مقالات

” تكوين”.. مولود إبراهيمي جديد!

عبد الناصر طه/ فنزويلا

خاص “المدارنت”..
لم تكن الاتفاقات الإبراهيمية التي عقدت بين “إسرائيل” (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة) من جهة، ودولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة البحرين، عام 2020 م. برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، برئاسة (الرئيس الأميركي السابق) دونالد ترامب، بداية إستعمال المصطلح الإبراهيمي، الدالّ على أبوة النبي إبراهيم للديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلامية، ومحاولة التقريب بينها لتصبح ديانة عالمية واحدة موحدة؛ وإنما نجده قبل ذلك في وثائق أميركية، لعل أبرزها وثيقة “جامعة هارفرد” عام 2013 م، بعنوان: “مسار إبراهيم”، حيث تم آنذاك تشكيل إدارة خاصة سمّوها: “إدارة الحوار الاستراتيجي مع المجتمع المدني”! داخل وزارة الخارجية الأميركية أيام (وزيرة الخارجية الأاميركية السابقة) هيلاري كلينتون.
ثم تلتها وثيقة رسمية أمريكية أخرى، صدرت عن “جامعة فلوريدا” عام 2015 م. تناولت الموضوع تحت عنوان: “الإتحاد الفيدرالي الابراهيمي”.
كما أشار أكثر من رئيس أميركي إلى المسألة الإبراهيمية، بدءاً من الرئيس (الأيركي السابق) جيمي كارتر، الذي رعى توقيع اتفاقية “كامب دايفيد” للسلام بين مصر و”اسرائيل”، الذي ذكر “المشترك الإبراهيمي”، بين الدول المتحاربة؛ وصولا إلى الرئيس دونالد ترامب الذي حقق مضمون الفكرة في رعايته الاتفاقات الثنائية بين “إسرائيل”، وأكثر من دولة عربية، من دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إمارة البحرين إلى المملكة المغربية، ولاحقاً كان دور جمهورية السودان الذي تعثرت معه مفاوضات التطبيع لأسباب داخلية.
ثم جاء الرئيس (الأميركي) الحالي جو بايدن، ليطوي صفحة الأفكار الابراهيمية، زاعما انه لم تنضج الظروف الملائمة لتحقيقها، وأنها ستدخل في طور التأجيل ليستبدلها بمصطلح معروف وهو ” التطبيع”.
منذ صدور وثيقة “هارفارد”، والفكرة تنتشر عالميا كانتشار النار في الهشيم، في الجامعات العالمية العريقة ومؤسسات البحث العلمي والمراكز الاستراتيجية العلمية، في تمويل ضخم رصدت له مليارات الدولارات، معظمها دفعته دول عربية وإسلامية معروفة، في تكليف رسمي من الإدارة الأمريكية.
وبما ان الرئيس الأميركي الحالي، استبدل “اتفاقات ابراهيم”، بالتطبيع مؤقتاً، سار على خطاه وتبعه المكلفون المنوط بهم تسويق وتعميم الفكرة الإبراهيمية، فتعددت الاسماء وانتشرت الجمعيات الخيرية على مستوى العالم عمومًا، وفي الدول العربية خصوصا، بغطاء إنساني وأهداف تطبيعية.
بناء على ما تقدم، بدأت تجمعات وهيئات ومنظمات ومراكز أبحاث، تطل برؤوسها المليئة بأموال هائلة، خدمة للفكرة في مسار واضح المهام والأهداف؛ بعضُها، انبرى لمساعدة حالات النزوح واللجوء، وبعضها الآخر، بدأ نشر أفكار السلام ونبذ الحروب بين الشعوب، ومنها ما كانت مهمته التعرض للأديان، تارة بالإزدراء، وطورا بمحاباة المؤسسات الدينية القائمة، وعدم التعرض لها، في حين كانت تهاجم شخصيات تاريخية ومحطات دينية غلب عليها طابع الصراع الديني والمذهبي.
ولعل آخرها، ما شاهدناه على وسائل الإعلام ما صدر من جمهورية مصر العربية، من إنشاء تجمع فكري، غلب عليه وصف العلمانية، وأطلق عليه المؤسسون اسم “تكوين”، يضمّ مجلس أمنائه مجموعة أسماء مثيرة للجدل في الأوساط الثقافية العربية.
أثار هذا التشكيل زوبعة إعلامية كبرى، اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي، نظراً لإشكاليات تتعلق بمعظم شخصيات التأسيس، على الرغم من أن المركز المذكور، لم يبدأ بطرح أفكاره أو إعلان أهدافه أمام الرأي العام، منتظراً تعليمات الجهات الداعمة والراعية إملاءً وتمويلا.
في إلقاء نظرة سريعة على سير وأفكار وطروحات مجلس أمناء “تكوين”، نجد العجب العجاب في كيفية اتفاق مجموعة من شخصيات متناقضة، فكرا ومنهجا وسلوكا، جمعتها قدرة الجهة المموّلة وسخاء الأمراء المشرفين على توجهاتها.
بعضها هو رئاسة د. يوسف زيدان، لهذا المركز، ما يوحي بالبؤس العلمي والضحالة الفكرية، بعد ثبوت سرقاته الأدبية الفاضحة في رواياته الثلاث: (عزازيل، وظل الأفعى ومحال)، وقد أنكر عليه النقاد سرقاته الفكرية من أدباء عالميين أو من مستشرقين معروفين، في نسخ شبه حرفي لما كتبوه. ناهيك عن جهل باللغة العربية الفصحى، واستعمال مفرداتها عبر التاريخ، ومثالا على ذلك تفسيره لكلمة: “متبول” الواردة في البيت الأول من قصيدة الشاعر كعب بن زهير الموسومة “بانت سعاد”، حين فسّر كلمة “متبول” على انها تعني غمس القلب بالتوابل والبهارات، وربما فسرها بما يؤكل من متبلات الحمص والباذنجان، علمأً أن أيّ طالب ثانوي يعرف أن معنى كلمة “متبول” هو سقيم ومغلوب بالحب.
ناهيك عن احتقاره – سابقاً – لزميله الذي أسهم في تأسيس المركز المدعو: اسلام بحيري، وادانته فيما شرح وفسر وكتب عن الدين الإسلامي، إضافة إلى تناقضه مع زميله الآخر الكاتب ابراهيم عيسى، واتهامه بالشطط في كثير من آرائه ومواقفه.
أما الناشطة فاطمة ناعوت، فهي تحفظُ بعض مقولات تثير مسائل دينية خلافية، سبقها اليها كثيرون من مستشرقين وكتاب، وتدّعي أنها قرأت أطناناً من الكتب، في حين انها جعلت من نفسها أداة أثارت العجب والسخرية عند اتهامها الأشاعرة بالارهاب، ثم ثبوت جهلها التام بكتبهم التي لم تقرأ أيّاً منها، أو ما كُتب عنهم!
أما الكاتب اسلام بحيري، فهو معروف بتناقضاته المتكررة في مسائل دينية متعددة، التي تنمّ عن جهل وعدم اختصاص يدّعيه، بعدما ثبت تورطه في نسخ رسالته الجامعية عن مؤلف اوروبي، وما تلاها من سرقة محتويات كتب، تعود لمفكرين بريطانيين وألمان معروفين من متخصّصي الترجمة.
ولا ننسى المفكر السوري فراس السواح، صاحب النظريات في علوم التاريخ والميثولوجيا؛ هذا الكاتب النخبوي، انزلق إلى وحول السياسة في كتاباته عن الجماعات الإجرامية المسلحة، في منازلات مع اتباع البغدادي والزرقاوي؛ ثم ورط نفسه في موضوع الحجاب في منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي، دعا فيه إلى الاجتثاث والاستئصال الاجتماعي متماهيًا في ذلك مع أفكار الدواعش، كاشفاً عن مكنون دفين يلغي ما كان يتظاهر به من المستوى العلمي الرفيع؛ إلى أن أتحف الجمهور العربي بثالثة الأثافي، مع زميله الدكتور يوسف زيدان، بقوله اأنهما أفضل بكثير من عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين!
ولا تتسع مقالة واحدة لسرد سقطات أولئك المتصدرين مركز “تكوين”، من جهل باللغة وبالتاريخ، وتكرار مقولات بشكل ببغائي سبقها اليهم كثيرون، وتورط مفضوح في سرقات أدبية وفكرية؛ وتفاصيل ذلك متوفرة على محركات البحث، وعلى كثير من وسائل التواصل المقروءة والمسموعة.
وفي إيجاز سريع لما صدر حول موضوع “تكوين”، نستطيع القول أننا أمام مؤسسة لا علمية ولا بحثية، بل أمام شلّة من المرتزقين باسم الفكر والحداثة، ومجموعة لصوص مزورين مشهود لهم بالسرقات الفكرية والأدبية، ومن ذوي الخبرة في الاسترزاق عبر الكلمة، ولا مستقبل لهم، وصلاحيتهم كمنتج تجاري ستنتهي عندما يقرر راعيهم وممولهم. فلا وعي نقدي، ولا تأسيس نهضة معرفية حقيقية، وإنما عمل مأجور يقوم بدور مرسوم في إطار الأنشطة الداعية إلى التطبيع، وإلى “شرق أوسط جديد”، تديره وكالة الديانة الابراهيمية، وتموّله جهات عربية وإسلامية، في إطار تشكيل جديد لمنطقة الشرق الأوسط بإدارة أمريكيـة.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

