انتخابات ألمانيا.. أربعة مؤشرات وأزمة واحدة!
“المدارنت”..
قليلة كانت المفاجآت التي أسفرت عنها الانتخابات التشريعية في ألمانيا، فخرجت النتائج متطابقة بنسبة عالية مع استطلاعات الرأي العام من جهة أولى، ومع توجهات الناخبين إزاء المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تراكمت خلال حكم المستشار الألماني أولاف شولتس وتحالف الحزب الاشتراكي الديموقراطي وحزب الخضر من جهة ثانية. ومن جهة ثالثة، لم تكن مفارقة أن رصاصة الرحمة، التي تلقاها الائتلاف الحاكم، وحتمت انتخابات تشريعية مبكرة، جاءت من الحزب الديموقراطي الحر الذي انسحب من الشراكة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وتسبب بانهيار الائتـلاف.
ولعل المؤشر الأول الجدير بالانتباه هو نسبة إقبال على التصويت بلغت 83-84٪، ولا تعتبر بين الأعلى في تاريخ الانتخابات التشريعية الألمانية خلال عقود ما بعد الحرب العالمية فقط، بل هي مرتفعة على صعيد انتخابات أوروبا الغربية إجمالاً. ويمكن الافتراض استطراداً بأن هذا المعطى مزدوج الدلالة، من حيث أنه يعكس إحساس الناخب الألماني بتأزّم الأوضاع وتفاقم المشكلات والحاجة إلى حلول جذرية، مثلما يدلل على رغبة عارمة في تغيير السياسات والساسة ومعها التحالفات والأحزاب.
المؤشر الثاني كان تعرّض الحزب الديموقراطي الاجتماعي لخسارة فادحة بحصوله على 18٪ من الأصوات، وهذه نسبة ردّته إلى آخر نتائجه السيئة في عام 1949، كما تكاملت مع خسائر شركائه الخضر الذين تراجعت حصتهم إلى 13,5٪. وأمّا الحصيلة المنطقية الموازية فكان من الطبيعي أن تتجلى في تصدّر القوى المحافظة متمثلة في الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحليفه البافاري الاتحاد الاجتماعي المسيحي. وليس أقل دلالة أن زعيم الحزب المتصدر فردريش ميرتس كان قد فشل في منافسة أنغيلا ميركل على زعامة الحزب، وأنها حكمت 16 سنة متواصلة.
المؤشر الثالث هو نجاح حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف في تعزيز نتائجه الآخذة، بحيث تمكن من مضاعفة حصته في الانتخابات الراهنة بالمقارنة مع أربع سنوات خلت، كما حقق فوزاً صاعقاً في مناطق ألمانيا الشرقية فتقدم حتى على حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي. صحيح بالطبع أن المزاج الشعبي العام تجاه مشكلات اللاجئين وسياسات الهجرة قد تبدل كثيراً عن حاله خلال السنوات الأخيرة من إدارة ميركل، إلا أن استمرار صعود اليمين المتطرف الألماني ليس منعزلاً عن سياقات مماثلة في بلدان أوروبية أخرى.
ويمكن لمؤشر رابع أن يُعزى إلى عوامل خارجية، لعل في طليعتها انخراط إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الحماس للتيارات المحافظة بلسانه شخصياً أو عن طريق نائبه فانس، فضلاً عن مشاركة الملياردير إيلون ماسك في أنشطة حزب البديل. لم تغب عن مخاوف الناخبين أيضاً نوايا ترامب في خفض تمويل الحلف الأطلسي، والتفاهم مع موسكو حول الحرب في أوكرانيا بمعزل عن أوروبا.
هذه وسواها من المؤشرات تؤكد جوهر التأزم، إذ تبقى عسيرة مهمة تشكيل حكومة جديدة من دون التحالف مع اليمين المتطرف، الأمر الذي سيُبقي ألمانيا في حال من عدم الاستقرار، وربما الدعوة إلى تشريعات جديدة.