مقالات

دعوات لحوار على المقاس في لبنان!

“المدارنت”..
ما إن أعلن وقف إطلاق النار وسكتت أصوات المدافع، وهدير الطائرات، حتى انبرى بعض مسؤولي حزب الله، مصرحين داعين إلى حوارٍ وطني، وكالعادة تبعتهم جوقة من الإعلاميين المؤيدين لنهجهم، وذلك لإعطاء الموضوع أهميته المرجوة، وحتى لا تذهب تصريحاتهم سدى، فليس في كل يوم يتنازل الحزب من عليائه، ويدعو إلى حوار وطني…! وهذه الدعوة التي أدار لها اللبنانيون بظهورهم، أقل ما يقال عنها إنها أتت متأخرةً جدًّا، ويصدق عليها المثل: «بعد خراب البصرة »…
نعم تأخرت ولسوء الحظ قرابة العشرين عامًا، أي كان يجب أن تتم عقب اغتيال رفيق الحريري، وخروج القوات السورية وأجهزة مخابراتها من لبنان، إلا أنهم انشغلوا حينذاك، بالسيطرة على مؤسسات الدولة، والحلول محل النظام السوري، بقوة السلاح، وفائض القوة…

لقد انتظركم الشعب اللبناني طويلا، وانتظر هذه الدعوة إلى الحوار التي تأخرت سنوات وسنوات.. حدث فيها ما حدث، وتم فيها اغتيال العشرات من رجالات الوطن ومثقفيه وشبابه، كان آخرهم لقمان سليم… وقمتم بالاشتراك مع القوى المنضوية تحت جناحكم، بإقفال كل أبواب الحوار وشبابيكه، وصادرتم كل الأصوات الداعية للحوار، واجتاحت قواتكم في السابع من أيار عام 2008 العاصمة بيروت، وبعض مناطق الجبل، وأمعنتم قتلابشبابها، وتخريبا في ممتلكات أهلها، إلى أن أصبحت كل دعوة للحوار من قبل الأطراف الأخرى من أجل الوطن ومستقبله في حد ذاتها «إثمٌ عظيمٌ» ومن الكبائر، بل مُساوية للخيانة، حاصرين الحوار في المُتع الفكرية على شاشات الفضائيات، مع التحكم في كل ما يقال ويكتب في الصحف، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، أو يبث على شاشات الفضائيات، وويل لمن شذَّ عن طريقكم ومخططكم قيد أنملة، فالاتهامات المُعلبة والجاهزة سلفًا سوف تطاله حتمًا، ويحقق معه القضاء المُسَيَّس، هذا إن لم يتم اغتياله…
ومما لا ينكره اللبنانيون أنكم كنتم بين الفينة والأخرى، تُجْرون مع بعض ساسة الوطن لقاءات جانبية ثنائية خلف الستار، تُطلقون عليها تسمية «حوار» لا يعلم الشعب شيئا عما دار خلالها في غالب الأحيان، وكانت تنتهي بابتساماتٍ وتصريحاتٍ فضفاضةٍ مُكررة، تخفي وراءها تقاسمًا للغنائم على أنواعها… حوارات مغلقة مع ساسةٍ يسرتم لهم المنافع والمغانم، وتركتموهم يعيثون في الوطن ومؤسساته فسادًا وسرقةً ونهبًا، مقابل احتفاظكم بسلاحكم، وتصرفكم في قرار الحرب والسلم، وإخضاع سياسة الوطن الداخلية والخارجية لرغباتكم، ولرغبات حُلفائكم في الخارج…
لقد انتظركم اللبنانيون للحوار في الساحات، خلال انتفاضة «17تشرين» فهل تتذكرون…؟ تلك الانتفاضة العظيمة التي عرتكم جميعا، يومها اتهمتم أولئك الشباب المطالبين بالإصلاح السياسي، وبوطن الحداثة، والمواطنة، والديمقراطية، والمؤسسات بشتى التهم، وألصقتم بهم شتى أنواع الجرائم، وهجم عليهم شبابكم الأشاوس بالعصي وقضبان الحديد، وأوسعوهم ضربا، وأحرقوا خيامهم، وهم يهتفون «شيعة… شيعة»! فأجهضتم انتفاضة شعب ضد الفساد في مَهْدها، واعتبرتم أنها مؤامرة عليكم، مع أنها كانت ضد الفساد، إلا فيما لو كنتم جزءًا من هذا الفساد! ولم تكتفوا بالتآمر عليها، بل أفسحتم المجال في زحمة الأحداث للساسة الوطنيين جدًّا، لكي يسرقوا مُدَّخرات المواطنين علانيةً، وبطرقٍ ملتويةٍ لم يعرفها إبليس من قبل، وإياكم أن ترددوا علينا مقولتكم المُقززة «لو كنت أعلم». فأنتم كنتم تعلمون ما حدث بحذافيره، وبالتفاصيل المُمِلة، وتعرفون من سرق، ومن نهب، ومن حوَّل إلى الخارج، ومن خبأ تحت البلاطة، ومن تاجر بالعُمُلات، ومن بَيَّض الأموال، ومن جفَّف الأسواق من دولار الشيطان الأكبر، وتعلمون حجم المشاريع الوهمية، التي صُرِفَ عليها المليارات، التي ذهبت إلى الجيوب مباشرة الخ.. الخ… فكلهم حُلفاؤُكم، وبعضهم من بيئتكم وأصدقائكم.
انتظركم اللبنانيون للحوار بعد تفجير مرفأ بيروت، يوم سقط مئات الضحايا وآلاف الجرحى، ودُمِّرت بيوتٌ ومؤسساتٌ، من دون أن يهتزَّ لكم جفن، بل بعتم واشتريتم مع الخارج، وكأن أبناء الوطن وضحاياه لا يستحقون منكم التفاتة، ولا حتى مجرد اعتذارٍ، فالكل كان يعرف أنكم كنتم في مكان ما، وراء تلك الجريمة الشنعاء، لأن نترات الأمونيوم كانت من أجل براميل حليفكم، لكي يقتل بها شعبه في سوريا الشقيقة… والذي كنتم تظنون فيه الوفاء، فإذا به يتخلى عنكم يوم المعركة، ويقف مُتفرجًا عليكم، مُنْهيًا بالضربة القاضية، كل ما كنتم تتشدقون به حول جبهة المقاومة والممانعة، ووحدة الساحات…!
وعندما تم تهجير الأهالي من بيئتكم الحاضنة، من مناطقها إثر العدوان الصهيوني الأخير، فإن من وقف معهم واحتضنهم هم الوطنيون الحقيقيون، الأوفياء لإنسانيتهم، أبناء طرابلس وعكار وعرسال والضنية… وهي والمناطق التي تآمرتم عليها مع بعض حُلفائكم، وحَرَمْتُموها من مشاريع الدولة ومن التنمية، تحت مُسمياتٍ مختلفةٍ في مقدمتها «الدَّعْشَنَة» وكلتم لأهلها تُهَم التطرف على أنواعها، بل ذهبتم أبعد من ذلك، وقمتم بالضغط على الأجهزة الأمنية، لكي يعتقلوا أبناءهم بتهمٍ مُلفقةٍ، وها هم ذا، قابعون في سجون الدولة العتيدة، يُقاسون أنواع الذلِّ والمَهانة، وأحيانًا الضرب والتعذيب، وعشرات الفيديوهات توثق ذلك، وتفضح تصرفات أفراد الأجهزة الأمنية في التعاطي معهم.
لقد كنتم توجهون أبواقكم من الإعلاميين، فيتهموا كل لا يُسبِّح بحمدكم، أو يقف إلى جانب حليفكم المُجْرم السفاح الجزار في سوريا، بشتى التهم، التي كان أهونها «العمالة»…! فإذا بنا نكتشف أن العمالة كانت تُعشِّش في عقر داركم، وفي بلاطكم، وبين جماعتكم وبيئتكم… وهنا كان مقتلكم، حيث تلهيتم بقمع الآخرين ومراقبتهم، وكَتْم أفواههم، ونسيتم أهل الدار، الذين كانوا لأسبابٍ لا، ولن، نعرفها يُحيكون خياناتهم بهدوءٍ، فكانت النتائج الكارثية التي تُدْمي القلوب، لأن ضحايا البيجر، وأجهزة الاتصال، هم أبناء الوطن، نأسف عليهم وعلى شبابهم، ولا نتشفى بهم مطلقا، لأننا لسنا عملاء، ولا ساديين، ولا طائفيين…
اليوم انتهى المَهْرجان، والوطن أنتم شركاء فيه، شئنا أم أبينا، ولكن لا أظن أنكم قد استوعبتم الدرس، ولا أظن أنكم مُسْتعدون للنزول من عليائكم، الذي اتضح أنه مبنيٌّ على الهُلام، ولأن مشروعكم ليس عُروبيا، ولا يمت للوطن بصلةٍ، من حيث الأهداف والتمويل والمُمارسات، وأن الوطن في هذا المشروع مجرد أداةٍ، كما ورد على لسان الأمين العام السابق في أكثر من مناسبة… ومن هنا فإن دعواتكم للحوار مجرد ضحك على الذقون، ولتمرير الوقت، إلى أن تستعيدوا توازنكم، وتُطبقون مُجدَّدًا على الدولة ومؤسساتها. إن دعوتكم للحوار غير مُوجَّهةٍ في أساسها للشعب، الذي عانى من تصرفاتكم الطائفية المذهبية، التي عمقت الشرخ بين اللبنانيين، هذا الشعب الذي قمعتموه، وما زال يُعاني من مغامراتكم التي خرَّبت علاقة لبنان بمحيطه العربي، وكذلك من اغتيالاتكم التي اكتوى بنارها كل مكونات الوطن… إنها دعوات موجهة للساسة، الذين تعرفونهم ويعرفونكم جيدا، وهم على شاكلتكم، يبيعون ويشترون في كل شيء، ولكل شيء عندهم سعره وثمنه.
إنها في حقيقتها دعوات لإعادة تقسيم الحصص، وكأنه بقي في هذا الوطن شيءٌ لم يُنهب، أو من المُمْكن قسمته. لكن الشعب الذي كان يريد الحوار حقا، قد أصبح اليوم في مكانٍ آخر، وهو يُعدُّ العُدَّة، وينتظر اللحظة المُناسبة، ليكتب نهاية هذه الحقبة، ويقفل أبوابها بالشمع الأحمر، وتأكدوا أنه سيكون إلى جانبه في هذه المرة مجموعةٌ كبيرةٌ من شباب بيئتكم، ولن يخيفه ساعتها، أتباعكم أصحاب القمصان السوداء، وسوف تختفي صيحات «شيعة.. شيعة» ويحل محلها هتافٌ واحد: «وطن.. وطن.. وطن» وسيكون هو الطاغي على المشهد، وكل حوارٍ وأنتم بخير…!

المصدر: خالد بريش/ “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى