مقالات

توقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان والرواية التي لم تكتمل بعد..!

نبيل الزعبي/ لبنان

خاص “المدارنت”..
«اقتاد عناصر الأمن سلامة الذي كان لا يزال صلبًا ومُحافظاً على هدوئه. ولكن ما إن وُضِع مكبَّلًا في سيارة قوى الأمن، حتى انهار بالبكاء».
قد يظنُّ أيّ بعيدٍ عن لبنان عندما يطالع ما تقدم للوهلة الأولى، أنه أمام مقطعٍ قصيرٍ من مُسلسل درامي ينكبُّ عليه روائيٌّ ما، حول شخصيةٍ مظلومةٍ لا يجد مفرًّا من التعاطف معها في أضعف التوقعات، فضلًا عن أنَّ ما تقدّم قد يدفعنا غدًا لمطالبة أساتذة التحليل النفسي في لبنان، لتقييم الصورة الإشكالية التي ظهر بها حاكم مصرف لبنان السابق (د. رياض سلامة) على الرأي العام، وهو المُتستِّر بـ « الجاكيت »، ليُخْفي يَديْه المكبلتين بالحديد، وهذا أقصى ما قدمه له المُدّعي العام التمييزي من خدمةٍ إنسانيةٍ مُخففًا من ظهوره البائس، وهو الذي حتى تاريخ توقيفه، لم تذرف له دمعةٌ أو طرفة عين، أو اهتزَّت له ذرَّة عطفٍ على ملايين المُودعين، الذين جعل أيامهم جحيمًا لخمس سنواتٍ خلت، وبقي يضحك في دواخله على سذاجتهم لثلاثين عامًا، بعد أن صدّقوا أن الليرة اللبنانية بخير، وجعل من أحلامهم كوابيس شقاء، لا يعلم غير الخالق المدى الذي سيشفى منها من سيبقى مُصدِّقًا وعود الحصول على وديعته، إن لم يُودِّع الدنيا قبلها…
حتمًا، مع الأيام القليلة القادمة، سوف تتحول قضية حاكم مصرف لبنان السابق إلى قضية رأي عام، بكل ما للكلمة من معنى، وستُشحَذ هِمَم كل المُتضررين من سياساته المالية، ويُواجَه بالدعاوى ضده من قِبَل مودعين، وحقوقيين، ومجتمعٌّ لبنانيٌّ عن بُكْرة أبيه، يعتبر أن له حُقوقًا مع هذا الشخص. وينبغي التوسُّع في التحقيقات معه، لمعرفة أين تبخَّرت المليارات، وكيف هُرِّبَت إلى الخارج، ومن كان يحميه، ويمدُّه بحبل المُخالفات التي تلتف اليوم حول رقبته، ليجد نفسه اليوم وحيدًا وقد تخلّى عنه الجميع، وليس أمامه سوى ان يقلب الطاولة على الجميع، ويواجه اللبنانيين بالحقائق، ولماذا انفجر بالبكاء عندما خرج مكبَّلًا بالأصفاد…؟!
والسؤال الذي يطرح نفسه:
أين هم الذين وضع لهم الهندسات المالية، وأقرضهم باقلِّ الفوائد الرمزيَّة، وأُثْروا بفضل كرمه الزائد عليهم…؟ هل هو الخوف الذي جعلهم يتبرأون ويغسلون أياديهم منه…؟ وماذا لو حكى يا تُرى، وأفرغ كل ما يحتفظ به من حقائق ومعلومات، يُقال إنها مخفية في مكانٍ آمنٍ، ولن يُشْهِرها الَّا في اللحظة التي يجد فيها نفسه وحيدًا ومعزولًا في الدائرة الجهنَّمية التي ستفرض عليه الاستعانة بمقولة « عليَّ وعلى أعدائي يا رب »…؟ إلا أنها هذه المرة سوف تكون بلا شكٍّ لسانه، لا كما فعل شمشون الجبار عندما هدم المعبد على رأسه، ورأس ثلاثة آلاف ممن شهدوا تعذيبه، ولم يحرِّكوا ساكنًا للدفاع عنه، كما تحدثنا إحدى أساطير البُطولات والخيانة، التي نعيش إسقاطاتها هذه الأيام وصار علينا أن نصدّقها.

ثمَّة من يرى أن الحاكم السابق، يدفع أثمان رفضه تطبيق قانون قيصر الأميركي، وعقوباته السياسية ضد النظام السوري، وهؤلاء بذلك يعاكسون ما كان عليه موقف وزارة الخزانة الأميركية، عندما اعتبرت أن المساس به خطُّ أحمر، وجاراها في ذلك مرجعيات حكومية ونيابية كبرى. وثمَّة من يرى أن السلطة اللبنانية تعيش هاجس طلب دول أوروبية معينة تسليمها إيَّاه، بتهمٍ متعددةٍ فاستبقت توقيفه ومحاكمته في لبنان، حمايةً له، سواء بالتوقيف أو الاعتقال. وهناك من يقول إن صَحْوة ضمير القضاء اللبناني، هي الدافع الأساس فيما جرى وسيجري، فيما ترى وجهة نظر أخرى أن كل من استفاد منه، قد تخلوا عنه اليوم، وتركوه وحيدًا، ومع أرجحية كل بند مما تقدَّم، وأن ما حصل كان بمثابة الكمين له من باب استدراجه كمستمعٍ، لا مدعى عليه، يبقى أن الحاكم قد وقع في آتون منظومة الفساد وأذرعها المتعددة، وذلك بتحويله إلى كبش فداءٍ في سبيل ديمومة مصالحها وفسادها.
إنها حقًا لمأساة مصيرية حقًا، تطوّق الحاكم السابق اليوم، وهو في القفص مختليًا مع نفسه، يُراجع شريطًا زمنيًا استهلك ثلاثين عامًا من عمر الجمهورية اللبنانية وحياة الشعب اللبناني، وأنزل الجميع من حالة « سويسرا الشرق »، إلى الدولة العاجزة الفاشلة، المتسولّة على أبواب القريب والبعيد. وشعبًا بملايينه في الداخل، يرزح تحت طاحونة العيش، فلم يعد في أولوياته سوى ربطة الخبز إن تيسرت، وقسط المدرسة السنوي عندما تغطيه الدول المانحة..
يتمنى الموت خوفًا من المرض، عندما لا يجد مستشفى يستقبله، أو جمعيةً خيريةً ترأف به، ولولا ما يضخُّه بعض المغتربين في الخارج من مساعدات مالية إلى ذويهم، لانتصرت مشهدية غيبوبة الموت، على معاني الحياة، وكأن القيامة حاصلةٌ غدًا. وبانتظار أن يقول القضاء كلمته، بعد أن اصدر قاضي التحقيق الأول مذكرةً وجاهيةً باعتقاله، وذلك بعد استجوابه ظهيرة يوم الاثنين الواقع في التاسع من أيلول.

لا مناص بالنسبة لأجهزة الدولة، من توفير كامل الحماية الأمنية للحاكم السابق، والوقوف بجديَّةٍ أمام ما صرح به مؤخرًا وزير الداخلية السابق العميد مروان شربل، على شاشة الجديد صباح يوم التاسع من أيلول، من أنه « يوجد خطرٌ على حياة رياض سلامة، وأن عليه أن يقول الحقيقة، وأن لا يقبل في أن يكون كبش محرقة ».. وهذا يقتضي إبعاد كل تدخلٍ سياسيٍّ أو حزبيٍّ في عمل القضاء، الذي لم نزل نراهن على قضاة شرفاء، يعملون بضميرهم، لا بما يُملى عليهم من هذه المرجعية، أو تلك. وإلى أن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في قضية العصر التي يعيشها لبنان، سيعود الأمر للتاريخ إنصافًا أم إدانةً للحاكم السابق. أما إذا ارتضى أن يكون كبش المحرقة لمن يضحُّون به اليوم على مذبح فسادهم، فسيكتب الرُّواة وتتعدد الحكايات، والخوف كل الخوف، أن تتلاشى الحقيقة وتضيع، ونجد أن فصول الرواية الحقيقية لم تكتمل بعد.. .

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى