رأي المدار

حماية الأجراء تعزز مالية الدولة

محمد حمود*

دأب الكثيرون من العنصريين اللبنانيين في الآونة الأخيرة، وبأسلوب فجّ ووقح، ومن دون تعقّل أو تردد، على تحميل النازح السوري أو اللاجئ الفلسطيني، مسؤولية تردّي الأوضاع الاقتصادية في البلد، واعتباره المسؤول الاول عن حالة الانهيار الكامل لقدرة اللبناني على الاستمرار في عيشه الكريم، متجاهلين مسؤولية الدولة أولاً وأخيراً، عن تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، التي باتت على حافة الهاوية أو “المهوار”.

السؤال هو: هل يحصل الموظف/ة أو العامل/ة اللبناني/ة على حقه؟ إذا كان عاملاَ أو عاملة في مكاتب الأطباء أو المهندسين أو المحامين، أو في مكاتب الخدمات العامة، أو في مؤسسات صغيرة أو متوسطة أو كبيرة؟ أو مؤسسات تجارية مخصّصة لبيع الثياب أو الأحذية أو الأطعمة والمواد الغذائية، أو المطاعم أو الملاهي. أو.. أو.. الخ..؟ وهل يتم التعامل مع هؤلاء كموظفين يتمتّعون بحقوق مقدّسة يجب الالتزام بدفعها وتأمينها لهم؟ وهل يحصل المدرّس في المؤسسات التربوية الخاصة (ابتدائية أو متوسطة أو ثانوية) على حقوقه كاملة؟ وهل يتم التصريح عن راتبه الحقيقي في المؤسسة الضامنة لهذه الفئة من الأجراء؟ وهل يحصل على درجاته الوظيفية مالياً وفي المناصب الوظيفية كل فترة زمنية التزاماً بنصوص القوانين؟

هل يتقاضى هؤلاء الحدّ الأدنى للاجور؟ وهل يتقاضون الرواتب والعلاوات والبدلات التي يستحقونها وفق القوانين؟ وهل يتم احتساب هذه العلاوة على أساس الراتب الأساسي؟ أم أنها تأتي اعتباطياً، طبعاً، إذا حصل عليها هؤلاء؟ وهل يتقاضى هؤلاء بدلات النقل، ويحصلون على إجازاتهم السنوية، أو إجازات الأمومة للأمهات العاملات؟

قمنا بجولة ميدانية في غير منطقة لبنانية، والتقينا الكثيرين والكثيرات من هؤلاء، البعض تحدّث بعد إلحاح طويل، وطمأنة بأن اسمه لن يرد في الموضوع الذي سنطرحه على الرأي العام اللبناني، وعبره على “المسؤولين العظماء”، والبعض الآخر لم يشأ التصريح عن راتبه أو عن طريقة وشروط عمله في أكثر من مكتب أو مؤسسة أو مدرسة، وغير ذلك من المؤسسات و”الدكاكين”.

قال البعض: بكل صراحة، نحن نتعرّص لعملية استغلال مفضوحة، فلا قانون يحكم علاقتنا بالمؤسسة التي نعمل فيها، ولا ضمانات، ولا ضمان، ولا بدلات تأمين صحي، باختصار، لا يقدمون لنا ايّ شيء من حقوقنا الطبيعية، وعندما نطالب بخَفَر بحقوقنا، يأتي الجواب بكل وقاحة: “ما نقدمه لك هو ما نستطيعه، وهل تظن أن البلد طبيعي؟ الشغل كثير والمداخيل قليلة، ومصاريفنا كثيرة، وأنت ترى وضعنا، على العموم إذا عجبك أهلاّ وسهلاً بك، وإّذا لم يعجبك الراتب غيرك أفضل، وكثر ينتظرون هذه الوظيفة”.

هذا ما يحصل في كثير من مكاتب استخدام الفتيات كسكريترات، (في عيادات أطباء ومكاتب هندسة ومكاتب محامين، ومستشفيات معامل، وغير ذلك، الخ….

الأكيد، هو: أن هذا الموظف/ة أو العامل/ة، يعلم علم اليقين ما هي المداخيل المالية التي يحصل عليها هؤلاء، وهي كثيرة جداً من دون أيّ شك، وبالتالي، يرى بأم العين، أنه محلّ استغلال وقح، وأن الحاجة للعمل، ولوظيفة يستر بها نفسه وأسرته، تلزم الكثيرين بالصمت، والقبول بما هو قائم، انتظاراً لظروف أفضل، يصعب التكهن بوقت وصولها، مع الإيمان بصعوبة ذلك في المدى المنظور، وفي ظل السياسة الرعناء التي يتّبعها القيّمون على شؤون البلاد والعباد.

هل تعلم السلطات المعنيّة أن هناك عاملات وسكريترات لا تحصل الواحدة منهن على الحدّ الأدنى للاجور؟ وأن فتيات يتقاضين رواتب شحيحة جداً، لا تتجاوز 250 دولار شهرياً، مقابل عملهن في خدمة ثلاثة أو خمسة من الذين أشرنا اليهم سابقاً، يعملون في شقة واحدة يتقاسمون غرفها، ويدفع كل منهم نحو 50 دولار شهرياً للفتاة، التي تقوم بواجبها كأمينة سرّ لهذا وذاك على السواء، وطبعاً، لا ضمان ولا ضمانات، ولا إجازات سنوية، ولا بدل نقل، ولا دوام محدّد للعمل، أحيانا قد تأتي الى العمل لأمر طارىء في يوم عطلتها الأسبوعية. وقبل وبعد كلّ هذا، تشعر الفتاة أنها معرّضة للطرد في أيّ لحظة من دون سبب، ربما لأن طبيباً ما أو مهندساً، أو أي مسؤول آخر عن العمل، تقدمت اليه فتاة أخرى مستعدة للعمل مقابل أيّ أجر، فيتم استغلالها من دون أي وازع قانوني أو إنساني أو أخلاقي، ويتم صرف مبلغ للفتاة المصروفة، يسمّى زوراً تعويضاً لنهاية الخدمة، قيمته أقل بكثير من راتب شهر أو شهرين لأحد النواب، أو سواه من التجّار من هذه الفصيلة التي تستغل حاجة الناس.

نضع هذا الكلام أمام الرأي العام، وأمام بعض النواب والوزراء. ونعلم علم اليقين أن الكثيرين منهم يقومون بما سلف من استغلال لهذا العامل أو تلك الفتاة، على أمل أن يلتفت هؤلاء الى الناس، ويخشونا الله قبل القوانين، ويعطوا العاملين حقوقهم، ويقوموا بما يلزم لتأمينهم من غدر الظالمين.

ونطالب الجهات الرقابية بالشروع فوراً في واجباتها تجاه هؤلاء، وضبط أوضاعهم مالياً ومعنوياً، وبعد ذلك يمكن للمعنيين أن يدركوا حجم الأموال الهائل التي يمكن أن تحصّلها الدولة، والتي يتم حجبها عن المؤسسات الضامنة، والتي يتهربّ منها أصحاب رؤوس الأموال، وهم أكثر من (الهمّ على القلب) في هذا البلد، الذي ابتلاه الله بغالبية عظمى من المسؤولين، الذين لا يعلمون شيئاً عن المسؤولية وواجباتها وشروطها تجاه المواطن والوطن.

وفي الختام، نجد أنه من الضرورة الكفّ عن تحميل النازح السوري أو اللاجىء الفلسطيني، مسؤولية تقصير الدولة في رعاية المواطن اللبناني، وحمايته من جشع التجّار والفجّار، ومن بعض النواب والوزراء وغيرهم من الفئات المُستغِلّة، من أهل الفصائل التي سبق وأشرنا اليها في باطن النصّ… والله من وراء القصد.

مدير تحرير “المدارنت”.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى