“المدارنت”..
محاولة الاغتيال التي تعرض لها دونالد ترامب خلال تجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا، وهي قطعاً مرفوضة بكل المقاييس، تسلّط الضوء على حالة العنف المتنامي لدى قطاعات واسعة في المجتمع الأمريكي، المنقسم أصلاً، حول الكثير من القضايا والسياسات، الداخلية والخارجية.
لن نخوض كثيراً في أسباب هذا العنف الناجم في جزء منه عن قناعات أيديولوجية، منها ما هو شعبوي يتعلق بتفوق العرق الأبيض، ومنها ما هو ناجم عن التفرقة والتمييز العنصري، علاوة على الخلافات المتعلقة بالاقتصاد، والهجرة، والسياسة الخارجية، والرؤية المستقبلية للولايات المتحدة (أمريكا أولاً)، ودورها المحوري في العالم.
لكن دونالد ترامب قد يكون أكبر المستفيدين من محاولة الإغتيال الفاشلة، إذ إنه ضمن ليس ترشيح الحزب الجمهوري له رسمياً لانتخابات الرئاسة فقط، وإنما ضمن إلى حد كبير الفوز في هذه الانتخابات، والعودة إلى البيت الأبيض، وفق الكثير من المحللين، والمراقبين. لكن ما يثير العجب والاستغراب هو التداعيات التي رافقت محاولة الاغتيال هذه، وأعقبتها، إنْ على صعيد الرأي العام، أو تحوّلات النظام الأمريكي، إذ سرعان ما أحالت قاضية أمريكية دعوى مرفوعة ضد ترامب بشأن احتفاظه بوثائق سرية إلى الحفظ، واعتبرت القاضية أن تعيين مدّع خاص في هذا الملف عمل غير قانوني.
وكانت المحكمة العليا الأمريكية أقرّت في وقت سابق، بأن ترامب يتمتع بالحصانة الجزئية بصفته رئيساً سابقاً، وبالتالي لا تجب محاكمته عن أفعاله الرسمية، فيما طالب ترامب بإسقاط القضايا الجنائية كافة، التي يحاكم بسببها.
بهذا المعنى، يفترض أن تسقط عن ترامب أيضا تهمة التحريض، أو المشاركة في أعمال الشغب، واقتحام أنصاره لمبني الكابيتول، رمز ومعقل الديمقراطية الأمريكية، في السادس من يناير/ كانون الثاني 2021، احتجاجاً على ما وصف، أنذاك، بتزوير الانتخابات التي فاز فيها جو بايدن. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ سرعان ما انسحبت هذه التداعيات على الحسابات الشخصية، حيث قام ترامب، ومع ظهوره الأول بعد محاولة الاغتيال في مؤتمر الحزب الجمهوري، بولاية ويسكونسن، باختيار نائب له هو جيمس فانس، والذي كان قد وصفه قبل نحو ثماني سنوات بأنه «هتلر أمريكا»، معتبراً أن مواقفه السابقة المناهضة له أصبحت من الماضي، وأنه الآن يثق بنسبة 100%، بأن فانس هو «أمريكا أولاً» حتى النخاع.
ويعتقد المحللون أن هذا الاختيار جاء على خلفية تطابق مواقف فانس مع ترامب بشأن الهجرة، والحروب الخارجية، علاوة على كونه يتمتع بجاذبية لجمع التبرعات، بينما يرى الخبراء أن فانس جزء من جيل جديد يرى في ترامب خطوة أولى نحو ثورة شعبوية قومية أوسع، وتعمل بالفعل على إعادة تشكيل اليمين الأمريكي.
هكذا مُهّد الطريق أمام عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ولم يعد بحاجة للعودة إلى ما كان يردده قبل أشهر، أو حتى أسابيع، بأنه إذا لم يتم انتخابه للرئاسة مجددا فستغرق الولايات المتحدة في «حمام دم».
مقالات