مقالات

خصائص ومزايا الإنسانية في التصوّر الإسلامي.. ميزة الإيمان بالله وميزة العالمية/ الجزء (6)/ ثانيًا

أديب الحاج عمر/ لبنان

خاص “المدارنت”
.. يأخذك الواجب إلى تحقق العلاقة بين الإنسان وخالقه العظيم، محاولا أن تكون على نوع من الاتزان والإدراك، وعلى أسس إيمانية متينة، تقوم على اصل أن الله تعالى هو المتوكل بأمور عباده، بحيث يتوجه الانسان ،من خلال هذا التوكل، القرار ذاته كي يحقق حياة استقرار وامن وطمانينة. لقوله تعالى: “الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله إلا بذكر الله تطمئن القلوب، الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن ماب”. الرعد/28-29.
من هنا وجب وجب ضرورة ممارسة العلاقات الإنسانية بالاعتماد على الإيمان بالله تعالى، أي ضرورة الالتزام، قولا وعملا، بما شرّع الله تعالى وأتى به من نصوص قرآنية، مع الإشارة إلى أن كلية ما أتى به الله تعالى، كدين، إنما يمثل دين الواقع العملي والحياة المعاشة،
دين عمل وانتاج، بحيث انه يربط بحركة علاقته بين المعتقد والعمل، بين القول والفعل، بين النظرية والتطبيق، بحيث تنطلق تلك الجدلية كي تصوغ مبادىء الانسانية، ثم صبغها بصبغة الواقعية الموضوعية. لقوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لِم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”، الصف/2-3.
نستنتج ذلك، أن الإنسانية وعلاقاتها، في التشريع الإسلامي، تتميز بميزة التوازن، أي توازن بين مطالب وحاجات الانسان، المادية والروحية. يعني أن الإسلام يلحّ ويؤكد ضرورة الأخذ وتطبيق التوازن بين حاجات الدنيا ومطالب الآخرة، مع لزوم إعطاء كل جانب حقه من الرعاية والاهتمام. لقوله تعالى: “وابتغ فيما اتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا”. القصص/77.
يذكرون، الخير وفعله، والخير هو ما فيه منفعة خاصة وعامة، بحيث أن الإنسان لا يرى في اصل فطرته، إلا الخير، ثم لا يميل إلا اليه، أما الشر الذي يناقض الخير، إنما هو عارض طارئ. يعني أن الخير ذاتي والشر خارجي. وبهذا يمكن القول أن الإنسان مهما بلغ من شرور، يستحيل عليه أن يصبح شرا محضا. لذلك فإن الإنسان إنما ينشأ داخل منازعات ما يحيطه من عوالم واكوان، فتراه يتقلب متغيرا، بين حالات الراحة والاستقرار، حينا، وبين الجهد والغلبة، حينا اخر، أضف إلى أنه يتنافس ويتسابق مع أبناء جنسه على كسب المنافع. أما من ناحية اضطراره للظلم والافساد، فإنه يأتيه تعلما، بحيث يلازم ذلك الظلم مناداة ضميره الحيّ( قبل الموت) فيقول له: لا ،لا تفعل.
يعلن البيان، أن ما يصيب الإنسان من مكاسب ومنافع، إنما تصدر عن عناية الهية، أما ما يصيبه من شرور، إنما تصدر عن نفسه، أي أنها انعكاس لما ينتجه من أعمال. لقوله تعالى:” ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك”. النساء/ 79. فظاهر الغاية تبين أن الإنسان لا يأتي أعماله الاختيارية إلا إذا علم بنفعها له، أما ما ينتجه من سوء اعمال، فإننا تصدر عنه عن جهل وعدم معرفة بما ستعكسه تلك الأعمال. بهذه الحالة يستلزم اخذ العمل بالعقاءد اليقينية، أي ضرورة العمل بما يوافق الإيمان الصحيح مع منطق العقل الذي هو سلطان أعمال الإنسان. أي تطبيق مقولة: الحلال بيّن والحرام بيّن. خلاصة الكلام، تعني أن كل علم لا أثر طيب له داخل العمل، يكون ناقصا لا يقين فيه. فالايمان الذي نطلب هو ذلك الإعتقاد اليقيني في العقل المهيمن على القلب. يعني ضرورة التوازن بين العقل كفكر وبين القلب كوجدان.
إن فطرية علاقة الإنسان بخالقه، دليل واقعيتها وثبات رسوخها العملي، وهي من الأهمية البالغة في التأثير على الأخلاق والسلوك والتصرفات الإنسانية في إطارها العلائقي الاجتماعي البشري. فالدين الإسلامي وما يحمله من دستور، وصور لتشريع، إنما هو كل ما يقبله العقل ويهتدي به الوجدان، كما أنه متطور لكل زمان ومكان، فينظم أحوال المجتمع، ويساوي بين الأفراد، ويطمئن النفس البشرية.
فالايمان بالله الواحد الأحد فطرة إنسانية تنزع إلى التسامي في المعرفة المتطورة والمتدرجة للوصول إلى معرفة الله تعالى، صاحب القوة المطلقة التي يتمحور في فلكها ذلك المخلوق المتميز بفرديته،فيتعرف عليها جراء ما اسرت به النفخة الإلهية، وما وهبته له من نعمة العقل ،كأداة ميزته عن سائر المخلوقات.
تحصل النفس الإنسانية على العلوم والمعلومات، بقدر ما تكتسبه منها، عن طريق قوة ذاتيه تقتضي كسب معرفة هذه العلوم . مع الاشارة، إلى أن أعمال الناس متشابهة، ولكنهم كأفراد يتفاضلون، بالإرادة والقوى والأهداف. فالسبيل الذي يسلكه الإنسان الفرد ،والغاية التي يقصدها، إنما هي تلك التي ينتجها من عمله هو، وليس للقوة الإلهية من علاقة أو تدخل فيما اختاره هو لنفسه.
من هنا وجب عليه كانسان ،يخطىء ويصيب،أن يدرب إرادته ويعودها فعل الخير ثم يزكي نفسه على ذلك. لأن الأمر الذاتي إنما يستجيب لحالات تتكرر، فيتاثر بها ويؤثر ايضا. وهكذا يعتاد الإنسان فعل الخيرات وايضا، يعتاد سداد العقل وصواب تفكيره. بهذا يكتمل الإيمان بالله، أي بالعمل الخيّر، والتمرّس يكرّس الاخلاق، انطلاقا من أن النفوس البشرية ليست أوهام وليست خيال، إنما هي مشاعر وأحاسيس، وإرادة حركية انفعالية.
لقد جاء الإسلام كدين، موافقا لطبيعة الانسان، ومراعيا عناصر تكوينه، الروحية والمادية والوجدانية، وهذا من لوازم فطرته، أما من ناحية إنه كتشريع، فانه يدفع بعناصر تكوين الإنسان للقيام بوظائفها، في سبيل عمارة الأرض واستمرار البشرية في تناسلها.
يعني ضرورة تحقق إنسانية الإنسان، حيث تندمج رغبات الجسد مع أشواق الروح، من أجل تحقق غايات الحياة الوجودية ،التي أرادها الله تعالى، له كانسان مجبول على الفكر والشعور.

ثالثا: ميزة العالمية
ما يميز الدين الإسلامي، في أصوله الانسانية، إنه وضع الهي، وما العقيدة إلا حاجة روحية وضرورة حتمية، لصلاح وإصلاح حال البشر. فلا يختص بها فريق دون الآخر، يعني أن الأمر يحتم وجود دين أو تشريع عالمي يحمل في طياته نظام أو قانون يحمي ويحفظ معاني الإنسانية وابعادها العلاءقية. يعني أن يكون بين أيدينا، منهج تشريعي يحيط بعالم الإنسان ومكنوناته، من حيث أنه انسان. بغض النظر عن تلك العوامل والفوارق العارضة التي تدخل في ماهية الانسان. لقوله تعالى: “وما هو إلا ذكر للعالمين”، القلم/52.
“وما ارسلناك إلا كافة للناس بشبرا ونذيرا”، سبا/ 28. “وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين”، الانبياء/107.
هذه الآيات القرآنية، إنما تؤكد عالمية الإنسانية في الاسلام، من حيث أن الرسالة الإسلامية قد توجهت إلى الناس كافة، من أجناس وألوان. وعليه نخرج إلى حُكْمِ مقرر من رب حكيم، استنتاج طبيعة منسجمة متناسقة لوحدة المجتمع، من حيث عقيدته وانسانيته، فغاية الإسلام، ومن خلال دعوته في تحقق انسانيته العالمية، أن يؤمن جميع الناس به كدين سماوي مصدره خالق واحد ووحيد.
وعلى هذا الأمر فقد حقق الرسول (ص) _ بعد إقامة دولة المدينة_ ونظم علاقاته مع جميع الناس على اختلاف اجناسهم واصولهم من دون الإشارة الى أيّ نزعة تسلط أو استعلاء. مع لفت النظر إلى أن الإسلام، عقيدة وتشريعا وادبا واخلاقا، هو خاتم الرسالات ونهاية الوحي الإلهي، فكان لزام الإنسانية جمعاء، الأخذ به وتحقيق تشريعه، كأمة إنسانية عالمية واحدة. لقوله تعالى: “أن هذه امتكم أمة واحدة وانا ربكم فاعبدون”، الانبياء/ 92.
ولكي يكون الدين الإسلامي عالميًا صالحًا لكل زمان ومكان، فإنه بلا شك قد تميز بخصائص ثلاث، هي:
_ وفاء الإسلام لحاجة الإنسانية جميعا، فصان وحدتها ورعى انسانيتها.
_ احتوى التشريع الإسلامي قيام الإنسانية كلها في عالم واحد، لا تنزع معها، عصبية دم ولا اختلاف لون ولا فرقة جنس.
_ اتساق الإسلام مع حقائق الكون وخصائص الوجود، بحيث لا يتعارض مع ما أثبتته الحقائق العلمية ولا يختلف مع منطق العقل.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى