مقالات
(حكي بلدي).. سعيدُنا.. وكلابهم السعيدة..!

خاص “المدارنت”..
في زمن غابر.. كلما انقطع التيار الكهربائي، أو ارتفع سعر الطحين، أو فُقِد نوع من الدواء، او تغيّرت تسعيرة النقل، او تزايدت الحُفر والنتوءات في طرقات بلدتنا الضيّقة، كانت جدّتي تردد هذه العبارة: (تضرب هالعيشة، عيشة كلاب).
جدتي بَنَت هذه النظرية من كلاب الحيّ، إمّا لأن تلك الكلاب كانت أهدافًا “مشروعة” لبنادق بعض الصيادين، او تلك التي تخصّل قوتها من بقايا الاكل والاطعمة التي يهدرها البشر، وترمى في مطامر النفايات، أو الكلاب التي تصطفّ في الخارج، أمام دكان اللحّام (الجزّار)، او التي تنام في العراء من دون مأوى في صقيع كانون، او الكلاب التي تحرس القطيع من الذئاب.. والراعي يأكل اللحم، او الكلاب التي تحرس الحقل من اللصوص، والمُزارع يأكل الثمر…
لفت انتباهي في فيينا، العاصمة النمساوية، تخصيص منتزه وحديقة للكلاب، كانت أجمل من أي حديقة، لم لا؟!..
لغاية اليوم، أنشأت البلدية في ضيعتي، مثلها، كانت مفروشة بالمرج الأخضر، إن وقع كلبٌ، لا يتأذى، ولا يُخدش، فيها الكثير من الازهار، والاشجار، والالوان، روائحها أزكى من روائح سوق العطّارين.
كانت الكلاب من جميع الاحجام، وجميع الاشكال، كانت سعيدة، لا تسمع اخبار، ولا تقرا جريدة، ولا تحمل اي همّ، حتى اصحابها في تلك الحديقة، كانوا، امّا من المتقاعدين، لا هموم لديهم، إلا ان تكون كلابعم (سعيدة)، أما السيدات الشقراوات في الحديقة، كانت تغنج كلابها، أكثر ممّا كانت تعاملني مُدرّسة الحساب بقفا (خلفية) المسطرة، اثناء تسميعي جدول الضرب.
ليست مهمّة كلفة الحديقة، او كم استهلكت من آلاف الامتار في عاصمة ليالي الأنس، أمام غابات الاسمنت في حيّ الكرامة (المشهور بحيّ السلّم في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت)، حتى لا يكتئب كلب، او يجوع، او يمرض، أو يعرى، او يُهان.
الأهم.. البارحة، حصل ان جارتنا بهيجة، زوجة جارنا فرحان، لا وقود في مدفأتها، ولا برغوت (عملة معدنية قديمة لا قيمة لها) في جيب زوجها، وضعت مولودًا يحمل الرقم تسعة، أسمياه سعيد، وسط أفراح الجيران والأقارب، وتمنيات الجميع للمولود أن يعيش ويربى بعزّ والديه.
======================