جدعون ساعر وحلف الأقلّيات!
“المدارنت”..
لم يتردّد وزير الخارجية “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني) جدعون ساعر، في الكشف عن مآل الأهداف الإسرائيلية المستقبلية، المتعلّقة بما يُمكن إدراجه في إطار “حلف الأقلّيات”. كلامه منذ أيام أن “الأقلّيات في المنطقة ستحتاج إلى التماسك معاً”، مشيراً خصوصاً إلى الأكراد والدروز، ترجمةٌ لرؤية رئيس وزرائه (الإرهابي الصهيوني) بنيامين نتنياهو، عن “تغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط”، كما قال في سبتمبر/ أيلول الماضي.
ومثل هذه الرؤية عن “حلف الأقلّيات” في شرق أوسط مشتعل كفيل بدفع أيّ نوع من الأفكار العابرة للطائفية والمذهبية والقومية إلى خارج نطاق الحلول الممكن تطبيقها في تلك المنطقة من العالم. الأمر أشبه بـ”سايكس بيكو” جديدة، لكن هذه المرّة بوجودٍ إسرائيليٍّ كامل، مُحفَّز بفعل تراكمات العصبيات المتناحرة التي سادت طوال عقود في قلب عديد من أنظمة دول الشرق الأوسط التي كانت قاطرةً فعليةً لأيّ تدخّل من خارج الإقليم فيه، لا العكس، كما يحلو للكثيرين ترداده.
ليس ما قاله ساعر جديداً في فكر الإسرائيليين، الذين سعوا في مرحلة ما في السودان (حين كان موحّداً) إلى دعم جنوبه في مواجهة شماله. كما حاولوا استيلاد تقاطعٍ سياسيٍّ وجغرافيٍّ مع ثلاث من أبرز طوائف لبنان، الموارنة والدروز والشيعة. غير أن الإسرائيليين اليوم يحاولون ترجمة هذه الفكرة، وإن كانت في سياق مباشر موجّه إلى تركيا وإيران، في ما يتعلّق بالأكراد، من أجل إحداث صدمة ما بعد “الربيع العربي”، والعمل على إقناع شعوب المنطقة بأن نموذج “يهودية الدولة في إسرائيل” هو المفتاح ـ الحلّ لأقلّيات هذا الشرق. وضمن هذا التسلسل، يُصبح من السهل عودة خرائط الأقلّيات إلى البروز في النقاشات المقبلة، والتصرّف بموقع ردّ فعل بدلاً من اتخاذ المبادرة.
المبادرة حالياً في الدول المعنية بشكل مباشر وغير مباشر بكلام ساعر متعلقة بثوابت أساسية، تنبع أولاً من الخروج من نمطية التمييز بين أكثرية وأقلّية، خصوصاً إذا كانت لاعتبارات دينية. الثابتة الثانية، عدم إشعار الأطراف التي تعتقد نفسها أقلّيةً بأنها “تحت الحماية” لأنها قليلة العدد، فيما هي جزء لا يتجزّأ من مجتمعات الشرق الأوسط، وليست وافدة إليه. الثابتة الثالثة، الخروج من الاعتقاد بأن “الانتهاء من الأقلّيات يعني انتهاء المشكلات الداخلية”.
ليست الأقلّيات ولا الأكثريات من تستنبط الخلافات الداخلية، بل إن المصالح المتشابكة والمتباعدة هي ما تؤدّي إلى إسقاطات النوازع الخلافية على الجماعات المُكوِّنة لوطن ما. يشبه هذا الأمر ما فعلته ألمانيا النازية، ثمّ النمسا تحت حكم النازيين، باليهود أنفسهم، حين حمّلوا مسؤولية التدهور الاقتصادي في ألمانيا، ثمّ وصلنا إلى المحرقة والإبادة.
منطق التمييز السائد في عديدٍ من زوايا الشرق الأوسط لن يُفضي سوى إلى منح ورقة رابحة لإسرائيل للقيام بالحدّ الأدنى ممّا تسعى إليه بدعوتها إلى “حلف الأقلّيات”، وهو إثارة الفتن الداخلية، وصولاً إلى حروب أهلية متنقّلة. هل يمكن تجاوز ذلك في ظلّ وجدود صواعق متفجّرة متنقلّة في لبنان والعراق وسورية بشكل خاص؟… لا شيء لا يمكن تجاوزه، غير أن ذلك يستدعي عملاً جبّاراً بين مكونات الدول الثلاث، ينبثق من “وقف العدّ”، أي الانتهاء من تحويل الأفراد في كلّ مجتمع إلى جزء من منظومة مرقّمة تابعة لطائفة أو إثنية.
قد يبدو مثل هذا القول مثالياً أو خارج السياقات الواقعية، فيما أنه سيُتداول لاحقاً في انفجار البركان الطائفي في الإقليم، بالتالي فلا بدّ من المسارعة إلى تطويق ما يسعى إليه ساعر، وإلّا فإن فتائل الصواعق ستلهب بيروت ودمشق وبغداد. الغريب أن الأمر لا يتطلّب نقاشاً عن بناء نظام جديد، بل حصراً إجراء تعديلات فكرية واجتماعية وسياسية، تسمح بإزالة أيّ محاولة إسرائيلية لزرع الشقاق بين أقلّيات وأكثريات الشرق الأوسط. عكس ذلك، لن يكون سوى تكاذب من نوع “أننا أبناء بلد واحد ونعشق تعايشنا”، وينتهي الأمر بصورة في الإنترنت.