خطة احتلال غزّة.. تدمير شامل وتهجير قسري وإبادة جماعية للفلسطينيّين!
“المدارنت”
أقرت القيادتان السياسية والعسكرية في “إسرائيل”، مطلع الأسبوع الحالي، الخطوط العريضة لتوسيع الحملة العسكرية «الجديدة»، على غزة المسمّاة «مركبات جدعون». وتعمّدت هاتان القيادتان نشر وتسريب تفاصيل الحملة والاستعدادات لتنفيذها في محاولة للضغط على حركة حماس للقبول بالشروط الإسرائيلية بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار. وأفادت مصادر إسرائيلية عديدة أن تنفيذ الخطة، التي توصف بأنها حملة احتلال غزة، مؤجّل إلى ما بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهاية الأسبوع المقبل. هذه في حقيقتها خطّة لاحتلال دائم لغزّة وتدمير ما تبقى فيها من مبان ومرافق، وتهجير أهلها ومواصلة الإبادة الجماعية.
لقد أثار قرار تصعيد الحرب الرعب في صفوف عائلات المحتجزين الإسرائيليين، خاصة بعد أن أعلن نتنياهو بأن «الهدف الرئيسي للحرب هو إحراز النصر على أعدائنا وسوف نحققه». وهذا يعني وأد إمكانية التوصل إلى صفقة. وما زاد من رعب هذه العائلات تصريح ترامب بأن هناك 21 محتجزا على قيد الحياة وليس 24، كما تقول إسرائيل رسميا. ويبدو أن إصرار الجهات الإسرائيلية الرسمية على أن عدد المحتجزين في «قائمة الأحياء» هو 24، يأتي لامتصاص غضب الشارع الإسرائيلي من جهة، واتهام حماس بالمسؤولية عن مقتل عدد غير معروف من المحتجزين، حيث يتردد في إسرائيل أنّه من المحتمل أن يكون عدد الأحياء أقل بكثير، إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد الذين ظهروا كأحياء في الفيديوهات، التي نشرتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي.
وإذ يواصل جيش الاحتلال حربه الإجرامية في غزّة مدفوعا بالاندفاع الحكومي للمزيد من التصعيد، وإذ يحذر الكثير من المحللين العسكريين الإسرائيليين من خطر الحرب على المحتجزين وعلى الجنود الغزاة، فإنّ الشارع الإسرائيلي الذي يؤيد التوصل إلى صفقة شاملة تعيد المحتجزين وتوقف الحرب، ما يزال هادئا نسبيا، ولم يتصاعد الاحتجاج فيه بما يتناسب مع حدّة الغضب على سياسة نتنياهو.
ويبدو أن الإسرائيليين يترددون كثيرا في السير نحو التمرد والعصيان المدني، وحتى التظاهر بشكل جدي، طالما هناك قتال وحرب. إن قرار مواصلة مجزرة غزة أم الهدنة، الحرب الشاملة أم الصفقة الكاملة، مرهونٌ بشخص واحد هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويمكن الاستدلال من تصريحاته وقراراته وسلوكه أنّه يضع على رأس سلم أولوياته المحافظة على حكومته الحالية بصيانة الائتلاف، الذي سينهار إن توقّفت الحرب. واستمرارا للمنطق السياسي ذاته يسعى لتصليب دعم قاعدته الانتخابية عبر تأزيم الصراع بين توجهين: الأول يقوده هو وينادي بالحرب حتى النهاية وتحقيق «الانتصار المطلق».
والثاني يتكون من معارضيه، ويدعو إلى إعادة المحتجزين حتى بثمن وقف الحرب. وقد بدأت تظهر ملامح استراتيجية نتنياهو للفوز في الانتخابات المقبلة عبر العمل على محو ما علق به من فشل السابع من أكتوبر، والادعاء بأنّه لم يصغ لأصوات المعارضة المتنازلة، وأصر على مواصلة الحرب وتحقيق الإنجازات. هو يريد باختصار أن يسجل لنفسه أي إنجاز إسرائيلي ويبعد عنها رائحة الفشل. هو يريد أن يظهر بمظهر «بطل إسرائيل» مقابل منافسيه «الضعفاء»، ليجرف الجمهور الإسرائيلي خلفه، وليتجاوز الاستطلاعات الحالية، التي ترسله إلى كابوس كرسي المعارضة.
مركبات جدعون
يطلق الإسرائيليون أسماء غريبة على حروبهم وعملياتهم العسكرية، وآخر هذه الأسماء كان الخطة العسكرية الجديدة لاحتلال قطاع غزة، التي أقرّها المجلس الوزاري المصغّر هذا الأسبوع وهو «مركبات جدعون». هذا الاسم هو تركيب هجين مستوحى من العهد القديم، مع أن هذه الصيغة ليست موجودة فيه. وكلمة «مركبات» في الكتاب المقدس هي في العادة رمز للقوة والسلطة والهيبة وللحرب وللانتصار، لكنّها في بعض الحالات علامة هزيمة، أمّا «جدعون» فهو من انتصر على المديانيين بمشيئة الرب وليس بقوّة المحاربين (سفر القضاة، الإصحاحات 6-8). سبق ذلك إطلاق اسم «عملية جدعون» على معارك احتلال مرج بن عامر عام 1948، التي قادها الجنرال أبراهام يافيه. واللجوء إلى الأسطورة الدينية هو من مميّزات الصهيونية العلمانية والدينية، والهدف منه بناء الهوية وصناعة الارتباط بالمكان، واللعب على وتر المشاعر الدينية والقومية لتحفيز الجنود، أو على الأقل جزء منهم، إلى جانب إضفاء بعد «تاريخي مصيري» على العملية العسكرية.
التقديرات بالنسبة لخطة «مركبات جدعون»، وفق ما نشره المراسل العسكري للقناة 12 الإسرائيلية هي، أن يكون «الحسم خلال أسابيع قليلة، في عملية تتم على مرحلتين: الأولى، زيادة الضغط العسكري على غزّة بهدف فتح نافذة إضافية لفرص التوصّل إلى صفقة، والثانية، في حال فشل المرحلة الأولى، تجنيد مئات الآلاف من جنود الاحتياط، لأجل اجتياح واسع وشامل وإلحاق الهزيمة بحماس». ويبدو حاليا أن الشروط الإسرائيلية للصفقة مستحيلة وتشمل فرض الاستسلام على حركة حماس، بنزع السلاح وجلاء القيادة وتسليم المحتجزين كافة، مع الإبقاء على احتلال أجزاء من قطاع غزّة والسيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على القطاع. وحماس ترفض الخضوع للشروط الإسرائيلية، والتصعيد المتدرج لن يؤدّي إلى صفقة، بل إلى حرب شاملة تفضي في النهاية إلى احتلال وحكم عسكري.
لقد تحمّست أبواق اليمين الإسرائيلي للخطة الجديدة، لأنّها تشمل احتلالا لمناطق أوسع فأوسع من قطاع غزة، لا يليه انسحاب كما كان في السابق. ووفق المنطق الإسرائيلي، يتطلب إبقاء الاحتلال في غزة إجلاء غالبية سكّانها عنها. وما يردده نتنياهو عن «تنفيذ خطة ترامب» هو مسعى فعلي للتهجير، وليس مجرد كلام للاستهلاك الداخلي. وإذا كان الرفض المصري يمنع تنفيذ التهجير الجماعي، فإن إسرائيل – نتنياهو لم تتنازل عنه وهي تخطط وتبرمج لتنفيذه بخطط بديلة. ولمواجهة هذا المشروع الإسرائيلي الخطير جدا، يجب أن يكون هناك تحرك عربي جدي لدعم صمود أهل غزة، وهذا ممكن حين تتوفر الإرادة وتتضافر الجهود.
زيارة ترامب
تتضارب التكهنات بشأن تأثير زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية والإمارات وقطر على الأوضاع في قطاع غزة. فهناك دلائل على أن الإدارة الأمريكية تبذل جهود اللحظة الأخيرة للتوصل إلى صفقة ما عشية الزيارة، ليظهر ترامب بمثابة «رجل السلام»، خاصة في ضوء الاتفاق مع أنصار الله الحوثيين، واستمرار المفاوضات الأمريكية – الإيرانية للتوصل إلى حل سلمي للملف النووي الإيراني. لكن من المستبعد أن تبادر الولايات المتحدة إلى طرح مبادرة لوقف دائم للحرب، لأن ذلك يتطلب ضغطا من الوزن الثقيل على حكومة نتنياهو، ما لا تنوي إدارة ترامب القيام به. وقد أشارت بعض التقارير الصحافية إلى أن الإدارة الأمريكية طرحت مشروعا جديدا يشمل صفقة تبادل محدودة، ومعلومات كاملة عن المحتجزين الإسرائيليين، الأحياء منهم والأموات، ودخول مساعدات إنسانية إلى غزة برعاية أمريكية ورقابة إسرائيلية، ومفاوضات حول إنهاء الحرب. حماس ترفض صفقة مؤقتة وتصر على إنهاء الحرب، والغريب أن بعض القيادات السياسية، وكثيرا من وسائل الإعلام في الولايات المتحدة وإسرائيل، وحتى في العالم العربي، تعتبر التصميم على وقف الحرب «موقفا متطرفا ومتصلّبا» من حماس. المشكلة في زيارة ترامب أنّها تأتي في ظل حرب الإبادة الجماعية في غزّة، التي يجري تنفيذها بأسلحة أمريكية وبدعم سياسي وغطاء عسكري ومساندة اقتصادية من الإدارة الأمريكية. ولو راجعنا العلاقات العربية – الأمريكية في ظل الحرب، سنجد أنّها لم تتأثّر قيد أنملة، بما يجري في غزّة من مجازر وتدمير وتهجير. الولايات المتحدة ترسم سياساتها في المنطقة وهي مطمئنة إلى أن أي من الدول العربية لن تغير من علاقتها بها، جرّاء ما تفعله مع غزة ومع أهل غزة.
قد يجيب بعض المدافعين عن النظام العربي بأن لا خيار أمام متخذي القرار العرب، سوى الدوران في الفلك الأمريكي، وأن الخروج منه أو الخروج عليه سيؤدّي إلى دمار وانهيارات. في الحقيقة الانضواء تحت السقف الأمريكي وعدم ربط العلاقة مع الولايات المتحدة بموقفها من حرب الإبادة الجماعية والتدمير الشامل، هو قرار وخيار وتفضيل ضمن بدائل. في عالم اليوم، يمكن للعرب أن يضغطوا على الولايات المتحدة، ويمكن أن يفعلوا ذلك مجتمعين ليصعب الانتقام منهم، ويمكن أيضا أن يقوموا بذلك عبر البحث عن تحالفات بديلـة.