ذكرى ثورة 23 تموز/ “يوليو” العظيمة..
“المدارنت”..
يعزّ عليّ أن تحلّ علينا ذكرى “ثورة 23 يوليو”/ تموز، من دون أن ينحني قلمي احتراما لذكرى البطل الخالد أبو خالد..
سأغيّر عادتي وسأنسى عروبتي.. لن أذكر اليوم عبد الناصر بخير.. فما يزال البعض يشحذ سكاكينه، ويهيء أحجاره، ويصنع قنابله، لأنهم واثقون أنه ما يزال حيّا، ويعرفون أنه مُحال أن يموت.
لن أذكر مإنجازاته.. فذاكرة الشعب والامة أقوى من ذاكرتي وعصية على النسيان.
فما ذكرته مرة إلا وانهالت عليّ القذائف..
اعذر آبار البترول إن رمتني ببراميلها، فللبترول لغته.. وله شاربيه.. وله سكارى فاقدي الوعي يتحلقون حول منصّات استخراجه.
واعذر اصحاب الألقاب الملكية، ورواد نادي السيارات والنوادي الليلية. فللألقاب بهرجها وعنجهيتها وأملاكها، وللنوادي إغراءاتها.. ولطاولات القمار لاعبيها.
ولكني لا أعذر قذائف تأتيني من أبناء بنى أباؤهم السد العالي.. ورووا غيطانهم من بحيرة ناصر..
وخناجر تنهال عليّ من مصانع حلوان.. ومجمعات الحديد والصلب.. ومن قرى ونجوع امتلأت بالنور بعد أن كانت غارقة في الظلام.
لا اعذر سهامًا تنهال عليّ من مدن جديدة، نبتت ببن الرمال وعلى ضفاف القنال..
ونبالًا يرميها سيّد كريم تعلم مجانًا، وكان أبوه في العهد البائد، عبدًا يمشي حافيًا وراء سيّده، أو عاملًا من عمال التراحيل او “حرفوشًا” من “الحرافيش”..
سأتكلم اليوم عن بطل آخر من ابطال مصر.. وسأتناسى عبد الناصر.. وتاريخ مصر زاخر بالبطولات.
سأتكلم عن رمسيس الثاني..
هذا الحاكم الذي عرف بحسه المصري أن الدفاع عن مصر يكون من فلسطين.. وأن الأمن القومي المصري يتهدد اذا نصب عدو خيامه، وبنى استحكاماته في الشرق من سيناء، هذا الملك ما سمح لعدوّ أن يحتل أرضا مشرقية، وعرف أن الدفاع عن مصر يكون من شمال سوريا..
هذا الرمسيس الثاني، عرف ان ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.. وأن “الهيكسوس” أعداء للحضارة والانسانية وأن وجودهم في مصر أو على حدود مصر خطر عظيم على مصر.
هذا الرمسيس الثاني.. لو قام من تابوته ومرّ على بعض الاقلام المصرية، لضربها بكفه البازلتي على وجوهها، لأنها تحاول أن تسيء لأشرف من قاد مصر في العصر الحديث.
وكأني أرى رعمسيس الثاني، ومعه عظماء مصر في التاريخ، وفيما قبل التاريخ ومن قبل مينا، يقومون قيامة واحدة ليحلقوا في اجواء مصر، ويبصروا من سمائها عرضا بالصوت والضوء كيف كان النيل أهوجًا، فآنسه الراحل وهذبه.
وكيف كانت الارض صحراء، فاستصلحها، وكيف كانت البيوت ظلاما، فأنارها.. وكيف كانت الامية متوحشة، فروّضها، وكيف كان الارض حكرًا، فوزعها، وكيف كانت العدالة جالسة على رأسها، فأوقفها على ساقيها..
وكأن “الهيكسوس”، وداعميهم قد عادوا فوجدوا من يستقبلهم..
وكأن “الهيكسوس”.. ومن طبع مع “الهيكسوس”.. ولا يريدون أن يحيا ناصر آخر في الأرض المصرية.
وما زلت أخشى أقلاما لها السنة، وفي الألسنة نيران وسموم..
أقلام تتّهمني لأني تكلمت بخير عن قائد مصري، لا يهادن عدوًا، ولا يبيع أرضًا، ولا يساوم على مبدأ.. اسمه رعمسيس الثاني…