تعليق واحد

  1. وأين المشكلة في أن تكون تكوين مولودا إبراهيميا جديدا؟!
    وهل باتت الدعوة إلى التلاقي والحوار تؤرق المثقفين؟!
    لم تثبت ادانة يوسف زيدان، وحتى لو سلمنا جدلا أنه ارتكب سرقات أدبية؛ هل يجب أن تطبق بحقه عقوبات على حرية الطرح والتفكير والعمل لأجل قناعاته؟!
    وما جريمته في علمانيته؟! أليست العلمانية مسارا فكريا يسعى إلى أهداف خدمت وتخدم الإنسان؟!
    ولم اعتبرت أن مساهمة السواح في هذه المؤسسة انزلاقاً؟! ههه

    لماذا نتهم الحداثة بالمؤامرة؟! هل قمت بتقييم تجربة تكوين على مدار عملها خلال عقد مثلا؟! أنت تهاجمها قبل أن تبدأ. وهذا ما ألفناه في بيئتنا تجاه كل جديد وغير مألوف.
    أظنك لم تكن موضوعيا في مقالتك.
    أوليس من حق المفكر تأطير فكره وتأسيسه بمؤسسة تحفظ مساره؟!
    وهل الابراهيمية باتت مسبة؟!
    وهل فعلا إن المشكلة هي مع الديانات الابراهيمة؟
    فقط أريد أن أفهم، ماذا تريد من مقالتك؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى