باكستان ـ الهند.. حرب جديدة بين قوّتين نوويّتين؟
“المدارنت”
نفّذ ثلاثة مسلحين هجوما إرهابيا على منتجع في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من إقليم كشمير مما أدى لمقتل 26 مدنيا.
اتخذت الحكومة الهندية، التي يسيطر عليها حزب بهاراتيا جاناتا، القوميّ المتطرّف، رد فعل يتناسب مع تاريخها، فأعلنت سلسلة إجراءات انتقامية ضد إسلام آباد، تضمن خفض أعداد الدبلوماسيين، وإغلاق المعبر الحدودي البري الرئيسي بينهما، وإنذار كل مواطني باكستان الموجودين على أراضيها بالمغادرة، لكن أخطر قراراتها كان تعليق العمل بمعاهدة رئيسية لتقاسم مياه نهر السند.
يشتهر زعيم حزب بهاراتيا، ورئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، بأن فترة رئاسته لحكومة ولاية غوجارات عام 2001 شهدت «أعمال شغب» تسبب بمقتل أكثر من ألفي شخص أغلبهم من المسلمين، وساهمت سياساته هذه، لاحقا، في فوزه في الانتخابات العامة لعام 2014، ثم في عام 2019 حين ألغت إدارته الوضع الخاص لإقليم جامو وكشمير، وقدمت «قانون تعديل المواطنة» الذي أدى لاحتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد، تعرض فيها المسلمون لمعاملة وحشية.
في خطابه تعليقا على الحادث الإرهابي، أطلق مودي خطابا هجوميا عنيفا، هو أقرب لإعلان حرب، قائلا إن بلاده «ستحدد هوية الإرهابيين، ومن يدعمهم وتلاحقهم وتعاقبهم. سنطاردهم إلى أقصى الأرض»، وهو قول سبق أن صدر عن المسؤولين الهنود وشهد العالم تداعياته في عمليات اغتيال لناشطين هنود وأجانب مما أدى لأشكال من التوتر مع دول غربية جرت العمليات فيها، كما اتهمت المخابرات الهندية بتنفيذ عمليات اغتيال ضد ناشطين على أراضي باكستان نفسها.
الأكثر إلماحا للخطورة تبدى في قول مودي إنه «مهما كانت مساحة الأرض الضئيلة التي يملكها هؤلاء الإرهابيون، حان الوقت لتدميرها»، وإذا لم تكن الرسالة «الجغرافية» واضحة كفاية فقد تكفّل وزير دفاعه بتوضيحها بتهديده بالانتقام من «أولئك الذين نظموا هذا (الهجوم) سرا».
نفت باكستان أي دور لها في الهجوم، لكنها قامت باجتماع نادر لما يسمى «لجنة الأمن القومي»، أمس الخميس، وأعلنت ما سمتها «إجراءات صارمة» في مواجهة «التهديدات الهندية»، تضمنت طرد دبلوماسيين وتعليق التأشيرات للمواطنين الهنود وإغلاق الحدود والمجال الجوي مع الهند ووقف التجارة معها، كما أنها ردت على تهديدات الحرب على لسان وزير دفاعها خواجة آصف الذي قال: «نحن مستعدون لحماية أرضنا».
في ضوء هذا التصعيد غير المسبوق، والذي يقرّب حكومتي البلدين إلى حرب تقليدية، استعادت صحيفة «تايمز أوف إنديا» تقارير استخبارية أمريكية سابقة تقول إن «ردود فعل غير عقلانية ولا محسوبة» في الهند وباكستان يمكن أن تحوّل حربا تقليدية إلى حرب تقوم فيها الهند بقصف المنشآت النووية لباكستان. تعيد الأحداث الحالية التذكير بموقف باكستان بعد خسارتها حرب 1971 مع الهند، والقرار الذي اتخذه رئيس وزرائها آنذاك ذو الفقار علي بوتو بإنجاز البرنامج النووي لبلاده «حتى لو اضطررنا لأكل العشب»، كما قال.
يندرج التصعيد الهائل الذي اتخذته حكومة مودي ردا على الهجوم الإرهابي الأخير في خانة «ردود الفعل غير العقلانية»، وهي تظهر علاقة واضحة تربط بين السياسات القومية المتطرّفة على سكان الهند أنفسهم، من هندوس ومسلمين وسيخ وأديان وقوميات أخرى، وأشكال التصعيد والتهديد ضد الخارج، بشكل يذكّر بأساليب إسرائيل مع الفلسطينيين والعرب.
المؤكد أن لا الهند ولا باكستان ولا العالم في حاجة إلى حروب جديدة، وأن معالجة الإرهاب لا تكون بمزيد من التطرّف وتأجيج دعايات الحرب، فما بالك ما يمكن أن يؤدي منها إلى شرور مستطيرة وفناء هائل.