“جـبــــل الـمـحـــامـــــل”*
كامد اللوز/ البقاع الغربي
“المدارنت”/ محمّد حمّود
====================
ماذا ستفعلُ في الصحراءِ يا جَمَلُ
إذا اختفتْ فوقها الواحاتُ والسُبـُلُ
ماذا، وجَوْفـُكَ كالرمضاء ملتهبٌ
وقــد حــملـتَ الذي لا تحــمــل الإبــلُ
حـَزّ ٌ، ولَزٌّ، وجـرحٌ فاغـِرٌ فـــمـَهُ
ضمادُه السَوْطُ والقــطرانُ يا جمـــلُ
ترغو وترزِم، ليس الرملُ منتهياً
ونـزْفُ قـَرْحِـكَ طاغ ٍ لــــيس يـُحــتـَملُ
يحزّ ُجنبَيْكَ سوْطٌ حاقــِدٌ نَهـــــِمٌ
من لــحــمك الحيِّ في حـــافـاتــهِ كـُـتــَلُ
هجـَّرْتَ في طـُرقٍ عذراءَ مُوحِشةٍ
ما كلّ ُ من خَبَّ في مجــهـــولها يــَصِلُ
ما في سنامِكَ للصحراء تُطعمُهُ
وأنــت تــأكـــلُ عشبَ الصبرِ يا جمــلُ
ما أوحشَ الدربَ لا ماءٌ ولاثـَمـَدٌ
ولا صــــــديــــقٌ، ولا أهـــــلٌ، ولا أمـــــــلُ
يمشي السرابُ، وتمشي أنتَ يا جملُ
والعمـرُ بينــكما كالظـلِّ مـُـنـْتـَعـَلُ
هل الذين وهَبْناهُمْ مناكبَنا
يروْن ما لا يراهُ الذئـــبُ والحَمَلُ؟
وهل تأكدْتَ أنْ غيرَ السراب لنا
وهل تأكدتَ أن الدربَ تـتـصـلُ؟
وهل تأكدتَ أنَّ الشَوْكَ يطحنُهُ
ضِرْسٌ بحلقكَ لاسُوسٌ ولا عِلَلُ
كيف السبيلُ إذا جفّتْ حناجرُنا
والبــيـــــدُ لاعــــَلـَلٌ فــــيها ولا نــَهــَلُ
بالأمسِ كنّا على الصحراء نقضمُها
والــيومَ تقضمُنا الصحراءُ يا جملُ
ليت الطريقَ التي تغـــتــــالُ حكمتـَنا
تــــــدري لــماذا يصونُ الدمعة َالرجلُ
يسلسلُ الرملُ أنهارَ السرابِ لنا
ويــكــذبُ الــــرمـــلُ، لامـاءٌ، ولا وَشَلُ
رغاءُ صدركَ لي قد صار أغــــنيةً
على مقــاطـــعِها الصحراءُ تـُخْتـَزَلُ
كنا إذا البيدُ من لفحِْ الهجيرِ شكَتْ
نُعــيـــر للبــيــدِ صدرَيْــنا فــتحتمــِلُ
وما عليك إذا شدّ السرابُ بنا
إليه، إنَّ هــــوانا عارضٌ هــَطِلُ
يطغى السرابُ على من لا غمامَ لهُ
ويهـــزم الرملُ مَن في ساقه خللُ
معاً نسير, وإنْ طالت مسيرتُنا
يموتُ من ليس في صحرائِهِ جملُ
* * *
صحراءُ، أيُّ جفافٍ يستبدُّ بنا
مات الغمامُ وجافى أرضَنا البلَلُ
كم تصبحين على غيمٍ، ويسرقهُ
لصٌّ، علـــى قدمــيْه تنبتُ الــدولُ
ما بال ُ وجهكِ لم يغسلـْه غيرُ دمي
أنا غريــمـُــكِ، لكنْ حبنا شُعـَلُ
نغدو ونسري، وفي أقدامنا أملٌ
لكــــنْ لماذا إلى الواحات لانصلُ؟
وتصبحين لنا سجناً على سَعَةٍ
ما أضيَقَ السجنَ إذْ جدرانه الدولُ
تفتَّحي يا جراحَ العشقِ في جسدي
فالرملُ أخّرَني، والعمرُ مرتحِلُ
كان السنامُ على صحرائنا جبلاً
واليومَ أقفرَ من أخلاقـــــه الجبــلُ
خذْ ما تشاء وهاتِ الصبرَ يا جملُ
فسوف بالمــــــاء لا بالرمل نغتسلُ
لم يتعب الرملُ، والصحراءُ ما تعبتْ
ولا الـــــغدوُّ، ولا نحن، ولا الأُصـُلُ
ولا نزال بصدريْنا نرى أفـُقاً
لغــيــــر أقـــــدامـنـــا الصحراءَ لا نَكِلُ
نخبّ ُ بين صِلال الوادِ رامضة ً
فلا نجـــور، ولا نشكو، ولا نَجــــِلُ
حسْبُ الجنازة أن يمشي القتيلُ بها
وحسبُ منسمِك الصحراءُ تُختزَلُ
وحسبنا أننا نـــــــمشي لغايتــــنا
وحسبنا أنْ نعاني أيها الجملُ
وقد نجوع، وقد نظما، ولا نصلُ
لكننا لن نـُضيعَ الدربَ يا جملُ
وقــد تكون أمانـــــيــنـــا مصائبـَنا
وقـــد تضجّ بصدرَيْنا وتـقـتـتـلُ
وقد تـُفاوِضُنا السكّينُ يا جملُ
وقد نـُبـَذِّرُ عُمْرَيْنا، ولا نصِلُ
لكنّ ماءً بعيداً عن حناجرنا
ينبوعُه الأرضُ, لا ينبوعه زُحَلُ
* * *
تهاجم الريحُ صدري، وهو يسفَعُها
كأنّ أحزانَه في صدرها أسَلُ
أضجُّ مثلَ ذوات البَوِّ في لهفٍ
صوب الحمى، وجنين الروح يبتهلُ
دخلت في الرمل، والسلماسُ ذاكرتي
ولم يُضفْني إلى أشيائه الطللُ “1”
أنا من الحاملين الشمسَ في دمهمْ
من الذين لهـــــــــم في موتهم مثـُلُ
من الذين إذا اعتادت بصائرهمْ
على الحرائق لم تدمعْ لهمْ مُقـَلُ
وليس يُسمَحُ أنْ نعيَى، وإن أكلتْ
أقدامَنا ناطحاتُ الرملِ يا جملُ
معاً نعيش، معاً نشقى، معاً نصِلُ
معـــــاً نحـــــاولُ ألاّ يُقتلَ الأملُ
* ألقى الشاعر عمر شبلي هذه القصيدة على مسرح “نادي كامد اللوز”السبت الماضي
==============