بـائـــع الـقـســطــــل..
خاص “المدارنت”..
إكليل من شمس..
فجراً؛ وجد نفسه على قارعة الطريق.. حاول أن يتذكّر أين كان.. لم يهتد..! فرك عيْنيْه، تحسّس صدرَه المُثْخَن بيوْمياتٍ مفقودة وسط ركام من أحلامٍ؛ أصبحتْ عجافاً في قاموس ذكرياته، استدار يميناً وشمالاً، نظر إلى السماء، تفحّص الأرض، لم يستوعبْ شيئاً…! أطرق هنيهة؛ ثمّ وضع يده على جبينه، وكأنه يفحص جزئية من جزئيات كيانه المحموم… فجأة؛ سمع صوتاً بعيداً، صوتاً ندياً؛ يخترق شغاف القلب، اهتزّتْ روحه الثّكلى، أرهف السمع… تدَفُقُ النفحات يخترق غشاء الفجر… يا ألله…! إنه نداء الحقّ، يغمر المكان. أدرك أنه في منطقة مأهولة، أو أنه على الأقلّ؛ قريبٌ منها.. تبدّدتْ رهبته، وراح يتتبّعُ عذوبة الأذان؛ وكأنه يسمعه لأول مرة.! تمَلكتْه روحانية غريبة، فطفق يهذي بمناجاة سماوية؛ استغرقت زمن صَحْوِه وغسلتْ ضباب مُقلتيْه…
بدأت الشمس تُداعب المكان على اسْتِحْياء… فأرْسَلتْ شُعَاعاً ضعيفاً انهرقتْ تموُّجاتُهُ على امْتداداتِ أرْضٍ مخملية.. ملأ رِئتيْهِ بِالهواء النقيّ؛ تحرّك في اتّجاهٍ غيْرِ مُحدّد؛ يسير بخطواتٍ بطيئة، يفكّر في بوصلة الأزْمِنة المترنّحة على بوَّابةِ الأمس… لفتَ انتباهَهُ بقايا بِناء، تقدّم نحوهُ – بحَذرٍ- تفحّصَ المكان؛ وقعتْ عينه على حصيرٍ مُكوّم، انعكست عليْه تموجاتُ الشمس في شكل إكليل جميل… وقف يتأمّلُ المنظر؛ تمكّن منه الشعور بالفضول.. بحث عن شيء يُحرّك به الحَصير… تعذّر المطلوب؛ فاضطرّ إلى استعمال قدمه، ركلة ركلتان، أحسّ بصلابة المُكوّم، ازداد فضوله، أخذ يدور حول الحصير بحثاً عن زاوية تُمكِّنُه ممّا ُيريد…
أفكار… مخنوقة…!
لم يشعرْ إلا ويدٌ خشنة؛ تنزلُ على كتفه الأيْمن… تسمَّرَ حيث هو، شعر أنّهُ فقَدَ رِيقَه! أدْرَك صاحبُ اليَد؛هَلعَ المُتسَمِّر… تراجَعَ خطوة إلى الوراء؛ وبصوتٍ أكلتْهُ البحّة؛ تناثرت الكلمات مِنْ بين شفتيْه: “لا تخفْ… لابأس؛ نتعاونُ على إزاحة الحصير”. استدار “عيْدون” ليرى وجه المتكلم؛ وقد عادت بعض الدماء إلى وجهه، وانتظمت شيئاً فشيئاً؛ دقّات قلبه.. يتحوّل الخوف إلى دهشة كبيرة… فالواقفُ أمامه؛ هو “سليمان”… صاحب عربة القسطل، المعروف ببيْع القسطل في المُتنزّهات العمومية والسّاحات الوَاسعة في المدينة… “سليمان” مُؤلّْفُ الحكايا العجيبة؛ يرويها للمتنزّهين؛ فيتحلّقون حول عربته، ويتذوّقون لذة قسْطله المشوي على نارٍ هادئة؛ يتسلّل لهيبُها من موْقد تقليدي يتوسّط العرَبة، فتتمايَلُ الأبْخرة، وهي تشقّ طريقها للتحرر من سقف العربة المُزركش بثقوبٍ متباعدة، بيْنما تُغازِلُ الرّائحة المُتصاعِدة أنوفَ المارّة؛ تحْت سماءٍ؛ تتأهّبُ لتغْييرِ لوْنِهَا اسْتعداداً لعُرْس الغيْم، الذي دقّ أجراسَه في وسط خريفٍ شاحب؛ يحْبو إلى أجَلِه. أقبل “عيدون” على “سليمان”؛ يسأله عن سبب تواجده بهذا المكان المنعزل وقد نسِي أمرَ الحَصير المُكوّم…غير أن “سُليْمان” لم يأبَهْ لِلسّائِل؛ ورَاحَ يشير على الرّجل؛ أنْ “فُكَّ معي عُقَدَ هذا الحصير أوّلا، ليزول فضولك!”
استغرب “عيدون” الكمّ الهائل من الكتبِ المُكدّسة تحْت الحَصير، نظر إلى “سليمان” نظرة استفهام قبل أن يبدأ بتقليب صفحاتِ بعْضِها، بينما البعض الآخر؛ قد تآكل، أوْ غدتِ سطورهُ باهتة وفاحتْ منه رَائِحة الرُّطوبة. ابْتعدَ “عيدون”؛ وقد لحِقه أذىً في حلْقِه وأنْفِه، وبدأ يسْعل سُعالاً مُتقطِّعاً، بينما “سليمان” يضحك ويتابع تقليب الكتب ونفضها وتعريضها لأشعة شمسٍ مُتراخية، دبَّ في أوْصَالِها سقم الخريف. كتبٌ متنوعة في السياسة، في الفكر، في الفلسفة، في التاريخ، في الفنّ، في الاقتصاد؛ في القانون، في الفلك، في الحضارة، في التربية، قرأ “سليمان” عناوين بعضها، وهو يمسح عنها ما علِقَ بها من الخشاش.. ثم يتركها للهواء، للشمس، تتنفس الصعداء؛ ويستدير نحو “عيدون” محاوِلاً تلخيصَ سبب تواجدها في هذا المكان، بعد أن خنقها التراب لمدة طويلة..
مِلكية هذه الكُتب؛ تعودُ للشابّ “أحمد” المُثقف؛ الذي أكمل دراسته الجامعية؛ في أحد التخصّصات النادرة، ومع ذلك لم يحصل على الوظيفة؛ قضى عدة سنوات؛ في تقديم الدروس المُساعِدة على تحسين المستوى لِأبناء الحيّ الفقراء الراغبين في تطوير مستوياتهم؛ مقابل مبالغ زهيدة يتقاضاها من بعضهم، بينما يتغاضى عن البعض الآخر؛ لسُوءِ حالِهم وضنك معيشتهم. يأتونه أفواجاً إلى سطح البيت الصغير العتيق؛ الذي تبرّع له به وَالِدُ أحدِ أصْدقائه؛ حين سمع قصة يُتْمِه ونشْأتِه في أحَد المَلاجِئ، التي يتكلّفُ مُحْسنو المدينة بالإشراف عليها وتمويلها، ومدّ يدِ العوْن للمُنْتمين إليْها.. الفضل في تعليمه يعود إلى هؤلاء المُحْسنين؛ الذين لمسوا فيه العقل الكبير والخلق الكريم والطموح الواعد؛ فقدّموا ما استطاعوا حتى انتهتْ مُهمّتهم؛ بانْتهاءِ مسارِه الجامِعي؛ فأصبحَ لزاماً عليه؛ أن يتدبّر شأنه..
سعى يطرق الأبواب للحصول على وظيفة في مجال تخصّصه؛ قوبل بالمُمَاطلة حيناً وبالسُّخْرِية حيناً آخرَ، وبالرَّفْض القاطع في أغلب المكاتب المَعْنية بمُراجَعة المِلفات.. تعرّف على “سليمان”؛ في إحدى الساحات العمومية؛ حين ابْتاعَهُ حبّاتٍ ساخنات من القسطل اللذيذ؛ ودخل معه في حوار بريء؛ عن سبب اختياره لبيع القسطل..وكانت تلك بداية صداقة قوية بين الرجليْن… يتبادلان الهموم والانشغالات، فوق رَغْوَة واقعٍ مُمِضّ؛ أرْهقهُما في سنّ مبكرة. فـ”سليمان” وإن يكن قد ترَبّى في بيْت جدِّه؛ إلا أنه يعي أنه جاء إلى هذه الحياة بطريقة مغلوطة! فأمُّهُ كانت ضحية زواج القاصر من أحد شيوخ البلدة، إذ هي الزوجة الرابعة في سلسلة الحريم المعقودة بِمِعْصَم الشيْخ “عبد الحيّ”.. ولم تلبثْ أن هربتْ في إحدى الليالي الحالكات؛ بمساعدة الشاب “رزيقو” الذي يعمل لدى الشيخ كمسؤول على إسطبل الخيل. هربتْ بعد ولادتها لسليمان بأسبوعينِ فقط؛ حين كان زوجها الشيخ مُعْتمراً بالديار المُقدّسة، وتركت مولودها في بيتِ والدها الحاج عيسى، لا هي عادتْ ولا الشاب “رزيقو” عاد… كبُرَ سليمان في كنف جده؛ محتمياً به من سخط الناس على والدته، ومن سخط أبْناءِ الزّوْجات الأخْرَيات وتهْديداتِهم له؛ بعْد أن توُفِّي وَالدُه الشيْخ “عبْد الحيّ”؛ زعْماً منْهم أن غُصّةَ الهارِبَة هي سببُ موْته…! بعْد بضعة أعْوام؛ يفقد سليمان جدّهُ لِأمّه؛ فينتقل إلى بيت إحْدى خالاِته في المدينة؛ لكنه لا يلبث أن يغادر سقفها، بسبب فقرها وكثرة عيالها، وانحرافات زوجها، الذي تعوّد على حياة السجون؛ وأصبح خطره حتّى على أوْلاده؛ حديثَ الجيران. لم يبق من مكان سوى الشارع.. يتدبر سليمان قُوتَه بالعمل في كل شيء…أمّا المبيت؛ فيبيتُ تارة؛ تحت قنطرة المدينة، وتارة؛ على عتبات بعض الدكاكين، أو خلف بعض المقاهي الليلية، إلى أنِ اهْتدى في الأخيرِ إلى المبيت في قارب عتيق على الشاطئ، قدّمه له أحد الصيادين؛ حين تعرّف عليه في إحدى الأمسيات. مع مرور الأيام؛ تطورتْ صحبة الرجليْن إلى صداقة طيبة؛ وامتدتْ إلى باقي الصيادين؛ فرحّبُوا بهِ بيْنَهم، وأصْبحَ يُعِينُهمْ على تجْهيز الشِّباك وإعداد الصّناديق لنقل السّمك إلى المدينة كلما سنحتْ له الفُرَص.
للبحر… رائحة..
كم كان السّمر جَمِيلاً مع هؤلاء الرّفْقة الجُدُد! جلساتٌ عذبة، تصنع مشهد الألفة بين رجال الصيد؛ وهم يتقاسمون اللقمة تحت ضوء القمر، وعلى منصة الرّمل، وقد تضمّختْ أنوفهم برائحة السمك وهو يُشوى على نار هادئة، حتى إذا ما انتهت العملية؛ جاء دور إعداد الشاي؛ فيعبق المكان باختلاط الروائح؛ وسرد الحكايا، وتناثر رغوة الموْج في استكانته الأخيرة على وجه الرمل؛ مُلمْلِماً ألوَاح البحْر بطقوسه الصاخبة منذ الأزل.. توسّعَتْ دائرة علاقاتِ سليمان؛ فوصلتْ إلى عمّال الموانئ؛ الذين أصبحوا يحضرون جلسات الأسمار مع الصيادين أوْقات جداولِ رَاحَتِهم؛ يتفكّهون وهم يرْوُونَ أخْبار الشّحْن والمشْحون والعُمُلات والسّجائر الأجْنبِية، والأيادي الخفية التي تأخذ وتُعْطي في عالم ضبابي؛ يُبيحُ كلُّ التكهّنات…!
من بين عُمّالِ الموَانئ؛ الذين ربَطتْهم عَلاقة وَطِيدة بسُليْمان؛ الشاب “رشيد”؛ الذي كان السبب في اشتغال “سليمان” ببيْع القسطل… حين دلّهُ على تاجرٍ مِنْ معَارِفِه، صاحب خبرة في تسْويق المُكسَّرات وثمارِ القسطل.
هي شذرات؛ من حياة “سليمان” بائع القسطل اليوم؛ والصديق القديم لـ”أحمد”، صاحب الكتب المدفونة… “أحمد” الذي انقطعتْ أخباره، بعد أن غادر البلاد في هِجْرة نهائية لِأحْلامٍ خنَقها الواقع؛ بفضل أصْحابِ الموَاقع، حين استكثروا عليه حقّهُ في وظيفة عادية، وداسوا على شهادته العلمية بكل أرْيَحِية! فراح.. رُبّما وَصَل إلى المهجَر.. ورُبّما أكله البحْر.. وربّما هو الذي تحوّل اليوم إلى شبح؛ يُطاردُ مَن زرَعوا الشوْك في درْبه واقتاتوا من أحْلامه، فقطفوا عناقيدَ نعِيمهِم مِنْ بُؤسِه، وتلذّذوا بحِرْمانِه من العيش الكريم، تحت سماءٍ شهِدتْ تفاصيل غُبْنِه مُنْذ وِلادته… كانتْ آخر وصية من أحمد لسليمان: “خُذْ هذه الكتب، واسْتخدِمْ أوْرَاقها في لَفِّ وَبيْع حبّاتِ القسطل!” استغرب سليمان الفكرة؛ وتظاهر بأنه سيفعل… أصبحت الكتب أمانة؛ تُثْقل كاهله.. عزّ عليْه أن يُفرّط فيها؛ وهو الذي لا يمتلك من المأوى سوى غرفة الصّفيح الضيقة؛ التي تعاون الصّيّادون – فيما بعْدُ – وأعدّوهَا له بمُحاذاة البناء القديم، الذي صادفه “عيدون” في طريقه، ووقف عنْدهُ متأمِّلا كومة الحصِير..
“عيدون” فسيْفِساءُ الوَجَع..
هَمّ “عيدون” بالمُغادرة، بعد أن علِمَ قصّة الحَصير. غيْر أن “سليمان” ألحّ على اسْتِضافتِه على عتبة غرْفة الصّفيح… كوؤس شاي وحبّاتُ قسطل وكعْكٌ بارد؛ كان سليمان قد جلبهُ قبل يوم؛ من أحد دكاكين الحلويات التقليدية… جلسةُ رَجُليْن، أحدُهُمَا اسْتفاق على وَقْعِ السؤال الحرِج: “مَنْ أنْت”؟!
للذاكرة أقفاص.. تذوب خلفها البدايات مع النِّهَايات، يتقطّعُ الزمن بين الأسلاك.. قافلة من الأصوات تُهَشِّم مرايا الِكتمان؛ تنْتزِعُ رِئة النِّسْيان… يعْبُرُ الطيْفُ عُبورَ الغَمام؛ زفرات تلو الزفرات تحرق لحظاتِ الصّمْت، تستفزُّ آثارَ الوَشْم الرّاقد على جِلدٍ ألهبتْهُ التشقّقات..
بين الرّشفة والأخرى؛ كان “سليمان” يتفحّصُ وجه “عيدون” بحْثاً عنْ دلالةٍ ما.. وجْهٌ نحيف، تكتسحه خدوش؛ لم تُفلحِ السُمْرة في تغْييبِها، عيْنانِ واسِعتانِ لا تسْتقرّانِ على شيْء، تلمعان حيناً… يخبو بَرِيقهُما حِيناً آخر، جَبينٌ عرِيض تناثرتْ فوقه كدمات؛ وكأنه خرَج منْ عملية ترْقيعٍ غيْر مُوَفّقة؛ لعَلها جُروحٌ قديمة لمْ تتوفّر لها العناية المطلوبة؛ فتمرّدتْ على الجِلد ورَسَمتْ عليْهِ أشْكالاً جَديدة.. تجعلُ العين تتعثّرُ؛ وهي تُتابعُ تقاسيمَ هذا الوَجْه الغامِض غُموض المجْهول…! يُدرك “عيدون” حيرة جليسه وتشتُّتَ ذِهْنِه… يفْتَحُ أحدَ الأقْفاصِ على مِصْراعيْه…
القفص الأول
شهران كاملان؛ يقضيهما “عيدون” بمصحّةٍ للعلاج النفسي.. ينام ويصحو على أشياء جديدة تُرْبِكُ حياته؛ من دون سابق إشعار.. شهران بين فحوصاتٍ ومُسكّناتٍ ووُجوهِ أطبّاء وأعْوَانهم، شهران مع مرْضى حقيقيّين، لم يكن يسلم من أمزجتهم العصبية إلا بشقّ الانْفس.. هو السليم المعافى؛ الذي رُمِيَ به في المِصحّة.. فقط؛ لأنّهُ أزْعَجَهُم بغضبه..! كانوا يستفزُّون هُدوءَه، يبْسطون مكْرَهُمْ أمام عيْنيْه… يبْتزُّون حلْمَهُ، يسرقون أمامه، يُزوّرون أمامه، يدْعونه للغنيمة لعلّ قناته تلين… غير أنه كان أشدّ عليهم من سكرات الموت… يتحوّل غضبه إلى ثورة؛ كلما دعوه إلى التوْقيع على المَحاضِر الجمَاعِية المُبطّنَة بأشكال غريبة من التحايلات، يُمَزّق المَحاضِر ويرْميها عليهم، يعُزّ عليه غلبةُ المدير على أمره.. رجل نزيهٌ وسط بطانة سوء؛ تجذّرتْ في العبث بالقوانين؛ واسْتحَلت كل المحرّمات…!
كان “عيدون” مِنْ قبلُ؛ موظفاً بسيطاً بمصلحة الأرْشيف لأحد القِطاعات التّجارية بالمَدينة؛ يظلّ طوال اليوم؛ بين الخزائن الحديدية؛ يُرتّبُ الملفات، يضع لها أرْقاماً ورُموزاً، ويُسجِّلُ تواريخها بمجرّد دخولها الأرشيف…عمِل بجِدّ وحنْكة، ولم يشْكُ يوْماً ضعْف الرّاتب، ولم يطمعْ أبداً في ترْقيةٍ أو في تغييرِ نوْعيةِ عمله؛ بل بالعكس؛ كان يحبُّ هدوء الأرشيف، ويُفضّلُ العمل وَحيداً في هذا المكتب السُّفلي، المُنْعزِل عن بقية المكاتب الأخرى، لم يكن مِنْ هُواة الضّجيج، ولا ِمن أصْحاب العَلاقاتِ الكثيرة، رجلٌ قليل الكلام، يُبادِرُ أوْ يكْتفِي برَدّ السّلام، ثمّ ينْهمِكُ في شُغْله بِمُتْعة؛ تُفَسِّرُها أريحِيةُ مَلامِحِه..
ذات يوم من أيام العام الجديد؛ اُسْتُدْعِيَ إلى مكتب مدير القطاع للاطّلاع على قرَار تعْيينٍ جَديد؛ يرقى به إلى مستوى موظفين آخرين، سينضمّ إليهم في المكتب الفخم الكبير، في الطابق العُلوي؛ المُخَصّص للصفقات الكبرى ولِلْأُمَناء العامّين…! تكدّر صفوه، فكّر في كتابة اعْتِذار؛ يعْفيه من تقلّدِ المسؤولية الجديدة؛ استشار قلبَه… استشار عقلَه… وقبل أن يجنح إلى قرار؛ دخل عليه الموظف الجديد؛ وَبِيَدِه وَثيقة التّعْيين في الأرْشيف…! ابْتلعَ رِيقه وهو يُصافِحُه، وتمنّى له كل التوفيق، وعيناه تُتابعان حركات هذا الشاب المَزْهُو بحُصُولِه على عملٍ وكفى…!
بدأ “عيدون” العمل في المكتب الجديد، مع سِتّة مُوَظفين، لم يكن يعرف عنهم شيئاً؛ استشعر بعض الغرابة، حاول التأقلم، إلّا أنّهُ لم يُفلحْ في إخْفاءِ تصاعد ضيْقه واتساع قنوطه. مرّ الأسبوع الأول في اطلاعه على مُتطلّباتِ العمَل والمسائل التي يتكفّلُ المكتب بها. بعد وقتٍ يسير؛ أدرك عيدون الطبيعة المعقّدة لهذه المسؤولية الجديدة… بدأ يتحسّسُ استغباء الموظّفين لهُ، تظاهَرَ بعدَم الاِكْتراث… مرّتِ الأسابيع وأقنعة نِفاقِهم تتزايد، وسُمومُ خُبْثهم تسْتحْوِذ على تفْكيرِه وتقضّ مضجعه… كان يجد بعض الراحة القصيرة في غرفة مستطيلة؛ بمحاذاة المكتب الكبير؛ مُخَصّصة لِاحْتساء القهوة أو الشاي، يتكلّفُ بإعدادهما “عمّي رابح” متى طلب الموظّفون ذلك. يطمئنّ عيدون وهو يقلّبُ أطراف الحديث مع “العمّ رابح”؛ الذي يُقدّمُ له الشاي بابْتسامتِه العرِيضة؛ وعبارته الدائمة: “بصحتك ولدي”، ثمّ ينْصرِف بِبُطء؛ إلى تفقّد لوازمه وانتظار طلبات أصحاب الأقنعة المُهْترِئة… بمُرُورِ الأيام؛ توَطدت العلاقة بين الرّجُليْن؛ وتكلّلتْ ِبزِيَاراتِ عيدون المتكرّرة للعمِّ رابح في بيْته؛ كلما مرِض أوْ غابَ عنِ العمل لأسْبابٍ قاهرة.
يُجالسه في إحدى الأمسيات، يخوضان في أحاديث متنوعة؛ يعلم عيدون من خلالها، أن أبناء العمّ رابح؛ هاجروا منذ سنوات إلى بُلدان مختلفة، “حمدون” الابن الأكبر؛ قصد فرنسا، وتزوج من نادِلة فرَنْسية؛ قُتِلتْ في ظروف غامضة، ولم تظهر براءة زوجها إلا بعد ستّة أشْهُر من حبْسه… عاد بعْدَها إلى الدّيار، وتزوج من ابنة عمه، التي كانت تكبرُهُ بِعَديد السّنوات… بعد عامٍ تقريباً؛ اختفى “حمدون” مع جماعة من أبناء الحيّ؛ قيلَ: إنهم امتطوا قوارب ليلية؛ ولا أحد استطاع تحْديد وِجْهَتِهِم… الابْنُ الثّاني “منصور”، ذهب مع جماعة من التُّجار إلى سوريا قبل اندلاع الحرْب بشهور قليلة؛ عاد بعضُهم؛ ولم يعد البعض الآخر، ومنهم “منصور”. الابن الثالث “مسعود”، كان يعمل عند أحد أكبر تُجّارِ موادّ البناء؛ شكّلَ صداقاتٍ متنوعة مع الزبائن؛ الذين يبتاعون مواد البناء من هذا المخزن، المعروف بالجودة والإسراع في تلبية الطلبات. تعرّف “مسعود” في إحدى العطل الصيفية على الزبون الجديد؛ “نور الدين”، رجل ستّيني مُقيم في إيطاليا؛ دخلها وهو ابن العشرين، بصحبة والده الحاج “عبد الحقّ”، الذي اشتغل مُرْشِداً دِينِياً للجالية المُسْلمة هناك… وبعد وفاته؛ خلفه ابنُه “نور الدين”، فسلك نفس المسار؛ بمجرّد أن حصل على التزكية المطلوبة. على عادة أغلب المهاجرين، يبْني “نور الدين” في مسْقط رأسِه بإحدى ولايات الجنوب؛ مَسْكناً من ثلاثة طوابق؛ يُجهّزُهُ بِنيّة الِاسْتقرَارِ القرِيب في بلدِه. يتطور التّعارُف بينه وبين “مسعود” إلى صُحْبة حقيقية بيْن الرّجليْن؛ صُحْبةٌ تمْنحُ “مسعود” فرْصَة السّفر إلى إيطاليا، وتتّسعُ بمرُورِ الوقْت؛ إلى تعلّقِ أْبْناء “نور الدّين” بِصَديق وَالدِهمْ الجديد، الذي سيُصْبحُ في الأخير أحَد الأصْهارِ المُعَزّزين المُكرّمين في العائلة الكبيرة، المُتكوّنة منْ عشرة أفراد.
لم يظل مع العمّ “رابح” سوى ابنته “خديجة”، أرْملة ِبوَلديْنِ؛ قُتِل زوْجُها الجُنْدي مع جماعة من رفاقه؛ في كمينٍ نصبتْه أيادي الظلام في التّسْعِينات.. مِحْنَة شجّعتْها على العودة إلى العمل كممرّضة في أحد المُسْتشفيات الصّغيرة بالبلْدة، بعد أن كانت قد توَقّفتْ عنْهُ بدافعِ ترْبية التوأم: “يونس” و”خلدون”. شمعتان لا تخبوان في دربِ العمّ “رابح” والجدّة “سعدية” الصبورة، التي اجتمعت عليها كل الأمراض؛ فلم تعد تشتكي من شيء..! أصْبحَ كل همِّها آنذاك؛ أنْ تعودَ “خديجة” من عملها حيّة تُرْزق؛ وهي التي تحكي لِأمّها أخبارَ الموت الباذخ في كل وقت!
هذه هي عائلة العمّ “رابح”؛ تعرّف عيدون؛ على قصصها من دون أن يتعرّف على وجوه أبطالها… كان يعرف الجدة “سعدية” فقط؛ يُقبّلُ رأسها، ويدعو لها بموفور الصحة، وهو يقدّم لها قطعة قماش حريرية..
استشعر عيدون بداية صداع خفيف، تحسس جبهته؛ صمتَ بُرْهة، ثم طلب من “سليمان” قرصاً لِوجع الرأس إنْ أمكن… الصّداع يتزايد، تبدأ بوادرُ الحُمّى تتراقص على ظلال الوجْه النّحيف.. يُسارعُ سليمان إلى عُلبة الأعشاب؛ ينقعُها، ثم يطلب من المريض شرْبها، والدخول إلى غرفة الصفيح ليستلقي على سريرٍ مُتآكل؛ يتمدّدُ “عيدون”، والضّعفُ يتسلّلُ إلى مفاصله، وكأنه سيختلسُ عِظامَ جسَده. تشتدُّ الحُمّى عليْه؛ يُبلّلُ “سليمان” مِنْشفة الوجْه ويضعُها على جبينِ المريض؛ يعْصُرُها مَرّاتٍ مُتتاليات بعْد غطسِها في دلو الماء أمامه. بِشفتيْنِ كالجمْر؛ يدخل “عيدون” دوّامة الهَذيان…
القفص الثاني
يستمع سليمان مذهولاً: “يمينة… يمينة”… “كريمو.. كريمو” يصرخ “عيدون”، يدور برأسه يميناً وشمالاً على وسادةٍ بلّلها العرَق، وبلّلتْها الرّغْوة العجيبة المُتدفّقة من فم المريض.. يتكهّن سليمان بأن هذه الرغوة؛ ربما هي بقية قيْء، ُيغادر الأمْعاء بعد أن غسلتْها الأعشاب المنقوعة… شيئاً فشيئاً؛ يهدأ “عيدون”، يستقر رأسه على الوسادة، يفتح عينيْن ذابلتيْن؛ يسْكنُهما جزعٌ كبير.. يُبحْلق في الغرْفة الغريبة عنْه… تنْهيدَةٌ حارِقة؛ تُلخِّصُ عودته إلى وَعْيِه… يتملمَل، يتحامَل على نفْسه مرْتكزاً على أحد مِرْفقيْه؛ حتى يعْتدل في جلسته، يُسارع سليمان إلى مساعدته؛ فيضع الوسادة وراء ظهره، ويُمَرّرُ يدهُ على جبين المريض؛ محاولاً معرفة حرارته… يبتسم وهو يردد في ثقة كبيرة: ” إنها أعشابي يا رفيق! ها قد صحوت، وعادت الدّماء إلى وجْهك… نزلتْ حرارتُك، والحمد لله على ذلك.” تأوّه عيدون وهو ينظر إلى سليمان بِامْتنان… حاول النهوض؛ غير أن صاحب الغرفة منعه؛ مُصرّاً على أن يقضيا معاً اليوم كله؛ وبِدُعابةٍ بريئة؛ علق سليمان على اسم “يمينة”: “لا شكّ أنّ “يمينة” يا صاحبي؛ محظوظة بكَ… فقد هذيْتَ بها والحُمّى تأكلك..! أما “كريمو” فلا أسألك عنه شيئاً..”يُغْمض عيدون عينيْه، ويفتح القفص…
حافلة صغيرة لنقل المُعَلّمات منَ المدينة إلى القرْية، ترْكبُها “يمينة” مع زميلاتها في يومٍ عاصف… كنَّ دافئات داخل معاطفهنّ الصوفية، يتبادلْن أحاديث التدريس المعهودة، يتبادلْن أخبارهن الخاصّة: زوج مريض، ابنٌ أو ابنةٌ مريضة، حماةٌ غير راضية عن عمل الكنّة وخروجها يومياً، أخريات عازبات؛ فاتهُنّ قطار الزواج؛ ومع ذلك، يتشبّثْن بالأمل، ويرسمن الأحلام الواعدات بتغيير الحال… مصاريف كبيرة تُرْهق ميزانية الأسرة في الأعياد والمناسبات، وما تتطلبه من الهدايا المُتعارَف عليها عند تزويج أحد أقرباء العائلة، أو عند الإنجاب، أو عند النجاح والحصول على الشهادات المعروفة. يتبادلن أطراف الحديث؛ ومعهنّ حقائب التدريس المحشوة بالأوراق وربما ببعض كراريس التلاميذ التي تتمّ مراقبتها أسبوعياً وبالتدريج؛ قد تفتح واحدة منهن حقيبتها، تتفقّدُ شيئاً تظنّ أنها نسيتْه وهي خارجة في عجلة من أمرها… تطمئنّ عندما تعثر على حاجتها.. تبتسم… يبتسِمْن… يطول الطريق، تتبرّع واحدة بنكتة… تنافسها أخرى بنكتة أقوى… تتعثر عجلات الحافلة بين الحفر والأحجار، يُتمتم السائق بكلماتٍ ساخطة.. يصبّ منْ خلالها نقمته على المسؤولين عن أشغال الطرقات.. تخْتضُّ الرّاكِبات، حقائب قد تفْلُتُ من حِجْر بعض المعلّمات؛ فتتدحْرج.. تتضاحك المعلّمات وهن يلحقن أشياءهُنّ، قبل وصولها إلى أقدام السائق الحانق.
في ذلك اليوم العاصف؛ ستتوقف الحافلة قبل وصولها إلى المدرسة… وُجوهٌ مُلثّمة، أصواتٌ صاخبة، تأمر السائق بالنزول؛ لكمَاتٌ تُفقدهُ الوَعْي… يُرْمَى على الجانب الآخر مِنَ الطرِيق… يصْعد بعْضٌ من أصْحاب الوُجوه المُلثّمة بأسلحةٍ بيضاء.. الصراخ يهزّ الحافلة… الأسلحة تهْزِمُ الصراخ…! في ثوانٍ؛ تتكدّسُ جُثث المُعلّمات… تتطايرُ الحقائب.. تُرْفَس، تُمَزَّق، تغْطِس في حوْض الدِّماء… بعد أن كانتْ مُعَدَّة لِعِطرِ المِداد…! “يمينة” عروسُ “عيدون”؛ ترْحلُ عنه بعْد شهْريْن فقط من زواجِهما… لا يعْلمُ “عيدون” متى اسْتفاق مِنْ وَقْعِ المُصِيبة…
يتقدم “سليمان” بحساء ساخن نحْو ضيْفه وهو يُكرّر: “هيّا هيّا، مَنْ يتناوَلُ حسائي؛ لن يتناول حساء غيْري..! جرِّبْ، جرِّبْ… الأعشاب والحساء والقسطل هي تخصصاتي التي أفخر بها..”. ثمّ يُضيف مازحاً: “سأعَلِّمُكَ هذه التخصّصات، بشرط واحد: تأخذني إلى “العمّ رابح”؛ وتخطب لي ابنته الأرْملة…!”. يُدرِكُ عيدون صفاء سريرة هذا الرّجل وروحه المرحة، يبتسم، يتذوّق الحساء، يعْترِف بِأنّهُ لذيذ؛ يطلب كوب ماء، يشربه بأريحية، يشعر بالرغبة في الِاسْتِلقاء… يتفهّمُ “سليمان” وضعية مريضه؛ فيغادر غرفة الصفيح وهو يُدَنْدِنُ بمقاطع من رائعة فيْروز: “الغضب الساطع آتٍ وأنا كُلّي إيمان… “يذهل عيدون وهو يتابع بعينيْه الذابلتيْن مظهر هذا الرّجُل البسيط في كل شيء، والمُدْرِك لكلِّ شيء في نفس الوقت..! المقْطع يشْغله… يسْتحْضر صورة القدس الشريف، تلتهب مشاعره، لا يشعر إلا وهو يُردّد بصوتٍ شجيّ: “الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان…”
القفص الثالث..
يتوقف “عيدون” فجأة عن الغناء، يتذكر رفيق طفولته وصديق شبابه؛ “كريم”. يُغْمِضُ عينيْه، يحاول الهروب من مشهدٍ مريع؛ يتحوّل إلى كابوس يخنقه؛ كلما استحْضرَتْه المخيّلة.. “كريمو” – كما كان يحْلو ِلعِيدون أن يناديه – ذاكَ الهارب منْ جهَنّم زوْج الأمّ… يُغادِر البيْت صغيراً؛ يعيشُ بيْن أخواله وأعْمامه وعمّاته بالتّناوُب… حين يشبّ عن الطوق؛ يكتشف الفتى ميولهُ للموسيقى والغناء… يتبرّعُ أحدُ أعْمامه الميْسُورِين بتكاليفِ المعْهد الموسيقي؛ ينْبهرُ أساتذته بموْهبته، يُشجّعونه، شيئاً فشيئاً؛ يَذيع صيتُه، يُسْتدْعى للغناء في المسرح الصغير للمدينة، وفي بعض المناسبات العائلية مثل الأعراس وغيرها.. ذات صباح؛ يستيقظ عيدون على صراخ ساكني الحيّ، يتصاعد صخب الأصوات، يتحول المكان إلى مَحَطةٍ لِسيَّاراتِ الإسْعاف، التي يحاول سائقوها إجلاء الناس عن مشهد الجريمة… يخرج عيدون جزِعاً، يدخل وسط الجموع الملتفّة على المشهد المُريع… تقع عينه على جثة “كريمو”؛ وقد شوّهَها التّنْكيل إلى أبعد حدّ… يُغالِبُه القيْء، يسقط، تسْحبُه الغيْبوبة ثلاثة أيام، يصْحو بعْدها وهو لا يُصَدّق، أنّه فقَدَ “كرِيمو” بعْد أرْبعة أشْهُرٍ فقط من فقْدِهِ للرّاحِلة “يمينة”!. ودلف سليمان إلى الغرفة؛ وقد سمع شهيق عيدون… يدور حوله، يربت على كتفه، يقرأ بعض السور الصغيرة على رأسه، يُبادِرُ إلى كوب ماء، يرش وجهه؛ وشيئاً فشيئاً يهدأ عيدون؛ ويمسح عن وجْهِه بقايا دمْعٍ اختلط بقطراتٍ من الماء…
يُدْرِك سليمان غُصصَ ضيْفه… يتأمّله… يحاول التخفيف عنه، يقترح: “ستساعدني يا صاحبي في عملية الفرز التي يستوجبها القسطل… سأجُرُّ الأكياس إلى داخل الغرفة، وسأحكم على مهارتك في فرز حبّة القسطلة الجيّدة مِنْ تلكَ الرديئة…”. يبتسم عيدون، يقوم من الفراش، يخرج من الغرفة، يسأل: “أين هي الأكياس؟ أين؟…” يستبشر سليمان؛ وتبدأ عملية الفرز…! أثناءها يتكلّم “بائع القسطل” بجدية لافتة؛ تجعل “عيدون” يكتفي بِالاستماع: “لا تظن يا صاحبي أنك الوحيد المتضرّر… مئات قبلك؛ ومئاتٌ معك؛ داسَتْهُمْ همجية المُتسَلّط.. خرجْنا مِنْ محْنة أيادي الظلام، إلى محْنة أيادي النهار! وما أطول أيادي النهار! هؤلاء الذين اشتغلْتَ معهُم؛ ووَقّعوا وَثيقة جُنونِك؛ أمثالُهُم كثير… ودرْبُهُم قصير. لا تبتئسْ يا صاحبي؛ مُحَدِّثُكَ سليمان هذا؛ سينتقم لكَ وللمئات قبلك ومعك وبعدك… سنبيع القسطل معاً”. يندهش عيدون؛ وقبل أن ينطق يُبادره بائع القسطل: “دُلّني على العمّ “رابح”، سأتصيّد أخبارَهمْ، سأوقِعُهُم في غيّهِمْ، سأفضح مكرهمْ في المُنْتزهات وعلى الأرْصفة، وفي كل مكانٍ يكون لنا فيه مجالٌ لبيْعِ القسطل.. أنا سأسوق العربة، وأنشُرُ الحكايا العجيبة بين آذان الزبائن، وأنت ستلفُّ حبّاتِ القسْطل في هذا الورق، وتبيعُها لِمنْ يطلُبُها، وبين الفينة والأخرى؛ ترفع عقيرتك بالغناء؛ فمهارتُكَ بادية في هذا المجال..!”
سينْجحان، سيُحقّقان المنشود، الحلْقة تتسع… البيْع يزداد… الوعْيُ ينْتصر، الحكايا العجيبة تُلْفتُ الِانْتباه، جمهور بائع القسطل؛ يسْتعدّ…! يتحمّس عيدون… يختار خاتمة مُلازِمَة لِأغانيه؛ يُكرّرُها مع بيْع آخرِ حبّة قسْطل: “سلام، سلام، قسْطل السّلام يا أهْلَ السّلام”.
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=