رأي المدار

تطبيق القوانين أم عنصرية؟!

محمد حمود*

.. أطلّ علينا وزير العمل كميل أبو سليمان ووزير الصناعة وائل أبو فاعور وممثل “جمعية الصناعيين” فادي الجميل، في مؤتمر صحافي مشترك أمس، تناولوا فيه وضع العامل الفلسطيني و(السوري ضمناً) في لبنان، تحت عنوان تطبيق القوانين، وتنظيم وضع “اليد العاملة الاجنبية” غير الشرعية في لبنان، و”حماية اليد العاملة اللبنانية”.

وقال أبو سليمان في المؤتمر: “عقدت عدة اجتماعات للبحث في تطبيق خطّة مكافحة اليد العاملة الاجنبية غير الشرعية، وتأثير تطبيق هذه الخطة على الصناعيين، ونحن متفقون على إعطاء الأولوية لليد العاملة اللبنانية، مع احترام خصوصيات القطاعات التي تحتاج الى نظرة خاصة، إذا لم يوجد يد عاملة لبنانية، على قاعدة تقول مقابل كلّ ثلاثة لبنانيين يكون هناك عامل أجنبي واحد”، مضيفاَ “لاحظنا وجود حملة في اليومين الماضيين على وزارة العمل بالنسبة للعمال الفلسطينيين، إن القانون يُطبّق على الجميع، وكما يتمّ التعامل مع اللبناني سيتمّ التعامل مع الآخرين، ولا يوجد استثناءات لأحد، هناك خصوصيّات في القوانين اللبنانية للفلسطينيين، فهم لا يدفعون أيّ رسم على إجازة العمل، كما انهم يستفيدون من تعويض نهاية الخدمة في صندوق الضمان الاجتماعي، لذلك أحضّهم على القدوم الى الوزارة، والحصول على إجازة العمل، لأن تطبيق القانون سيشمل الجميع، وأبواب الوزارة مفتوحة أمام الجميع، ولا استثناء لأحد”.

من جهته، لفت الوزير أبو فاعور الى أن “القطاعات التي تحدثنا عنها هي: الأحذية الجلدية وغيرها، والالبسة، والمفروشات، والرخام والغرانيت، وصناعة الغذاء، والآلات الصناعية، والطباعة، والاسمنت، والافران والبلاستيك، وغيرها، ربما قطاعات تحتاج الى معاملة خاصة، بمعنى إذا لم يكن هناك يداً عاملة لبنانية، سيكون هناك بعض الاستثناءات في حال عدم توافر اليد العاملة اللبنانية”.

إن هذا الكلام أكثر من حقّ، وهو يصبّ في صلب العلاج الحقيقي لمشكلة العمال في لبنان، والحقوق المكتسبة، والمستحقات التي يُحرم منها هؤلاء، وخصوصاً اللبنانيين منهم.

نسأل وزير العمل، إذا كان الحرص على اليد العاملة اللبنانية وتطبيق القوانين المرعية الإجراء بحقّ المخالفين ممّن تعتبرهم أجانب قائماً؟ هل تطبّقون القوانين أولاً بحقّ المؤسّسات التي يعمل فيها لبنانيون؟ هل تحاسبون من يتجاهل تسجيلهم في مؤسّسة الضمان الاجتماعي، ويحرمهم من الراتب الحقيقي والمستحقات الأخرى والتي نصّت عليها القوانين التي تسعون الى تطبيقها واحترامها؟ هل تعرفون كم هو عدد العمال اللبنانيين غير المسجّلين في الضمان الاجتماعي ولا يستفيدون من تقديماته؟ هل تعلمون أن عدداً كبيراً من اللبنانيين الذين يعملون في مؤسّسات لبنانية، تؤكل حقوقهم وتُهضم من دون أيّ وازع أو رقابة؟ هل تعلمون أن الكثيرين من اللبنانيين العاملين في قطاعات خاصّة لا تطبّق عليهم القوانين، ولا يحصلون على حدّهم الأدنى للعيش الكريم؟ هل تعلمون ما هو عدد العمال الذين طُردوا من مؤسّسات كانوا يعملون بها، ولم يحصلوا على حقوقهم القانونية؟ وإذا حصلوا عليها يحصلون عليها بالتقسيط المريح لمن استغلّهم لسنوات طويلة، ويستغلّ سواهم في مؤسّساته، وهي حقوق مُستحقة على (ربّ) العمل الظالم. إننا نعتقد بل نؤكد، أن الوزير أبو سليمان يعلم ويعرف بعض هذه الحالات شخصياً.

.. لا يجوز للوزيرين أبو سليمان وأبو فاعور أن يتجاهلا ما سَلف، وأن يستأسدا على العامل الفلسطيني و(السوري ضمناً)، الذي ساهم في بناء نهضة بلدنا مثله مثل أيّ عامل لبناني، ولم يحصل على حقوقه التي تشير اليها، ونكرّر السؤال: من هو المسؤول عن هذا التقصير؟ الدولة؟ أم وزارة العمل المعنيّة مباشرة بحقوق العمال؟ أم الوزراء الذين تعاقبوا على هذه الوزارة؟ أم “اللصّ راجح”؟

ويقول أبو سليمان أن “الفلسطيني يحقّ له الحصول على إجازة عمل من دون رسوم، ويستفيد من تعويضات نهاية الخدمة”. الحقيقة، إن الفلسطيني بحاجة الى مئة وسيط ووسيط، ليحصل على إجازة عمل، ولن يحصل عليها بهذا اليُسر الذي يحاول الوزير أبو سليمان الإيحاء به.

نتابع ونكرر: هل يحصل كل عمّال لبنان العاملين في المؤسسات والمصانع الإنتاجية على حقوقهم، هل يتمّ تنسيبهم الى الضمان الاجتماعي؟ هل حصلوا على “حقوقهم القانونية”؟

أما الوزير الصديق وائل أبو فاعور، يبدو أنه يرى العمال اللبنانيين في أفضل حال. ويشير الى أنه “بحث والوزير سليمان في شؤون وشجون قطاعات العمل في الأحذية الجلدية، وغيرها، والألبسة، والمفروشات، والرخام والغرانيت، وصناعة الغذاء، والآلات الصناعية، والطباعة والاسمنت، والأفران، والبلاستيك، وغيرها”.

ونحن نسأله، هل يعلم أن أكثر من 90% من العاملين في هذه القطاعات، يعملون بصفة مياومين أو بالساعة أو بالقطعة، أو وفق منظومات وبِدع ما أنزل الله بها من سلطان، وذلك ليتهرّب صاحب العمل من دفع المستحقات المتوجبة عليه قانونياً “ليحمي العامل اللبناني”؟ هل يعلم معالي الوزير “الاشتراكي” أن هؤلاء لا يستفيدون مطلقاً من خدمات الضمان؟.

ونسأله: هل زرت بعض هذه المؤسسات الذي تشير اليها وتذكرها، هل أطلعت على أوضاع العمال فيها؟ هل زرت المطاعم الصغيرة والكبيرة؟ هل اطلعت على أوضاع الصبايا والشباب العاملين في محلات الالبسة؟ هل زرت “كاراجات الميكانيك” التي يقوم عمالها بإصلاح السيارت؟ هل زرت المحلات المنتشرة في “المولات ـ المراكز التجارية الكبرى؟ وهل..؟ وهل..؟

لفتنا أيضاً، أن بعض نواب الصدفة، انبروا للدفاع عن وزير العمل، باعتباره من فصيلهم السياسي، وكأن الناس تحمل سيف النقمة عليه.

نسأل هؤلاء وكل المعنيين: هل تسجّلون أنتم كلّ العاملين على خدمتكم في المنزل أو سائقي سياراتكم وسيارات الأسرة أو الحراس غير العسكريين في مؤسسة الضمان الاجتماعي؟ هل يحصلون على الحدّ الأدنى الذي يليق بمقاماتهم وشهاداتهم ومواقعهم؟ هل يعطي الطبيب والمهندس والمحامي، وسواهم من أصحاب مكاتب الخدمات العامة وغير هؤلاء، منكم، (نائباً كان أو وزيراً أو صاحب مصنع أو معمل أو مؤسّسة إنتاجية)، أمينة سرّه (السكرتيرة) حقوقها كاملة، كما بقية العمال؟ وهل يسجّل مرافقيه وحرسه الشخصي من المدنيين في مؤسّسة الضمان؟ هل سألتم زملاءكم من النواب والوزراء من أصحاب المؤسّسات التجارية والمكتبية، عن تطبيقهم القوانين التي “تحمي عمالهم وموظفيهم”؟ هل حصل كل هؤلاء على حقوقهم؟ حتى تفرّغتم الآن لمعاقبة “الفلسطيني أو السوري” تحت عنوان العامل “الأجنبي”، كما تحاولون إيهام الناس تحت عنوان “حماية العامل اللبناني”، وتطبيق القوانين.

إن تطبيق القوانين يبدأ من فوق، من رأس الهرم، من عندكم، مع أصحاب رؤوس الأموال الكبار، من هناك، حيث يجب أن تُحترم القوانين وتنفذ. هل يَسأل هذا المستثمر الكبير الذي يحمل صفة رسمية والمصنّف من أصحاب العمل نفسه يوماً، كم من الظلم ألحقته بهؤلاء العاملين في مؤسّساتي؟ ولماذا لا أمنح الناس حقّها قبل أن يجفّ عرقها؟ ولماذا أتهرّب من واجباتي القانونية؟

الجواب: أكيد لا.. لو حصل، لما بقي أيّ عامل من دون ضمان اجتماعي، أو ضمانة قانونية تحمي حقوقه، ولما كان لدينا هذه النسبة المرتفعة من البطالة، خصوصاً في صفوف الصبايا والشباب الجامعيين. بعد ذلك ابحثوا عن “العمال الأجانب” كما تعتبرونهم. ولكن يبدو أن العنصرية أعمت بصِيرة وبصَر وقلوب بعضَهم، فذهبوا الى المكان الخطأ، تحت عنوان تفوح منه رائحة التجنّي والخطيئة.

*مدير تحرير “المدارنت”                                              

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى