“حزب الله”.. هل جاء زمن دفع الفواتير..!
“المدارنت”..
دخل حزب الله حرب ”المشاغلة” مع اسرائيل ضمن تفاهمات واقعية على ما يسمى بقواعد الاشتباك وهي تفاهمات مبنية على مصلحة للحزب في الحفاظ على سمعته كطرف رئيسي في ما يسمى حلف المقاومة, تلك المقاومة التي برر بها وجوده المسلح خارج إطار الدولة اللبنانية, واستخدامه للقوة العسكرية المسلحة لفرض معادلات سياسية داخلية تمنحه الهيمنة شبه التامة على الدولة اللبنانية بل كان يطمح لتعزيز هيمنته في الداخل بإظهار بعض ما لديه من مخزونه الصاروخي الذي حرص على تحديثه خلال الفترة السابقة.
مثلما كان تقديره أن اسرائيل أيضا ليس لها مصلحة في توسيع الحرب معه، وهكذا فخلال زمن محدود تنتهي بعده حرب غزة يكون قد خرج برصيد من القوة أفضل مما كان عليه قبل السابع من تشرين الأول, رصيد يتيح له اسكات الأصوات المناوئة له في الداخل, وتحسين وضعه التفاوضي في حال ما إذا جلس على مائدة التفاوض مع اسرائيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة لإنجاز اتفاق هدنة طويلة الأمد.
لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن الحزب, فحرب غزة طالت بصورة غير متوقعة , ولم يكن لحرب المشاغلة المقيدة بقواعد الاشتباك تأثير فعال في تعديل موازين القوى لصالح المقاومة في غزة, وقد أصبحت تلك الحقيقة مكشوفة إلى حد كبير, صحيح أن تلك الحرب أزعجت اسرائيل ودفعت المستوطنين شمال فلسطين المحتلة للنزوح عن مستوطناتهم القريبة من الحدود, لكن ذلك لم يكن كافيا بحال من الأحوال لتغيير كفة الميزان لصالح المقاومة في غزة.
في المقابل فقد كانت الخسائر على الجانب اللبناني كبيرة نسبيا، ولا تتناسب مع الخسائر الاسرائيلية التي لم تشمل سوى الخراب الذي لحق ببعض المزارع وبعض المستوطنات, فبينما قتل المئات من حزب الله وبينهم بعض من أهم الكوادر القيادية فلم نسمع عن خسائر بشرية اسرائيلية ذات أهمية, كما أن الخراب والتدمير الذي لحق بقرى وبلدات الجنوب أكبر بما لايقاس بما ألحقته صواريخ حزب الله بالمستوطنات الصهيونية.
لكن المعضلة الكبرى التي واجهت حزب الله كانت تتمثل في تدحرج حرب المشاغلة نحو تصعيد يجعل التحكم في تلك الحرب واستعادة قواعد الاشتباك يخرج بالتدريج عن نطاق السيطرة, فالطريقة التي كانت تفكر بها المؤسسة العسكرية الاسرائيلية تجاه حزب الله تطورت بسرعة نحو فتح ملف الترسانة الحربية للحزب وضرورة الانتهاء من إزالة خطرها بصورة تامة بالاستفادة من الدعم الغربي والأمريكي خصوصا الذي تصاعد إلى حد غير مسبوق مع عملية طوفان الأقصى.
واللافت هنا أنه بخلاف حرب غزة فليس هناك مواقف متضاربة بين حكومة نتنياهو وبين المؤسسة العسكرية وكذلك داخل المؤسسة العسكرية في ضرورة تصفية الحساب مع حزب الله, وهكذا ماكاد الجيش الاسرائيلي ينهي تدميره لغزة, وإضعاف القوة الضاربة لحماس حتى توجهت الأنظار للجبهة الشمالية, في حين تشعر الحكومة الاسرائيلية بضرورة استغلال فرصة الانتخابات الأمريكية لتحقيق ضربة قاصمة للحزب تستعيد بها العسكرية الاسرائيلية ما فقدته في 7 تشرين من العام الماضي من الهيبة وقوة الردع وتنهي ملف مخاطر ترسانة حزب الله من الصواريخ والأسلحة الأخرى.
هكذا بدأت تسير الأمور على نحو غير متوقع من حزب الله, وزاد الأمر تفاقما ما قامت به اسرائيل من اغتيال القائد العسكري للحزب فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية, وظهور عجز الحزب عن الرد على تلك الضربة المؤلمة والكبيرة بمدلولاتها المعنوية بما يتناسب مع حجمها مما ترك الحزب في وضع ضعيف التقطته القيادة العسكرية الاسرائيلية بسرعة لزيادة الضربات اللاحقة وصولا نحو الضربة الكبرى في تفجير أجهزة الاتصال.
من الواضح أن اسرائيل تستدرج الحزب للرد لتتمكن من توسيع الحرب بصورة كبيرة, بينما يقف حزب الله محتارا بين رد يتناسب مع تلك الضربة يعقبه توسيع للحرب نحو حرب شاملة لا يرغب في الدخول إليها ولا يقدر على تحمل أعبائها, وبين تزايد الظهور بمظهر الضعيف مما يشجع اسرائيل لشن ضربات لاحقة قد تكون أكثر ايلاما.
ليس واضحا الآن ما سوف يختاره حسن نصر الله, لكن الحقيقة أن أي اختيار لن يخرج الحزب من مأزقه الحالي, اللهم سوى اللجوء لتنازلات سياسية كبرى, لا يبدو مستعدا لها الآن.
يحدث هذا وحزب الله قد فقد منذ تدخله في سوريا, والحرب الظالمة التي شنها على الشعب السوري كل تأييد من جانب الشعب السوري ومعظم العرب, بل ومعظم اللبنانيين, بينما لم تكن حرب مشاغلته لإسرائيل مقنعة سوى للقليل من الفلسطينيين وقسم من حاضنته التقليدية في الضاحية والجنوب.
فقدان حزب الله لرصيده الشعبي وللطابع الوطني الذي ظهر سابقا عليه في حرب 2006 يلعب دورا هاما اليوم، فهو يرى إلى أي درجة أصبح وحيدا ومنبوذا بينما يقف في مواجهة عدو لا يرحم.
فهل انتهى عصره الذهبي وجاء زمن دفع الفواتير؟