عربي ودولي

بسبب الحصار.. شوارع غزّة تخلو من السيارات وعربات الدّواب باتت “وسائل النقل الجديدة”!

الدّواب “وسيلة النقل الجديدة” في قطاع غزّة

“المدارنت”..
تخلو شوارع قطاع غزة في هذه الأوقات من حركة السيارات والشاحنات والحافلات بكافة أحجامها، وباتت حركة تنقلات المواطنين معتمدة كليا على المشي سيرا على الأقدام، أو ركوب العربات التي تجرها الحيوانات، بسبب الحصار المشدد الذي تفرضه سلطات الاحتلال على القطاع منذ بدايات مارس الماضي، حيث أصبح لهذه العربات مواقف خاصة معروفة للسكان، وبات ركوبها من كافة المستويات والأعمار أمرا معتادا في القطاع.
وأوقف الغالبية العظمى من سكان القطاع، ممن لا زالوا يملكون العربات ذات المحركات التي تعمل بالوقود أو بالغاز، حركتها بصورة شبة كاملة، ووضعوها إما بجوار منازلهم أو على مقربة من مناطق نزوحهم، وبها القليل جدا من الوقود، لأي حركة نزوح جديدة طارئة، فيما بقيت غالبية هذه العربات مشلولة تماما عن الحركة، بعد نفاذ كل مخزونها من الوقود.
وزادت أزمة تحرك وسائل النقل في قطاع غزة، بسبب الحصار المشدد الطويل الذي فرض على السكان من قبل سلطات الاحتلال بدايات مارس الماضي، حيث كان بعض السكان ممن يملكون عربات نقل، يزودونها بجزء من نصيبهم من حصة الغاز الذي يحصلون عليه للأعمال المنزلية، أو بوضع زيت الطعام بديلا عن السولار، ولكن مع توقف إدخال هذه السلع بشكل كامل، وشحها من الأسواق، اضطر أصحاب المركبات التي كانت تعمل مقابل أجور مرتفعة لوقفها عن الحركة.
ويشير السكان إلى أن سماع أصوات محركات هذه العربات الميكانيكية، وهي تسير في الشوارع، كما كانت العادة، أصبح جزء من حقبة الماضي، بعد اختفائها من الشوارع العامة حتى تلك التي تربط بين المناطق الحيوية في القطاع، وقد حلت مكانها العربات التي تجرها الحيوانات سواء الحمير أو الأحصنة، في مشهد أعاد سكان القطاع إلى ما كان عليه وضع آبائهم وأجدادهم قيل أكثر من 50 عاما.

أسطول مواصلات بدائي
وبات ركوب العربات التي تجرها الحيوانات أمرا مألوفا لكافة سكان القطاع، فحتى الشابات صغيرات السن، اللواتي لم يكن يعتدن على هذا الأمر، والشبان والموظفين والتجار بكافة طبقاتهم، ممن لم يجربوا وسائل النقل هذه، والتي ظلت حتى قبل الحرب مقتصرة على بعض سكان المناطق القروية النائية، يستخدمونها في هذا الوقت باعتبارها خيارا اجباريا في رحلات التنقل خاصة في المسافات البعيدة، وأثناء رحلات النزوح القسري.
وعلى طرف سوق مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وقفت فتاة عشرينية أمام عربة يجرها حصان، متجهه إلى منطقة سكنها غرب المحيم، وهناك وضعت قدمها على قطعة خشبية يستخدمها صاحب العربة، من ثم استدارت بجسدها لتجلس فوق العربة الخشية التي تحركها أربع عجلات، بمجرد أن يسير الحصار وفقا لتوجيهات مالكه، وقد رافقتها في هذه المواصلة ثلاث شابات من عمرها تقريبا وامرأتان كبيرتان في العمر ورجل بدا وأنه في منتصف الخمسينات، وذلك بعد ان حمل كل منهم ما قام بشرائه من السوق.
وقبيل التجهز لركوب هذه العربة، قالت انتصار زايد وهي سيدة تبلغ من العمر “62 عاما”، إنها قدمت من أطراف المخيم الشمالية مشيا على الأقدام، قاصدة التسوق، وأن عدم قدرتها على العودة إلى المنزل مشيا مرة أخرى وهي تحمل بعض البضائع التي اشترتها، دفعها إلى ركوب العربة، وتضيف لـ “القدس العربي”: “من زمان ما ركبنا سيارة”، وأشارت بيدها إلى مكان كان مخصص لوقوف السيارات، واستغله حاليا أصحاب بسطات بيع مواد تموينية، وقالت “شايف ما في سيارات”.
واستذكرت هذه السيدة في حديثها تلك الحقبة التي كانت تعيشها قبل عقود طويلة، حين كان الغالبية من سكان القطاع يعتمدون على العربات التي تجرها الحيوانات في التنقل، وقالت “والله الوضع كان هيك زمان، واليوم عدنا زي ما كنا”.
وقد واجه سكان قطاع غزة ظروفا قاسية بسبب توقف السيارات والشاحنات خلال الفترة الماضي، وتحديدا بعد استئناف العدوان على قطاع غزة، وأجبرت عائلات كثيرة على النزوح من مناطق العمليات العسكرية البرية والمشي لمسافة تزيد عن الـ 20 كيلو متر مشيا على الأقدام، وهي تحمل قليلا من أمتعتها وطعامها، وبعضها أجبر على حمل أطفاله وكبار السن من رجال ونساء العائلة.
وكان هذا الحل ما واجهه محمود عبد العال من مدينة رفح، والذي انتقل وعائلته إلى منطقة مواصي خانيونس، قاطعة مسافة طويلة، ويقول هذا الرجل إن قلة عدد العربات التي تجربها الحيوانات دفع غالبية السكان لقطع المسافة مشيا في ظل ظروف قاسية، ويشير إلى أن ثمن النقل على العربات التي تجرها الحيوانات ارتقع كثيرا بسبب هذه أزمة توقف عمل السيارات، وحاليا وفي منطقة سكنه غرب خانيونس، يضطر هذا الرجل كالجميع إما المشي على قدميه لقضاء المشاوير القريبة، أو استقلال العربات التي تجرها الحيوانات، في حال كان مقصده بعيد، ويقول إنه في بعض الأحيان يصطحب زوجته في هذه المواصلات، في مشهد لم يعتد عليه طوال حياته من قبل.

مواقف خاصة
وفي مدينة خانيونس، حيث تزدحم المدينة بسكانها وبالنازحين، هناك مواقف خاصة للعربات التي تجرها الحيوانات، والتي تتواجد في السوق المركزي وسط المدينة، وعلى مدخل البلدات الشرقية، وفي مناطق النزوح غربا، والتي تتحرك بالغالب من وإلى مركز المدينة أو إلى المنطقة المحيطة بمشفى ناصر.
وفي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، يقف شبان يملكون تلك العربات في وسط السوق المركزي، وينادون على الركاب إلى الأماكن المتجهين إليها، سواء إلى بلدة الزوايدة أو مدينة دير البلح التي يتواجد فيها المستشفى الرئيس في وسط القطاع، أو إلى مخيم البريج المجاور، ويظل هؤلاء يعملون حتى اقتراب موعد غروب الشمس وحلول الظلام.
ويقول أبو غسان، وهو رجل خمسيني يملك عربة يجرها حصار وكان متوقفا بجوار سوق النصيرات، ينتظر وصول دوره لنقل الركاب، حيث اعتاد ورفاقه ممن يملكون هذه العربات، على تنظيم عملية النقل بحسب دور الوصول إلى تلك المنطقة، إنه ينقل يوميا عشرات السكان، بينهم الموظف والطبيب والمعلم وحتى العمال، إضافة إلى النساء والأطفال، مقابل أجر مادي، يساعده على المعيشة، وهذا الرجل كان في السابق يستغل عربته في نقل الأثاث والأجهزة الكهربائية الثقيلة وأحيانا المواد التموينية للسكان والتجار، غير أن ظروف الحرب دفعته للعمل كسائق ينقل الركاب، ويشير لـ”القدس العربي” إلى أن عملية ركوب العربات التي تجرها الحيوانات “لم يعد يخجل منه السكان”، ويضيف “الكل صار بركب الكارة”، ويطلق السكان اسم “الكارة” على العربات التي تجرها الحيوانات.
وحتى لو سمحت سلطات الاحتلال بإدخال الوقود فسيكون من الصعب أن تحل الأزمة، خاصة وأن سلطات الاحتلال تشترط ألا يذهب الوقود الذي يدخل بكميات قليلة إلى القطاع إلى استخدامات المواطنين، وتبقيه مخصص للمنظمات الأممية والمرافق العامة كالمرافق الصحية وخدمات البلديات.

لا أعلاف للحيوانات
وحاليا يشتكي أصحاب العربات قلة الوقود المخصص لحركة هذه الحيوانات، ويقصدون الأعلاف من الشعير الذي يباع حاليا بأثمان مرتفعة، والخبز الناشف وبقايا الخضروات التالفة من الأسواق، وبسبب ندرة الطعام، لم يعد السكان يفرطون ببقايا الخبز، فيما يستغل الأهالي جميع الخضروات الورقية المتوفرة بكميات قليلة، حتى الجزء المصفر منها، والذي اعتادوا سابقا على رميه أو تقديمه للحيوانات، فيما بدأت النباتات العشبية الخضراء التي تكسو الأراضي الفارغة في فصل الشتاء بالاختفاء مع انقطاع المطر وبدء ارتفاع درجات الحرارة، والتي يتوقع أن تختفي بالكامل خلال الأسابيع القليلة القادمة، مما سيصعب مهمة توفير الأعلاف لهذه الحيوانات.
ويؤكد صاحب عرب، أن حماره لم يعد قادرا على جر أثقال كما كان في السابق، بعد أن فقد الكثير من وزنه وقوته العضلية.
وتجدر الإشارة إلى أن بلديات قطاع غزة، كانت قد حذرت من توقف عرباتها المخصصة للخدمات عن العمل، بسب قرب نفاذ الوقود، وقالت إنها حاولت العمل بالحد الأدنى طيلة هذه الفترة من عدم دخول السولار، وأنها بالكاد استطاعت أن توصل خدماتها الإنسانية للأهالي، حنى وصلت اليوم إلى الشلل الكامل.

أشرف الهور/ “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى