مقالات

ذكريات إنسانية مع صديق غادرنا!

الكاتب العربي الراحل مُحمّد خليفة

“المدارنت”
إنه الحبيب ابو خالد محمد خليفة.. الصديق قبل أيّ أمر آخر، وهو الإعلامي الكبير والأديب والمؤلف، صاحب الخلق النادر

ودعوني اكتب لكم انه حين هاجر الى السويد، بعد ان تقطعت به السبل، وكان منذ الثمانينات من القرن الماضي لاجئاً إلى لبنان من جور وبطش آل الاسد، ثم تاركاً لبنان إلى اليونان بعد الاجتياح الصهيوني له عام 1982 كانت وزارة الشؤون الاجتماعية في السويد التي توجه اليها من اليونان، تقدم له مساعدة شهرية، فلما توفرت له موارد مالية من عمله الإعلامي، توجه الى دائرة الشؤون الاجتماعية ليعيد آخر ما تسلمه من مال عبر البريد، ثم ليطلب شطب اسمه من سجل المساعدات، موضحاً انه الآن يعمل في الصحافة، وان ما يتوفر له من مال يكفيه، ولم يعد يحق له في المساعدة! ولا داع لنشر دهشة الموظفة السويدية من موقف محمد خليفة، وهي تقول له: انت اول انسان غير سويدي أقابله يرد المساعدة المقررة للمهاجرين إلى بلدنا.. انه محمد خليفة
كان في الشراع مسؤولاً لقسم الثقافة، وكان يكتب في السياسة، ويكتب في مجلة مصر التي تميزت بها الشراع… حتى قلت له اكثر من مرة: محمد انت رئيس تحرير نصف الشراع، وكان الخجل يصبغ وجهه، وبسمته تمرر عبارة العفو من شفتيه.
كنت اقصده عندما غادر لبنان عام 1982 إلى اثينا حيث مكث عدة سنوات، وكنت ضيفاً دائماً عنده، وكان مضيافاً وطباخاً ماهراً وأطيب لقمة فول كنت أتناولها من إعداده، وأول من أرشدني إلى الزيتون اليوناني المحشو باللوز، واحياناً بالحر..
وهو الذي أرشدني إلى منطقة ”غليفادا“ في اثينا حيث مطاعم السمك على شاطىء البحر، واكتشفت سقوط اكذوبة ان اكل السمك لا يجوز مع اللبن، وهم يقدمون في هذه المطاعم السلطان ابراهيم مع اللبنة والسردين.
وهو استضافني في منطقة “بولا”، حيث يقدمون صغار الخرفان المشوية، وينهون الوجبة بضيافة اللبن مع العسل بكميات كبيرة..
وكان رفيقي في مقابلة صحفية مهمة مع رئيس وزراء اليونان الاهم اندرياس باباندريو.
وعندما استقريت في القاهرة، كانت أسعد أيامي في ارض الكنانة، حين أستضيف ابو خالد، وقد فرضت عليه نظام حياة كان يضحكه، ويزعجه احياناً..
كنت احاول منعه من تناول الخبز في وجبات الطعام، وكنت ألزمه ان نخرج بعد الغداء مباشرة للمشي في شوارع المهندسين، مانعاً إياه من الجلوس او النوم… محاولاً قدر الإمكان التخفيف من تناوله الحلوى.. بعد ان لاحظت زيادة كبيرة في وزنه لكنه بعد ثاني زيارة له إلى القاهرة، هاتفني من “ستوكهولم”، ليبشرني انه فقد ثماني كلغ من وزنه من اثر النظام الذي فرضته عليه.. والامر نفسه فرضته عليه عندما كان ضيفي في بيروت.
وقبل ان اتحدث عن رحلاته الى لبنان، اذكر انني كنت إلى جانبه في ثاني لقاء عقدته المعارضات السورية المدنية خارج بلدها في القاهرة، (كان الاول في مدينة أنطاليا السورية التي ضمتها تركيا بتواطوء فرنسي عام 1939، ضمن اللواء السليب الاسكندرون، الذي تنازل عنه آل الاسد مثلما سلم حافظ الأسد الجولان في مقابل تسليم العدو الصهيوني واميركا سورية ليحكمها الاسد منذ العام 1966، وليحكموا لبنان معها)، بعد عشر سنوات، طيلة ثلاثين سنة ( 1976- 2005)
في مؤتمر القاهرة جاء السفير الاميركي في سورية روبرت فورد ،الذي كان يكتب تقاريره إلى ادارته عن سلمية ومدنية ووطنية الثورة السورية ضد آل الاسد
كان المؤتمرالذي عقد عام 2011 في فندق سميراميس (إنتركونتيننتال)
وكان مقعدي مجاورا لمقعد محمد..
سأل احد الحضور السفير الاميركي: كيف تقرأون الموقف “الإسرائيلي” الداعم لبشار الاسد ضد الشعب السوري؟ فأجابه السفير بقوله:
“مقارنة بين المعارضة وبشار استطيع ان اقول لكم ان اسرائيل تقول: ان الشيطان الذي تعرفه افضل من الشيطان الذي لا تعرفه ”
قلت لمحمد: ابو خالد.. هذا السفير يدعوكم لإقامة علاقة مع “اسرائيل”، ليعرفكم كما يعرف بشار الذي يقيم علاقة معها!

