جفّت الألوانُ ورُفِعَت الطّرس!
خاص “المدارنت”..
استقبل الموتَ حين أتاه زائرًا، ليصوّر لوحة أخيرة لرسّام النحّاتين ونحّات الرسّامين، حسين علي ماضي، الذي ملأت لوحاته ومنحوتاته العالم ضجيجًا؛ ورحل بصمت كليالي كانون. حسين ماضي الفنّان والإنسان الذي جاب العالم بفنّه، ودّعَه اليوم، بعد مسيرة حافلة بلوحات جسّدت حالات إنسانية؛ كأنّها مرآة تعكس ما يعتمل فيها من مشاعر وتطلّعات وأفكار.
ليس غريبًا أن يكون ماضي مبدعًا في مجاله، فهو ابن بيئته شبعا، حيث وُلِد وترعرع وتشكّلت فيها طفولته الأولى وردحًا من صباه، مستوحيًا من جبلها جبل الشيخ وطبيعتها كلّ فنّه وكل إنسانيّته وجلّ فكره، فهو القائل:
“الطبيعة معلمتي الوحيدة، ولا تنبع الأعمال العظيمة إلا من الخالق الأكبر!”.
وُلِد حسين علي ماضي في شبعا في العام 1938، درس الرسم والنحت في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة – بيروت، وأكمل دراسته في عاصمة الرسم والفن روما – إيطاليا في أكاديمية بيلي آرتي. إضافة إلى الرسم والنحت، تعلّم فنون الفريسكو – فن الرسم على الجبس الطري باستخدام الألوان المائية – والموزاييك والغرافيك في “أكاديمية سان جياكومو” في روما، وأمضى فيها – إيطاليا – 13 سنة، ليُشبِع فكره وروحه من فكرها وروحها فنًّا وإبداعًا. وقد أجرى، في روما، بحثًا مهمًّا وقيّمًا عن التراثين العربي إجمالًا والمصري خصوصًا.
عاد إلى لبنان في العام 1986، وفي جعبته الكثير من الطموح والأمل والأحلام لبذرِ نواة فنٍّ جميل يجسّد فيه أسمى معاني الحضارة الإنسانية، ويُنشِئ جيلًا يعرف معنى الإبداع ويقدّره. فدرّس في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية.
شارك ماضي في معارض كثيرة حول العالم، بدءًا من العام 1965، وعرض أعماله في متاحف عالمية كثيرة، منها: المتحف البريطاني؛ وبينالي البندقية؛ ومتحف أوينو في طوكيو؛ و”بنك شيس منهاتن” في نيويورك؛ ومتحف سرسق في بيروت.. ليس هذا وحسب، فقد نظّم ما يربو على 60 معرضًا فرديًّا. وكانت أعماله تتصدّر المجموعات الفنية أينما حلّ.
يُعتبَر ماضي من أنصار المدرسة التكعيبية في الرسم، ويبدو هذا جليًّا في أعماله عمومًا، حيث كان يعمد إلى تبسيط الأشكال الهندسية والمنحوتات. والجدير بالذكر أن الرسام الإسباني المالقي بابلو رويز بيكاسو؛ كان له تأثير كبير في حسين ماضي، هذا فضلًا عن تأثّره بالطبيعة التي كانت دائمة الحضور في أعماله، والفن الإسلامي وفنون الحضارات القديمة، الفرعونية والأشورية والفينيقية وغيرها..
يُذكَر أن ماضي، نال جوائز كثيرة خلال مسيرته الفنية، منها: جائزة الصالون الخامس لقصر سرسق للرسم في العام 1965-1966، وجائزة الصالون الثامن للنحت من المركز الثقافي الإيطالي في العام 1968-1969، والجائزة الأولى للحفر في إيطاليا في العام 1974، وجائزة رئيس جمعية الفنانين اللبنانيين في عامي 1982 و1992. وقد قلّدته الحكومة الإيطالية وسام نجمة التضامن الإيطالي في العام 2003.
ألقى حسين ماضي في الثامن عشر من كانون الثاني/ يناير 2024، طرسه ودواته وريشته وإزميله.. وأسدل الستار على مسيرة فنّية زاخرة بالروعة والدقة والجمال.. سيذكرها التاريخ في صفحاته.. ومضى..