جمود ما قبل الانهيار!
“المدارنت”..
بلغت التهديدات باستخدام الأسلحة النووية الاستراتيجية والتكتيكية الآن مستوى لم تصله من قبل بعد تصاعد حدة النزاعات الجيوسياسية، وعجز المجتمع الدولي عن إنفاذ القرارات الأممية والاتفاقات الجماعية لجعل كوكب الأرض آمناً، بالتزامن مع جمود النظام الدولي الناظم للعلاقات المرعية في تسيير شؤون الكوكب، مع توسع التحالفات العسكرية القائمة، واستحداث المزيد منها في مناطق جديدة.
ما يزيد المخاوف من احتمال اندلاع حرب مدمرة يتم اللجوء فيها إلى أسلحة الدمار الشامل، أن هناك عملاً سرياً وعلنياً لخلق واقع عالمي جديد يثبّت القطبية الأحادية والعولمة وإلغاء السيادة الوطنية بذرائع «الدمقرطة» وحقوق الإنسان وفرض قيم نابعة من المركزية الغربية التي لا تعترف بالتعاون وبالهويات الوطنية والخصوصيات الثقافية والجغرافية.
كل الأنظمة الدولية السابقة تولّدت وانهارت بعد حروب كبرى إقليمية أو عالمية، وهذه سنة كونية تنهار فيها إمبراطوريات ودول عظمى وتبزغ أخرى، ويبدو جلياً أن هذا هو ما عليه الحال الآن قبل نشوء النظام الجديد الذي يكرّس لهيمنة الإمبراطورية الأمريكية أو العالم متعدد الأقطاب الذي يبشر به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من مرة، لكن الأثمان التي سيدفعها العالم لن تكون هينة، وستكون كلفها البشرية والمادية والبيئية هذا المرة غير محتملة.
أحد أقدم وأهم أهداف الأمم المتحدة، هو نزع السلاح النووي، الذي يهدد بفناء العالم، وكان القرار الأول للجمعية العامة للمنظمة الدولية في عام 1946، إنشاء لجنة الطاقة الذرية، التي تحولت فيما بعد إلى مجرد تقديم مقترحات محددة للسيطرة على الطاقة النووية والقضاء على الأسلحة الذرية وجميع الأسلحة الرئيسية الأخرى التي تصنف في خانة الدمـار الشامـل.
رغم أن كل أمين عام للمنظمة الدولية عمل بنشاط على تعزيز هدف نزع السلاح النووي، إلا أن هذا الهدف لم يتحقق وشابت تنفيذه الكثير من الأهواء، فقد اتسع النادي النووي ليشمل دولاً تعترف علناً بحيازتها أسلحة نووية وأخرى يصمت عنها ويغض الطرف.
تعرض الإطار الدولي للحد من التسلح الذي أسهم في الأمن الدولي منذ الحرب الباردة، بعد الحرب العالمية الثانية، لضغوط متزايدة، وكان الكابح لاستخدام الأسلحة النووية، وفي الوقت نفسه المسرع لنزع السلاح النووي المتقدم، وبدأ هذا التدهور بانسحاب الولايات المتحدة خلال رئاسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى، التي التزم من خلالها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الروسي بالتخلص من فئة كاملة من الصواريخ النووية.
العام الماضي أعلنت روسيا تعليق مشاركتها في المعاهدة بشأن التدابير الرامية إلى زيادة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها (ستارت الجديدة)، في وقت كانت الفرصة سانحة أمام أكبر ترسانتين نوويتين استراتيجيتين في العالم للاتفاق على مزيد من التدابير للحد من التسلح.
لا شك أن الإحباط يسود العالم في ظل تزايد المخاوف بشأن العواقب الكارثية على الإنسانية في حال استخدام ولو سلاح نووي واحد، ناهيك عن حرب نووية إقليمية أو عالمية.