ترامب ونتنياهو.. إستياء عابر أم خصومة جوهرية؟
“المدارنت”
جرياً على عاداته المأثورة في الخداع والمماطلة والكذب والتضليل، يصرّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على نفي أي خصومة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حول ملفات كبرى مثل حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وقصف المرافق المدنية في اليمن، واستهداف البرنامج النووي الإيراني.
وليس الأمر أن ترامب يخالف نتنياهو حول جوهر هذه الملفات، وخاصة الانحياز الأعمى لدولة الاحتلال أو المشاريع الاعتباطية بصدد مستقبل القطاع وإعادة إعماره، فهذه لا يكاد أي رئيس أمريكي يختلف فيها مع الحكومات الإسرائيلية. فكيف وأن سيد البيت الأبيض اليوم هو الذي قدّم لدولة الاحتلال الهدايا الأثمن المعادية للشعب الفلسطيني والمخالفة للقانون الدولي، وأن نتنياهو يترأس الحكومة الأكثر يمينية وتطرفاً وعنصرية وفاشية على امتداد تاريخ الكيان الصهيوني.
الجوهر الآخر الكفيل بتغذية الخصومة الراهنة على صلة مباشرة بمبدأ في غاية البساطة والفاعلية معاً، أي حرص ترامب على خدمة أجنداته الشخصية ومصالح الولايات المتحدة ومنحها الأولوية في مجمل السياسات والخطط، مقابل حرص لا يقلّ تجذراً لدى نتنياهو لوضع مستقبله السياسي ومشكلاته القضائية ومصير ائتلافه على محك تفضيل أقصى حتى إذا تسبب في إيذاء برامج الرئيس الأمريكي.
زيارة ترامب الراهنة إلى السعودية والإمارات وقطر، وهي الأولى له في الرئاسة الثانية بعد رحلة أداء واجب إلى الفاتيكان، والأهمّ حتى الساعة في خدمة خطط ترامب الشخصية والعامة، تصادفت مع اليوم الـ584 من حرب الإبادة الإسرائيلية ضد القطاع، وهذا سياق يتقاطع مع يقين الإدارة الأمريكية بأن نتنياهو يتعمد إطالة الحرب لأغراض شخصية وحزبية لم تعد تلبي رؤية البيت الأبيض للمشهد الإجمالي في المنطقة.
ولم تكن مصادفة عشوائية، بل كان التوقيت في صلب السيرورة، أن ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط أنجز مع المقاومة الفلسطينية صفقة إطلاق سراح الرهينة الإسرائيلي ـ الأمريكي إيدان ألكسندر. كذلك كان ويتكوف، خلال حديث مع عائلات الرهائن الإسرائيليين تعمد أن يأخذ صفة الصراحة، قد أكد أن دولة الاحتلال تطيل أمد الحرب عبثاً ومن دون غاية ملموسة.
وما أحجم نتنياهو عن الإفصاح عنه، تولى النطق به وزير التعاون الإقليمي الليكودي، الذي أعلن أن ترامب عمل لصالح دولة الاحتلال ولكن «اتضح أنه شخص لا يمكن التنبؤ بأفعاله»، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليه، والدليل توقفه عن قصف الحوثيين المدعومين من إيران. وهذا رئيس «يستفيق صباحاً على A، وفي الليل يقرر B وC وD ويثير البلبلة في العالم بأسره حول أي موضوع»، حسب تعبيره.
الأيام والأسابيع المقبلة كفيلة بتأطير الخصومة الراهنة بين ترامب ونتنياهو، سواء لجهة احتوائها كما جرت العادة أو توسيعها طبقاً لمعدلات استياء سيد البيت الأبيض، خاصة في ضوء نتائج زيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة، وتطور المفاوضات الأمريكية مع إيران، وآفاق التهدئة في أوكرانيا، وحروب الرسوم الجمركية.
ذلك لأن على مكتب ترامب ملفات أشدّ تعقيداً وإلحاحاً من مجاراة حروب يجرّه إليها نتنياهو، بلا نهاية.