شحتول
احدى جنان الله على الارض هي بلدة شحتول في فتوح كسروان، وهي بلدة الاديبة الكبيرة مي زيادة ولها تمثال نصفي عند احد مداخل البلدة الكسروانية..
كان محمد خليفة ضيفي الدائم كلما كان في لبنان، لزيارة شحتول حيث كنت استأجر منزلاً فيها لقضاء عطلة نهاية الأسبوع لمدة ست سنوات ونصف (2013-2019) ولم نتوقف عن الإيجار إلا بسبب جائحة كورونا..
كانت هوايتنا الاثيرة هي لعب ال14 وكان ابو خالد فيها متسامحاً إلى ابعد الحدود، وكنا نقول له يا محمد يا حبيبنا، هذه اللعبة فردية وليس فيها شراكة، لكنه كان يصر اثناء اللعب على التساهل مع اللاعب الذي يليه في ترتيب الجلوس، فيرمي له الكارت الذي يحتاجه، وعندما كنا نقول له ان هذا لا يصح! كان يرد بلهجته الحلبية الجميلة: إي شو عليه؟
في مكاتب الشراع حيث كان يسكن محمد الطابق الخامس منه كلما
جاء إلى لبنان، كان ابو خالد يسهر الليالي في حوارات عبر نظام سكايب مع قيادات المعارضة السورية المنتشرة في بلاد الله الواسعة، وكنت على معرفة مسبقة ولاحقة باقتراحات تقدم، وتحركات تقترح في عواصم العالم لحشد التأييد للشعب السوري في ثورته ضد الهمج الذين كانوا يحكمون سوريا..
واذكر ان محمد قال لي مرة: “بتعرف ابو احمد انو عبارتك اللي وصفت فيها سلوك بشار بأنه همجي صارت متداولة، ومعتمدة عند كتيرين من المعارضين”.
كانت مقالات محمد خليفة عن الثورة السورية مرجعاً سورياً وعربياً ودولياً، وهو الذي أمضى نصف قرن في معارضته للنظام الهمجي الذي حكم سورية (ولبنان 30 سنة)
لكن الأقدار شاءت ان لا يتحقق حلمي وإياه بأن يصطحبني معه إلى حلب وريفها بعد ان يسقط الهمج… اذ رحل محمد في مثل هذا اليوم من العام 2021, اثر إصابته بجائحة كورونا، وقبل ان يهرب الهمجي وتسقط عصاباته في 8-12-2024.
إبا خالد
مكانك محفوظ في القلب والعقل والشراع وفي كل مكان ترافقنا فيه… وكنا نتوقع ان تأخذني الى حلب، وقد خذلتني مرتين:
الاولى: حين رحلت..
والثانية: حين لم تف بوعدك بأن نحول في جمهورية حلب “الخليفاوية”.

المصدر: حسن صبرا/ موقع “الشراع” الالكتروني
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى