تصفية «الأونروا»..!
“المدارنت”..
يحمل قرار “إسرائيل” بمصادرة مقرّ «الأونروا» الرئيسي في حيّ الشيخ جرّاح في القدس المحتلة، أبعاداً أكثر خطورة من مجرد محاولات تصفية الوكالة الدولية التي أُنشئت بقرار من الأمم المتحدة عام 1949؛ لمتابعة شؤون اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، تصل إلى حدّ تصفية القضية الفلسطينية برمّتها.
ليس جديداً القول بأن الحكومات “الإسرائيلية” (الإرهابية الصهيونية) المتعاقبة سعت، على مدار سنوات طويلة، لتصفية وكالة «الأونروا»، باعتبارها الشاهد الدولي الوحيد على مأساة الفلسطينيين، ولاقترانها بحق عودتهم إلى ديارهم، لكن الظروف لم تكن مؤاتية لتنفيذ الخطط “الإسرائيلية”، ما سمح لـ «الأونروا» بالاستمرار بمزاولة نشاطها من مقرها الرئيسي في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة باتفاق مع الجانـب الإسرائيلـي وقـع فـي عام 1967.
بعد هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ومع تغير الظروف بطبيعة الحال، والمحاولات المحمومة لتشديد الحصار على الفلسطينيين في قطاع غزة ومنع إيصال المساعدات الإنسانية لهم، وجدت “إسرائيل” الفرصة سانحة أمامها للتخلص من هذه الوكالة التي كان مجرد وجودها مصدر أرق لها على مدار 75 عاماً. وبدأت باستهداف مقراتها ومستودعاتها وموظفيها، فدمّرت الأغلبية العظمى من هذه المقرات، وقتلت أكثر من 200 من موظفيها. ولم يشفع علم الأمم المتحدة لعشرات آلاف الفلسطينيين الذين لجأوا إلى مقراتها والمدارس التابعة لها طلباً للحماية، من الاستهداف الإسرائيلي المباشر وارتكاب المجازر بحقهم تحت مختلف الذرائع والحجج.
ولم تتوقف عند هذا الحد، بل لجأت إسرائيل إلى توجيه التهم للعشرات من موظفيها بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر، من دون أدلة حقيقية، وقامت بتصنيف «الأونروا» على أنها منظمة «إرهابية»، حيث سارعت أغلبية الدول المانحة إلى قطع التمويل عن الوكالة، قبل أن تسقط الرواية الإسرائيلية في الأمم المتحدة. ومع ذلك، لم تأبهْ “إسرائيل” للمجتمع الدولي ولا للقرارات الدولية، ولم تكتفِ باعتبار «الأونروا» هدفاً من أهداف الحرب، بل عملت على تغيير الصفة القانونية لها، وإنهاء الصفة الديبلوماسية لموظفيها الأمميين، عبر سنّ التشريعات في الكنيست بقطع العلاقة معها بوصفها منظمة «إرهابية»، وصولاً إلى مصادرة مقرّها الرئيسي في القدس المحتلة.
هذه خطوات لا تنمّ فقط عن الاستهتار بالقوانين والمجتمع الدولي، وإنما تعكس إصراراً على التحدّي، والمضي قدماً في تصفية الوكالة، وهو ما يعني تصفية قضية اللاجئين، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية، وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة.
ومن هنا يمكن فهم الهجوم المتواصل على الأمم المتحدة، وصولاً إلى اعتبار أمينها العام شخصاً غير مرغوب فيه، ومنعه من دخول “إسرائيل”.
واللافت في هذا السياق، هو أن قرار مصادرة مقر الأونروا، يقترن بإقامة 1,440 وحدة استيطانية على أنقاضه، وهو هدف لطالما عجزت “إسرائيل” عن تحقيقه، حتى عبر محاكمها الخاصة التي قضت مراراً بإخلاء حيّ الشيخ جرّاح من سكانه الفلسطينيين، وها هي الآن، قد تحصل على ذلك عبر مصادرة مقرّ «الأونروا»، والذي سينعكس من دون شك، على أنشطة الوكالة في مناطق عملها الأخرى.