تل أبيب وطهران.. مَن يمتلك مفاتيح الكرّ والفرّ؟
“المدارنت”
دخل العدوان العسكري “الإسرائيلي” على إيران، يومه الخامس مع توسع متزايد على الجانبين، سواء في نوعية الأهداف وطبيعتها الاستراتيجية ونطاقاتها الجغرافية، أو على صعيد شدّة التدمير وتنوّع الأسلحة المستخدمة وزجّ القاذفات المقاتلة والطائرات المسيرة والصواريخ فرط الصوتية والبالستية. وإذْ تتحدث المعلومات الرسمية الأولية عن 224 قتيلاً و1277 جريحاً في الصف الإيراني، مقابل 24 وإصابة 592 بين الإسرائيليين، فإن منظمات حقوقية مستقلة تتوقع المزيد وتشير إلى أعداد أكبر تتوافق مع معطيات ميدانية واقعية.
ومع استمرار حال الحرب المفتوحة التي انتهجتها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضدّ إيران، تتقاطع أسئلة عديدة ظاهرة على سطح المواجهة، باتت معروفة أو مكشوفة أو تحصيل حاصل، ولكن تتكاثر معها أسئلة ضمنية أو خافية أو مسكوت عنها، خاصة حين تكون الإجابات عليها محفوفة بمخاطر جسيمة وعواقب وخيمة، على صعيد المنطقة بأسرها أولاً والعالم بأسره تالياً ومنطقياً.
فإذا كان من المتفق عليه عموماً أن الائتلاف اليميني والفاشي الحاكم اليوم في دولة الاحتلال يعتمد في تماسكه وعدم انهياره على إدامة الحروب، الإبادية ضدّ قطاع غزة والاستفزازية ضدّ لبنان وسوريا والعدوانية ضدّ اليمن وإيران، فإن السؤال المرتبط بهذه المسلمة يخصّ مقدار التفاف الشارع الشعبي الإسرائيلي حول مغامرات بنيامين نتنياهو العسكرية، وما إذا كان العدوان الراهن على إيران سوف يحرف الأنظار عن جرائم الحرب في القطاع والمماطلة في إبرام صفقة تبادل الرهائن، والتهرب من مواجهة احتجاجات فئات متزايدة داخل المجتمع الإسرائيلي.
صحيح أن التجارب على امتداد تاريخ الكيان الصهيوني أثبتت تكاتف الجموع حول أي حكومة إسرائيلية تخوض حرباً من أي طراز، ولا يشكل العدوان الراهن على إيران استثناء لتلك القاعدة القديمة، بل قد يتكفل إعلان نتنياهو عن استهداف البرنامج النووي الإيراني بتشكيل مناخ تضامني واسع النطاق يشتغل على سردية «تهديد وجودي» يستهدف الكيان.
ليس أقل صحة، في المقابل، أن الأثمان التي يتوجب على هذا المجتمع أن يسددها لقاء انخراط طويل، أو حتى متوسط الأمد، في حرب استنزاف ضروس ومتعددة الأسلحة وعالية الخسائر، إذا ما وُضعت دولة الاحتلال في مقارنة ديمغرافية وجغرافية مع إيران، وترسخ تدريجياً المفهوم التبادلي الراهن للعمليات العسكرية، حيث لا يصنع التفوّق العسكري التكنولوجي لدى الجانب الإسرائيلي فارقاً قاطعاً يحسم جولات استقبال الهجمة والردّ عليها، والعكس.
فإذا لم يطرأ جديد على مستوى الحصة الأمريكية في العدوان الإسرائيلي الراهن على إيران، وهي حتى الساعة تبقى أقرب إلى مشاركة غير مباشرة لوجستية أو تسليحية، أو يعلنها الرئيس الأمريكي في صيغة تفاوض على غرار جهده لحلّ النزاع العسكري الهندي ــ الباكستاني، فإن ما يعتبره البعض لعبة «عضّ الأصابع» بين تل أبيب وطهران قد يستغرق وقتاً أطول ما تطيق دولة الاحتلال.
على نحو قد يقلب السحر على الساحر، أو على الطرف الذي يمتلك عدداً أكبر من مفاتيح الاستنزاف والكرّ والفرّ.