“بـيّـــن حـقّـــك واتـــركـــــه”..
خاص “المدارنت”..
كتيرة هي الأمثال لبنانية التي يكرّرها النّاس في مجالسهم، وأمي بجلساتنا معًا. “بيّن حقّك واتركه”، في الوقت الّذي كنت أنا من الأشخاص الّذين يدعون الآخرين إلى عدم التّخلّي عن حقّهم – وما زلت – لأنّ باللّحظة الّتي تظهر فيها حقّك عليك بأخذه؛ فماذا يعني أن تقول أمّي لي وتشدّد “بيّني حقك واتركيه؟”.
وفي المقابل، كانت الحياة، وفي كلّ موقف، تظهر لي أنّه في بعض الأحيان، يجب أن نأخد القرارات الأقلّ ضرراً بالنّسبة لنا، وللأشخاص الّذين نحبّهم. والأشخاص الّذين نحبّهم، لديهم أشخاصًا يحبّونهم أيضًا؛ والدّائرة تتّسع! ولا يخفى على أحد ما كان في تلك الإيّام من حزن كبير، وخوف كثير وقلق ثقيل؛ ثقيل على الأكتاف تحمّله والقلب يتحمّله…
وكما أنّ كلمة الحق اليوم تؤلم، كانت يومها تؤلم وزيادة… فكيف؟ كيف من الممكن أن أحكي؟ وأكيد عليّ ألّا أسكت. والكلام سكّين… والفعل تنّين…
وإنّما الحقّ، حقّ، ولا يجوز السّكوت عنه، ويجب المطالبة به، لو مهما كلّف الأمر والثّبات حتّى نيله. ولكن، كيفيّة تبيان هذا الحقّ والآليّة الّتي تعتمدها، لتحصيله هما اللّتان تحدّدان مسارك الإنساني أوّلا، والاجتماعي لاحقا، لترتقي بذاتك بسلّم الحياة.
والآخر، من الطّرف الآخر، أرض؛ والحقّ قمحة! إن كانت الأرض خصبة ستنمو القمحة وتعود عليك، يوم الحصاد بقمحات محبة وامتنان! وإن الأرض قاحلة جرداء، بلا روح لا نفع فيها لحرث أو ريّ، فعبثًا يحاول الفلّاحون! وبعض الأراضي بين بين، ضائعة بهذه الضّوضاء، ميّالة للعطاء وخائفة من الخسارة؛ تحبّ الحياة ومرعوبة من الاستغلال؛ مناصرة للحقّ، وما تملك قدرة المواجهة؛ كريمة من جهة، وبخيلة بجهة أخرى؛ رازحة تحت الظّلم وتقاوم بصمت؛ وبعضها يناديك ويطالبك النّجدة…
وأنت، أو أنا، الحاملين هذه القمحة، نداريها ونعتني بها، لتنمو في بيدر الحياة، والنّسيم يغنّجها، ونفرح بطعمها لقمة هنيّة، نسقيها صبرًا مدعومًا بالإصرار، ومن الزّؤان ننقّيها، ويوم الحصاد سنحتفل بالحبّ ناصرها.