مقالات

خصائص ومزايا الإنسانية في التصوّر الإسلامي.. ميزة الاستمرارية وميزة الشمولية/ الجزء (6)/ ثالثًا

أديب الحاج عمر/ لبنان

خاص “المدارنت”
رابعًا: ميزة الإستمرارية
تقتضي ميزة عالمية الإسلام التعرف على ميزة الاستمرارية، كضرورة حتمية، لأنها تعتبر مصدر من مصادر القوة التي دفعت الناس إلى التعرف على الدين وفهمه وادراكه وبيان مقاصده الانسانية، ثم قناعة الدخول في مساره الإنساني. فالاستمرارية تعني وتفيد، خلوده، عقيدة وتشريعا، مع دوام بقائه وامتداد رسالته، ما دامت البشرية تواصل حياتها على سطح هذا الكوكب، ومستمرة في تناسلها، تحقيقا إلى مشيئة الله تعالى.
فالإسلام دين يلازم البشرية في مسيرتها الإنسانية، كما أنه يحتوي ويستوعب مظاهر التجدد والنمو في كل ما يتعلق بتلك الانسانية، على كافة المستويات. لقوله تعالى: “إن الدين عند الله الإسلام”، آل عمران/ 19.
لا شك أن المنظومة البشرية، وما يحيط بها من إدارات ومؤسسات، إنما تتحدد غايتها وترتكز ايضا، على واجب القيام بالخلافة الإنسانية التي كرم الله تعالى بها الإنسان. لذلك وجب عليه لزوم التوجه إلى عبادة الله الواحد الأحد، ومن جهة ثانية، ويجب الاتجاه بعمله وطاقاته من أجل تحقيق الخير العام للناس جميعا. هذا الأمر اكسب الإسلام الطابع الشمولي العام وصبغه بصبغة الاستمرارية، والمستمرة ابد الدهر. فتعاليمه الإنسانية ثابتة ولن تغيب عن الفكر والمنطق لأنها مجموعة حقائق جوهرية في أصول العقيدة والتشريع والادب والاخلاق، كما أنها محفوظة بين دفتي كتاب كريم. لقوله تعالى: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون “الحجر/ 9، كما أنها واقعية موضوعية، كونها تعايش الإنسان في جميع جوانب حياته. لقوله تعالى: “ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما ” الاحزاب/40.
لقد راعت تعاليم الإسلام، سبل الارتقاء العقلي والمنطقي، لإبعاد مفهوم الانسانية، فايقظت العقل من ثباته، ودفعت بصاحبه
كمخلوق، نحو التطور والتدبر والنمو الحضاري، ثم وجهته نحو الآيات، في الآفاق وفي انفسهم، مما فرض عليه محاكاة الأدلة والبراهين. فبرز الإسلام، وفي كل مجالات الحياة الإنسانية، بروعة التوجيه والإصلاح السليم، بحيث لم يترك مشكلة، كبيرة أو صغيرة، إلا أزالها، ولا عقدة إلا حلّها، ولا خطأ إلا وأصلحه. فالإسلام أصّل الأصول والأسس، وأقرّ القواعد والقوانين، ووحد الإنسان رشدا في بلوغه، فنزع في كليته نحو حرية الفكر واستقلال العقل. إذ بذلك فقد اُصلحت السجايا واستقام الطبع واستنهضت العزاءم، سعيا خلف خطى الاستمرارية الابدية.

خامسًا: ميزة الشمولية
لقد اتسم الإسلام، بالاحاطة والاستيعاب والشمول، كونه تشريع كامل متكامل لكافة شؤون الحياة الإنسانية، سلوكا وعملا وتصرفات. كونه تعالى خالق السموات والارض ،ضمن وحدة متناسقة، تؤدي وظائفها طبقا للقانون الالهي وتصميمه الدقيق المتوازن. مع إلا النظر إلى أن الانسان ما هو إلا عالم خاص متكامل داخل هذه الوحدة الكونية. إلى جانب إنه يملك من قدرة الانتظام في محورها أو الخروج عليها. لذلك فهو مخلوق يحتاج إلى التوجيه والرعاية من أجل الحفاظ على توازنه النفسي والعقلي والجسدي، حتى يستطيع الحفاظ على مواصفاته الإنسانية. لقوله تعالى: “انظر سورة العصر”. وهذا أمر واقعي موضوعي، وثابت حقيقي، مما يجعله متطابق مع طبيعة وفطرة هذا المخلوق.
لقد اهتم الإسلام بكلية تكوين الإنسان الفرد، عقلا وقلبا وجسدا، وهذا الاهتمام، إنما يفرض العمل على نمو تلك الكلية واشباعها، مع شرط تحقق التوازن فيما بينها. وكل ذلك يتحقق بالتربية والتعليم والميراس، كوسيلة للايمان الحق، وأدواتها الإعداد والتكرار والإتقان، الذي يلزم وجوب استمرار التعلم وتلازمه مع استمرار الوجود الإنساني. لقوله تعالى: “إنما يخشى الله من عباده العلماءُ”، فاطر/28.
فالتربية والتعليم ،إنما يزودان، كلية الانسان، بجميع جوانبها الروحية والمادية، بالمقومات والمهارات والمعارف التي تنظم وجوده وتمكنه من فهم ما يحيط به من عوالم، إضافة إلى كيفية التعامل معها. فالتوازن ضرورة حتمية تلازم الإنسان، كجسد وعقل ووجدان. لقوله تعالى: “وابتغ فيما اتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا..”. القصص/ 77.
لقد كرم الله تعالى الإنسان، وخلقه في أحسن تقويم، ومنحه العقل للتعلم والحكمة ثم استخلفه الأرض.. فكان لزوم الإنسان استحقاق ما يليق بمكانته الرفيعة العالية، إضافة إلى ما يمكنه من أداء الدور الفاعل والفعال الذي كلفه الله تعالى به. مما أدى إلى تميزه بحقوق وخصائص، تميزت بقدسيتها الالهية، مما يُكلِف الانسان واجب تحمل المسؤولية كاملة، في نفسه وفي الآفاق. هذه النظرة الإسلامية، إنما تعكس، شمولية الحقوق وانسانيتها عالميتها، وتعكس ايضا، تلازم الحقوق الفردية والجماعية لتحقيق المصلحة العامة. واهم مظاهر الشمول:
1/ شمول العقيدة، ذات المصدر الواحد الأحد. التي خاطبت الانسان، روحا وجسدا، عقلا وضميرا، كما فسرت جميع القضايا الكبرى في هذا الوجود.
2/ شمول العبادة ، والتي تمثل غاية الوجود الإنساني، باعتبارها المنطلق الإنساني الاول، يعني ضرورة تحقق رضى الله تعالى، اقوالا وعملا وتصرفات، وايضا خلافة الأرض تقتضي تحقق المنهج الإلهي المتناسق والمنسجم مع السنن الكونية.
3/ شمولية التشريع، يعني كماله واكتماله، أي متعلق في كل ما يحدث ويصدر عن الإنسان من علاقات، بينه وبين ذاته، وبينه وبين غيره ، مما يحيط به،
لا بد للشريعة حكم فيها. بالأحكام شاملة كاملة، لا نقص فيها ولا قصور، ولا يؤثر الإنسان فيها ولا يقتضي تغيير قواعدها ولا نظرياتها الأساسية، ايٌ عارض أو طارئ.
4/ شمول الأخلاق. لم يترك الإسلام جانبا من جوانب الحياة الإنسانية إلا ورسم لها المنهج الاقوم والامثل لقواعد السلوك والتصرف. يعني ضرورة تحقيق التوازن: بين روح الإنسان وجسده، بين فردبته وجماعيته، بين دنياه واخرته، لأن الحياة بنظر الإسلام، وحدة متكاملة، توظف الإنسان كي يؤدي وظيفته الحقة :تجاه ربه، تجاه نفسه، تجاه الآخرين، تجاه ما يحيط به من بيئة، يؤديها بكل دقة وإتقان، بكل أمن وامان، بكل مساواة وتنسيق. مما يدفع الانسان إلى التزام شمول الممارسة الحياتية، بكل طاقاته واحاسيسه ووجدانه، والتي توافق فطرته السليمة من دون انحراف، أي وجوب عدم الانجرار خلف الأهواء والنزوات والرغبات التي تمنع الحقوق وتعطل الحريات. فالمبادىء الأخلاقية تعتبر أدوات الانسان وسلاحه وذخيرته في إقرار الحقوق والواجبات والحريات،
ومن ثم تؤهله الى شرف استحقاقها وممارستها. وعكس ذلك، أي انعدام وجود القيم الأخلاقية أو ضعف فعلها، أو خلل اثرها في الانفس، إنما يعتبر من أكبر واعظم معوقات نقل تحقيق الحقوق من الفعل بالقوة إلى الفعل بالفعل، ونقلها من النصوص إلى واقع النفوس الملموس.
وهكذا وجب على الإنسان بضرورة التحلي بالخلق الحسن والالتزام بمكارم الأخلاق وتطبيقه عملا وممارسة، مع الذات ومع الآخرين، والأخذ بذلك برهان ودليل للتمسك بتعاليم الإسلام عن قناعة ورضى، لأن في ذلك أشد تأثيرا وأعمق عملًا.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى