مقالات

حرمة الدم الفلسطيني أولوية وطنية!

“المدارنت”..
لاقتتال الداخلي الفلسطيني أياً كان شكله وسببه فهو في نهاية المطاف لا يُمكن إلا أن يصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي، ومن يعتقد غير ذلك فهو واهم، ولذلك علينا أن نعترف بأن إسرائيل نجحت في إشغال فلسطينيي الضفة الغربية باقتتال داخلي بغيض، في مدينة جنين ومخيمها، وإن كان هذا الاقتتال محدوداً ويحمل شكل «عملية أمنية» تنفذها السلطة الفلسطينية.
الدم الفلسطيني يجب أن يظل محرماً ومحفوظاً، واستباحته تعني بالضرورة أن الاحتلال سوف يكون المستفيد الأخير والنهائي، وهذه قاعدة يجب أن تكون اليوم أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، بعد أن رأينا جميعاً وشاهد العربُ والعالم معنا، كيف أن الانقسام الداخلي الفلسطيني كان طيلة السنوات الـ17 الماضية يصب في خدمة الاحتلال دون غيره، وكبّد الفلسطينيين خسائر فادحة من بينها، التهام أراضي الضفة الغربية وابتلاع الأحياء العربية في القدس المحتلة، وحصار قطاع غزة، والاستقواء على كل المنطقة بما فيها لبنان وسوريا وغيرهما.
خلال فترة الانقسام الفلسطيني البغيضة ارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية بعدة أضعاف حتى سجَّل أعلى رقم في تاريخ الاستيطان الإسرائيلي على الإطلاق عندما تجاوز عددهم النصف مليون واقترب من 600 ألف مستوطن يسرحون ويمرحون على أراضي الضفة بحلول عام 2023 قبيل عملية «طوفان الأقصى».

إسرائيل نجحت في إشغال فلسطينيي الضفة الغربية
باقتتال داخلي بغيض في مدينة جنين ومخيمها
وإن كان محدوداً ويحمل شكل «عملية أمنية»
تنفذها السلطة الفلسطينية

في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر 2024 بدأت قوات الأمن الفلسطينية عملية عسكرية واسعة في مدينة جنين ومخيمها استهدفت مجموعات تابعة لفصائل المقاومة الفلسطينية، وهي فصائل تستهدف الاحتلال الاسرائيلي وليس السلطة، وهو ما أدى إلى اشتباكات دموية مؤسفة سقط فيها عدد من الضحايا من الجانبين، في الوقت الذي يواجه الفلسطينيون أبشع هجمة عدوانية إسرائيلية، وفي الوقت الذي تتمسك فيه إسرائيل بالحرب الدموية ضد قطاع غزة.
وهذا يعني أن إسرائيل نجحت في إشعال فتنة داخلية في الضفة الغربية، واستطاعت إشغال الفلسطينيين بعضهم ببعض، وذلك بعد أن كانت تتجمدُ رعباً من اشتعال جبهة الضفة واندلاع انتفاضة شاملة تشارك فيها قوات الأمن وعناصر السلطة، على غرار انتفاضة الأقصى، التي اندلعت عام 2000، والتي كان قائدها الفعلي في ذلك الحين الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي قرر حينها الانحياز إلى الشعب، ورفض التوقيع على ما عُرض عليه في «كامب ديفيد» قبل شهرين من اندلاع تلك الانتفاضة.

ثمة مشكلة استراتيجية وحقيقية يواجهها الفلسطينيون اليوم، وتتعلق هذه المشكلة في فهمهم للسلطة الفلسطينية وطبيعتها، إذ ينزلق البعض – بمن فيهم مسؤولو السلطة ومسؤولو أجهزتها الأمنية – ينزلقون إلى الاعتقاد بأنهم موجودون في «دولة» وأنهم يريدون الحفاظ على هذه الدولة من أية مجموعات مسلحة خارجة عن القانون، والحقيقة أن السلطة ليست دولة وأن هذه المجموعات المسلحة ليست خارجة عن القانون، وإن الجميع تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر الذي هو احتلال مسلح وهو الوحيد الخارج عن القانون، بموجب عدد كبير من قرارات الشرعية الدولية التي تطالبه بالانسحاب وترك الفلسطينيين يبنون دولتهم.
«السلطة الفلسطينية» كانت مشروعاً وافق عليه الرئيس الراحل أبو عمار في عام 1993 شريطة اعتباره مرحلة انتقالية مؤقتة في الطريق لبناء الدولة، وكان من المفترض أن تنتهي هذه السلطة بانتهاء اتفاق أوسلو في عام 1999، لكن عرفات اكتشف أن الإسرائيليين والأمريكيين لم يكونوا صادقين في وعودهم، وأن هذا المشروع الموعود لم يكتمل. وتوقفت السلطة الفلسطينية على حالها منذ ذلك التاريخ لتظل سلطة تحت الاحتلال، أي أنها سلطة لرعاية المصالح المدنية للفلسطينيين، ولم تصبح دولة حتى الآن، وأي تعامل مع السلطة بغير هذا المنطق يُسبب الضرر للمشروع الوطني الفلسطيني.

انطلاقاً من هذا الأساس فإن الدم الفلسطيني يجب أن يظل محرماً ومصاناً، ومن العيب، بل من العار على السلطة الفلسطينية أن تنزلق إلى مواجهة شعبها بالنيابة عن الاحتلال، أو لخدمة مصالحه، سواء كانت تقصد ذلك أم لا تقصد، كما أن إطلاق اسم «عملية حماية الوطن» على ما يحدث في جنين هو ضرب من التدليس لأن التهديد الوحيد للوطن الفلسطيني هو الاحتلال الإسرائيلي، ولا يمكن لأي اقتتال داخلي فلسطيني أن يؤدي إلى حماية الوطن، بل هو التهديد الأخطر والأبشع للوطن والشعب ولكل مكوناتهما.

المصدر: محمد عايش/ “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى