه السنة، فإن الوضع في الشرق الأوسط والصراع الدائر في أوكرانيا سيلقيان بثقلهما على الأجواء الانتخابية، مثلما احتلتا حيزاً في المناظرة الرئاسية، فقد أعادت هاريس تأكيد موقفها قائلة إنها وبايدن يعملان بلا كلل من أجل وقف إطلاق النار في غزة، متجاهلة تقديم إدارتها مليارات الدولارات من الأسلحة دعماً لإسرائيل في حرب الإبادة الجماعية للفلسطينيين، أما ترامب، الذي حذر من أن «إسرائيل ستزول» إذا ما أصبحت هاريس رئيسة للولايات المتحدة، فمازال على عهده السابق في دعمه المطلق لتل أبيب، والهجوم على خصومها، رغم ما يدعيه من رغبة في إنهاء التوتر في الشرق الأوسط.
تختلف الإدارات الأمريكية كثيراً في أجنداتها السياسية الداخلية، لكن سياسة الولايات المتحدة الخارجية لن تختلف في المستقبل سواء فازت هاريس أو عاد ترامب، لكن المختلف أن العالم لم يعد كما كان في السابق، وعلى من سيسكن البيت الأبيض أن يستوعب هذه الحقيقة وألا يغالي كثيراً في الدور الأمريكي فهو لن يظل إلى الأبد.