مقالات

حرب لبنان ومآلات مشروع الهيمنة الإيراني على المنطقة العربية*.. (2)

“المدارنت”..
ثمّة علاقة بين انبعاث الفكر الديني الأسطوري من خلال ”الثورة الإسلامية الإيرانية”، وانبعاث الفكر القومي – الامبراطوري الأسطوري لدى النخب السياسية التي آل إليها تسلم السلطة في إيران.
والمشترك بين الإثنين هو الإنفصال عن الواقع والإرتكاس نحو الماضي السحيق.
ربما كان من الصعب معرفة هل أن انبعاث الفكر الديني الأسطوري هو المقدمة لانبعاث الفكر القومي الأسطوري أم أنهما ولدا معا في تلك اللحظة التاريخية مع هبوط الطائرة التي أقلت آية الله الخميني في مطار طهران قادمة من باريس مع انتصار الثورة الاسلامية وهروب شاه ايران الى مصر.
لكن مايمكن االتفكير فيه هو ذلك التداخل بين الفكرين الأسطوريّين بحيث ينحني أحدهما ليخدم الآخر دون أن ينشأ بينهما أي تناقض حتى الآن.
منذ القرن السادس عشر انفصل التاريخ السياسي واللغوي- الثقافي  لإيران عن المنطقة العربية بعد توحد ايران ضمن الدولة الصفوية. بينما دخلت المنطقة العربية تحت سلطة الدولة العثمانية حتى الحرب العالمية الأولى.
فكيف يمكن لعقل واقعي علمي التفكير باستعادة امبراطورية فارسية تضم ايران والمشرق العربي  بشعوبه الكبيرة والعريقة المتميزة باللغة والثقافة ومئات السنين من التاريخ السياسي المستقل عن تاريخ ايران؟!
وعلى أيّ أساس يمكن التفكير في أن تلك الشعوب ستسلم مصيرها لطهران وترضى أن تحكم وفق ما يقرره علي خامنئي أو وريثه القادم؟!
بالتالي فليس هناك أساس عقلاني لمشروع الهيمنة الإيراني هكذا وقبل أن يبدأ العمل عليه في الثمانينات من القرن الماضي.
فقط استطاع ذلك المشروع الأسطوري التقدم نحو الأمام عبر حاملين رئيسيّين:
بقايا النزعات الطائفية في المنطقة العربية أولا، وكونه ينسجم مع الهدف الغربي – الصهيوني في اختراق المجتمعات العربية وتفتيتها من الداخل وتحويل الخلاف المذهبي السني الشيعي إلى تناقض يمنع تكون كتلة عربية وازنة قادرة على مواجهة الهيمنة الغربية و”اسرائيل”.
ومع كل خطوة كان يخطوها ذلك المشروع الأسطوري نحو الأمام كان يستهلك جزءا من حيويته وأسباب بقائه.
من هنا كان ضروريا أن يجد له رافعة تمثلت براية القدس أنتجت ميليشيات كدول، ودول كميلشيات في حلف تحت راية القدس.
وكون ذلك المشروع الايراني يتستر براية القدس فهو لايلزم نفسه بالخضوع لأيّ امتحان، فمنه تصدر شهادات الوطنية والإخلاص لأنبل قضايا العرب والمسلمين.
لكن الرياح سارت أخيرا بغير ماتشتهي السفن، فحين انفجر الصراع العربي الصهيوني بسبب حرب غزة التي طالت كثيرا ووضعت الجيش “الاسرائيلي” في مركز حرج بعد أن أسقط المقاتلون الفلسطينيون هيبته وكسروا كبريائه مما دفعه لفتح معركة واسعة غير متوقعة مع “حزب الله” لاستعادة مكانته وقوة ردعه في المنطقة، ظهر ما كان خافيا من أن المشروع الايراني ليس معنيا بالانخراط في مساندة أدواته إلى حد فتح معركة مع “اسرائيل” أو مع الولايات المتحدة الأمريكية.
فراية فلسطين عند المشروع الايراني هي لخدمة ذلك المشروع وليس المشروع الايراني لخدمة فلسطين والقدس.
لحظة الانكشاف هذه هي لحظة بداية النهاية للمشروع الامبراطوري الإيراني.
العبث بأقدس القضايا العربية لايمكن أن يكون بلا ثمن.
ماذا سيبقى لمشروع الهيمنة الإيراني بعد ذلك الإنكشاف؟!
لن يبقى سوى جوهره المؤسّس على عقل أسطوري لاسند له وبقية عصبية طائفية تضيق حتى لا تضم من الشيعة سوى من يؤمن بولاية الفقيه.
مقابل ذلك فإن المعاناة الكبيرة للبنان، والمحنة الأليمة التي يمر بها، سوف تكون مدرسة للعودة للوطنية والعروبة وانفصال المقاومة والمقاومين عن مشروع الهيمنة الإيراني وأساطيره المذهبية والقومية.

* الرأي الأسبوعي لـ”ملتقى العروبيّين السوريّين”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى