بين مباحثات الرياض/ سوريا والدوحة/ غزّة..!
“المدارنت”..
استضافت السعودية، أمس الأحد، اجتماعين في الرياض، الأول لوزراء خارجية عرب، والثاني ضمهم مع وزير الخارجية التركي ونظراء أوروبيين (وتمثيل أمريكي) لإجراء مباحثات بشأن العملية الانتقالية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد الشهر الماضي. ركّز الاجتماعان، حسب تصريح مسؤول سعودي لوكالة الصحافة الفرنسية، على دعم الإدارة الجديدة ورفع محتمل للعقوبات.
يفترض أن يكون الاجتماع الأخير حول سوريا مختلفا عن لقاء العقبة في الأردن الشهر الماضي، فقد بدا ذلك اللقاء مشغولا بالهواجس الأمنية للدول المشاركة، وباشتراطات على آلية الانتقال السياسي، في الوقت الذي توقع السوريون أن يكون لهم وجود في ذلك الاجتماع، وأن يتم التعامل معهم كشعب خارج من مأساة فظيعة يحتاج معها لنجدة عاجلة ودعم وتعاطف سريعين، وتعاون الأولويات الإنسانية التي لا يمكن تأجيلها إلى أن تنفذ تلك الاشتراطات والمطالب.
يفترض بالاجتماع أيضا أن يعكس التطوّرات الكثيرة التي حصلت في سوريا والمنطقة.
أول تلك المخاطر يمثلها التوغّل الإسرائيلي المتصاعد في الأراضي السورية وصولا إلى إعلانها التخطيط لاحتلال منطقة عازلة بعمق 15 كيلومترا ولمجال نفوذ استخباراتي يمتد لمسافة 60 كيلومترا داخل سوريا، وكذلك المخاطر التي تمثّلها خطط تل أبيب لما تسميه «حماية الأقليات» والذي أظهرته علنا باتصال مع قيادية في «الوحدات الكردية» التي تسيطر على شمال شرق سوريا، وكشفته صحيفة «يسرائيل هيوم» عن تخطيطها أيضا لـ«مؤتمر دولي» لتقسيم سوريا إلى كانتونات.
يضاف إلى كل ذلك الممانعة التي تلاقيها الإدارة الجديدة من بعض المناطق السورية، كمحافظة السويداء، وفصائل مسلحة لم توافق بعد على تسليم أسلحتها والانضمام لجيش موحد، والتحديات الأمنية الكثيرة التي كان آخرها كشف الإدارة السورية عن إحباط محاولة لتنظيم «الدولة الإسلامية» لعملية إرهابية في منطقة السيدة زينب، التي تعتبر مكانا ذا أهمية دينية خاصة للشيعة، وهي محاولة واضحة لتوتير الأجواء الطائفية في سوريا والمنطقة العربية.
تستمر، في هذه الأثناء، مباحثات الدوحة حول وقف إطلاق النار في غزة، حيث كلّف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفدا من كبار المسؤولين للمشاركة في المباحثات الجارية في العاصمة القطرية الدوحة بعد عقده اجتماعا مع ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط.
آخر الأخبار في هذا الخصوص كانت إعلان صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية الخاصة «التوصل الى اتفاق شبه مكتمل» بين إسرائيل وحركة «حماس» لتبادل الأسرى، وأن نقطة الخلاف الأساسية العالقة تكمن في ضمانات تريدها الحركة بتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق وربطها بالمرحلة الأولى، لخشيتها من عودة حكومة نتنياهو للحرب بعد إنجاز الخطوة الأولى من الصفقة.
تستخدم إسرائيل في الموضوعين السوري والفلسطيني مبرر «الدفاع عن النفس» الذي هو «مبدأ سام» اخترعته ليكون فوق سيادات الدول، وحقوق الآدميين، والشرع والقوانين الأممية والدولية. تنتقل إسرائيل بهذا «الدفاع» من اغتيال عشرات آلاف المدنيين بحجة قتل عناصر «حماس» إلى مواجهة خصوم افتراضيين مقبلين (ولو بعد 20 سنة، كما تقول حول احتمال مواجهة الإدارة السورية لها) كما يهدد مسؤولوها الإرهابيون، تصريحا لا تلميحا، بالتطهير العرقي للفلسطينيين، وبتغيير الحدود، وبتقسيم الدول، وبإعادة تشكيل الشرق الأوسط.
هناك ارتباط واضح بين ما حصل في غزة وما جرى في سوريا لا يتعلق فقط بحضور الهمجية الإسرائيلية في تصرفاتها وخططها ضد الفلسطينيين والسوريين. تهدف مباحثات الدوحة إلى تسوية توقف هذا التوحش، أما في الرياض فهذا موضوع يصعب أن يغيب عن أذهان الحضور.
يفتح احتمال انخفاض التوتر في غزة، والاستقرار في سوريا احتمالات تسويات كبرى في المنطقة مبعثها المصالح العربية والدولية، ولكن إسرائيل مصممة، كما هو واضح، على إضعاف هذه الاحتمالات، غير أن مفاجآت التاريخ، كما حصل في الموضوع السوري نفسه، عديدة، وقد تفاجئ الجميع.