مقالات

انهيار القانون الدولي الإنساني!

“المدارنت”
عقد مجلس الأمن الدولي مؤخراً اجتماعاً ناقش فيه «حماية المدنيين في النزاعات المسلحة». هذا الموضوع هو صلب القانون الدولي الإنساني أو ما يعرف أحياناً بقانون الحرب، وكذلك قانون النزاعات المسلحة. هذا القانون عبارة عن «مجموعة من القواعد التي ترمي إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة لدوافع إنسانية، ويحمي هذا القانون الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة أو بشكل فعّال في الأعمال العدائية أو الذين كفوا عن المشاركة فيها مباشرة أو بشكل فعّال، كما أنه يفرض قيوداً على وسائل الحرب وأساليبها».

في الاجتماع المشار إليه كان لافتاً ما ذهب إليه وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر بالقول: «الدعائم التي بنيت في القرن الماضي لحمايتنا من اللاإنسانية تتفتت».
لماذا ذهب المسؤول الدولي إلى ذلك الحد في توصيفه لما آل إليه حال ما أسماه بدعائم الحماية؟ الرد يأتي على لسانه أيضاً، إذ إنه يرى أن هناك «انهياراً في حماية المدنيين واحترام القانون الدولي الإنساني».من بين ما ذكره فليتشر أن العام 2024 قد شهد مقتل أكثر من 36 ألف مدني في النزاعات، إضافة إلى نزوح أكثر من 122 مليون شخص، مع تعرض أسباب بقائهم على الحياة للهجوم المتكرر. وقد صاحب تلك النزاعات حالات كثيرة من التعذيب والاختفاء القسري وصنوف كثيرة من المعاملة غير الإنسانية، مع ما يصاحب كل ذلك من آثار نفسية مدمرة، وتزيد الأمور قسوة مع تحول المساعدات الإنسانية كأداة ضغط على السكان.
لم يقتصر ضحايا النزاعات على تلك الكلفة البشرية الضخمة من السكان المدنيين، وإنما شهد العام الماضي أيضاً أعلى حصيلة من القتلى ضمن العاملين في المجال الإنساني، حيث زاد عددهم عن 360 قتيلاً، مئتان منهم في غزة وحدها، وفي السودان وصل العدد إلى 54 قتيلاً. كما كان الصحفيون ضمن ضحايا النزاعات وبأعداد كبيرة. لم يقف الأمر عند ذلك بل إن هناك تقارير حول توظيف الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية من دون مراعاة لما قد ينتجه هذا من تضاعف في أعداد الضحايا المدنيين من قتلى ومصابين، كما يحصل في غزة، ويؤدي هذا إلى إثارة «مخاوف جدية بشأن الامتثال للقانون الدولي وتآكل الرقابة البشرية».
يضاف إلى كل ذلك التعامل مع قواعد القانون الدولي الإنساني بشكل انتقائي، وبناءً على طبيعة العلاقات مع أحد طرفي النزاع، والمصالح القائمة معه، والذي يعد تقويضاً للهدف الأساسي لهذا القانون.
هذا الواقع المؤلم يحتاج إلى إرادة سياسية دولية توفر لمجلس الأمن سرعة الحركة لكي يتعامل مع النزاعات القائمة، بحيث لا تطول في حال نشوبها. ولدى المجلس أدوات كثيرة، لكن الواقع يشير إلى أنه يكون مشلولاً في حال كان أحد أطراف النزاع يتمتع بعضويته الدائمة، أو أن هذا الطرف يتمتع بحماية مطلقة من قبل أحد الأعضاء الدائمين أو أكثر، ومن ثم يطول الصراع، ومع كل يوم يسقط مدنيون، وقد تباد أسر بأكملها. هنالك حاجة ماسة لئلا يتم السكوت على تلك الجرائم حتى لا يشعر من بقي حياً باليأس، ولن يتحقق ذلك إلا بإعادة الاعتبار لقواعد القانون الدولي الإنساني.

إفتتاحية “الخليج” الإماراتية اليوم
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى