تربية وثقافة

جيل اللمسة الذكية بين رفوف الورق.. طلاب في زمن الشاشة والكتاب!


بيروت/ “المدارنت”
في أروقة معرض بيروت العربي الدولي للكتاب – بنسخته السادسة والستين – الذي ينظمه “النادي الثقافي العربي”، كان المشهد مختلفًا هذا العام. مئات الطلاب يتنقلون بين الرفوف، يلمسون الكتب، يقلّبون الصفحات، ويغوصون في عناوين مَنسيّة. مشهد قد يبدو غريبًا في زمن يحتله “التابلت” والهاتف الذكي.
هذا الحدث السنوي يعكس محاولة صادقة من جيل جديد، لاحتضان الورق في ظل عالم يزداد رقميّةً يومًا بعد يوم.
تحت سقف هذا المعرض العريق، الذي نُقل موعده من كانون الأول إلى أيار استثنائيًا، بسبب الاوضاع التي مرت بها البلاد، توافدت مدارس وجامعات من مختلف المناطق اللبنانية، وارتفع عدد الطلاب الزائرين ليتجاوز الـ5000 خلال الأيام الخمس الأولى من المعرض، بحسب ما أفادت إدارة المعرض. خطوة التوقيت هذه لم تكن تفصيلًا بسيطًا، بل أسهمت في تسهيل تنظيم رحلات مدرسية كانت محظورة سابقًا بسبب الامتحانات أو سوء الطقس.
لكن ما الذي يبحث عنه هذا الجيل بين الرفوف؟ هل يبحث عن معرفة؟ عن تسلية؟ أم عن شيء من الحنين لعالم لم يعرفه كاملًا؟ بين الروايات والكتب النفسية.. خرائط اهتمامات جديدة.
في حديث مع ليلى ترحيني، من “دار فيلوسوفيا”، اشارت إلى أن “الكتب الأكثر طلبًا من قبل الطلاب هذا العام تمحورت حول الروايات، والقصص، وكتب علم النفس والتنمية الذاتية، مع إقبال أقل على الكتب السياسية والفكرية رغم تخفيض أسعارها”.


وقال طلاب عندهم فضول: ولكن ليسوا كلهم من القرّاء. منهم من يبتاع كتب، لأنهم يحبون أن يقرأوا، ومنهم يبتاع الكتاب كذكرى من المعرض. ولكن الواضح أن الروايات تجذب الطلاب أكتر من غيرها”.
وخلال الجولة، التقينا مجموعة من الطلاب من مدارس مختلفة. قالت إحدى الطالبات: ”أنا أحب الكتب “البوليسية”، وأشعر أن الكتاب الورقي يأخذني الى عالم مختلف، بعيد عن ضجة الشاشة”.
فيما عبّرت طالبة أخرى، تبلغ من العمر 12 عامًا عن “سعادتها في العثور على كتب تعليمية تساعدها في دراستها”، مضيفة “الورقة لا توجع العين مثل “التابلت”، وأحب أكتب ملاحظاتي جنب كل صفحة”.
ولكن، وعلى الرغم من المشهد الإيجابي العام، لا يمكن تجاهل الجانب الآخر من الصورة، فبعض الطلاب، الذين حضروا مع مدارسهم، تعاملوا مع الزيارة كأنها نزهة لا أكثر. إحدى المعلمات قالت لنا بصراحة: “هناك طلابًا ليس لديهم أيّ حافز حقيقي، يأتون الى المعرض كنزهة مع المدرسة، ويفضلون إستخدام هواتفهم، بدل البحث على كتاب”.
وعدد من التلاميذ، عبّر بوضوح عن تفضيلهم للمطالعة الرقمية. أحدهم قال: “أنا أقرأ فقط  عبر الهاتف، الكتاب الورقي ثقيل، ولا أحب أن أحمله، أفضّل أن أقرأ عبر “Wattpad” أو الـ”PDF”.
بينما أضاف آخر: “الكتاب الورقي شكله جميل، لكن لا أحب الوقوف أمامه، أفضّل أعمل “Scroll” على “فيديوهات”، تشرح القصص أو الكتب، بدل قراءتي لكل شي”.


هذه الآراء، وعلى الرغم من تناقضتها مع المشهد العام، فهي واقعية، وتعكس تنوّع العلاقة بين الجيل الجديد والقراءة، البعض لا يزال يرى فيها شغف، والبعض الآخر يراها مُجرّد مهمة ثقيلة، أو خيار رقمي سهل الاستهلاك، أما البعض الآخر من المعلمات، فلاحظن تغيرًا في سلوك طلابهن.
فتقول إحدى المعلمات: ”المرة الماضية، الطلاب كانوا يتعاملوا مع المعرض كرحلة، أما هذه المرة، أرى أن هناك طلابًا يبحثون، ويفتشون، ويناقشون، ويسألون عن الكتاب الذي يرغبون شراءه”.
بين الورق والشاشة: علاقة مشبوهة أم تكامل؟
لا يمكن إنكارأن التكنولوجيا تفرض نفسها بقوة على هذا الجيل. التطبيقات التعليمية، الكتب الإلكترونية، الفيديوهات، ومنصات التواصل، كلها باتت جزءًا من حياة الطالب اليومية. ومع ذلك، فإن لمس الورق، شمّ رائحة الكتب الجديدة، والاحتفاظ بكتاب في حقيبة المدرسة، لا تزال أمورًا تحافظ على مكانتها في قلوب الكثيرين.
الطلاب لا يرفضون الشاشة، بل يسعون لخلق توازن بين العالمين، وهذا التوازن – إن تحقق – قد يكون المنقذ للكتاب الورقي من الانقراض.
وفي حديث خاص مع رئيس المكتب الاعلامي للمعرض الدكتور أكرم حمدان، أكد أ، “الأجواء هذا العام مميزة بكل المقاييس. نشهد حركة ناشطة جداً منذ الأيام الأولى، واللافت هو التنوّع في الزوّار، من طلاب مدارس وجامعات، إلى عائلات ومهتمين من مختلف الخلفيات. التنظيم جيّد، والتعاون مع إدارات المدارس والمعاهد ساعد على إنجاح الحضور الطلابي. هناك أيضاً، زخم واضح من حيث الفعاليات والندوات والتواقيع، ما أعطى المعرض نبضاً ثقافياً فعلياً، وليس فقط مساحة بيع كتب. نستطيع القول إن معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في نسخته السادسة والستين، أثبت مجدداً مكانته كمحطة سنوية ينتظرها اللبنانيون، وخاصة الشباب، بشغف”.
من المعرض إلى البيت، هل تتابع القصة؟ السؤال الأهم بعد انتهاء المعرض هو: هل يعود الطلاب إلى القراءة في بيوتهم؟ هل يتحوّل الكتاب الذي اشتروه من تذكار إلى عادة؟ الإجابة عن هذا السؤال قد تكون صعبة الآن، لكنها تحدد مستقبل القراءة في هذا البلد الصغير.


ما هو أكيد، أن ما زرعه معرض بيروت الـ66 من فضول، تجربة، واحتكاك مباشر مع الكتاب، يستحق أن يُستثمر. فالكتاب، لم يمت بعد. وعلى الرغم من ضجيج “التكنولوجيا”، هناك دائمًا مكان لصوت خافت ينبعث من بين الصفحات.
جيل اليوم، ليس أمّيًّا رقميًّا، ولا قارئًا “كلاسيكيًّا” فقط، هو جيل يبحث عن التوازن، عن التجربة، عن هويته بين شاشة تضيء بلا روح، وورقة تصمت لكنها تبقى. زيارة معرض الكتاب، لم تكن مجرد رحلة مدرسية، بل رحلة داخل الذات، قد تثمر قارئًا، أو على الأقل، متسائلًا، وهذا بحد ذاته، بداية.

كتبت رين محمد/ لبنان
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى