رجال دين عارضوا الخميني ورفضوا “جمهورية الوليّ الفقيه”.. (الخوئي/ (6)
خاص “المدارنت”..
كثيرة هي الشخصيات والمرجعيات الدينية الشيعية، في إيران وخارجها، التي عارضت الإمام الخميني، ورفضت تسويقة لـ”جمهورية الولي الفقيه”، وبخاصة في العراق، الذي يعتبر المقرّ الرئيسي لمرجعية الشيعة في العالم، من هذه الشخصيات والمرجعيات، المرجع الإيراني أبو القاسم بن علي أكبر بن هاشم تاج الدين الموسوي الخوئي، المعروف بأبو القاسم الخوئي (المولود لأسرة علمائية في مدينة خوي التابعة لمحافظة أذربيجان الغربية في إيران، يعود نسبها الى موسى الكاظم في العام 1899، توفي في العام 1992، وصلّى على جثمانه الإمام المرجع السيد علي السيستاني، قبل مواراته في في ثرى مرقد الإمام علي بن أبي طالب في مدينة النجف الأشرف، في العراق).
توجه السيد الخوئي برفقة شقيقه عبد الله الخوئي، الى مدينة النجف الاشرف في العراق، وكان له من العمر 13 عاماً، التحق بوالده هناك وشرع في تحصيل علوم اللغة والمنطق، وتخرّج من مرحلة السطوح العالية، وحينما بلغ الحادية والعشرين من العمر حضر الدراسات العليا في الحوزة العلمية عند آية الله شيخ الشريعة الأصفهاني. ولم يقتصر حضورة على هذا العالم الكبير بل حضر أبحاث علماء آخرين اشار إلى البعض منهم في كتابه معجم رجال الحديث.
وسرعان ما تعقب شيوخه في أروقة العلم، بالتصدي لتدريس “بحث الخارج”، فانهالت عليه هجرة طالبي العلم من كل مكان، وقلّدته المرجعية العليا جميع مسؤولياتها وشؤونها، حتى أصبح زعيمها من دون منازع، ومرجعًا أعلى للمسلمين الشيعة، يقلده ملايين الشيعة من أتباع مذهب الإمامية في مختلف بقاع العالم، وطبعت رسائله العملية لبيان الاحكام الشرعية لمقلديه بعدة لغات، وتلك بفضل نبوغه وتضلعه في مختلف العلوم الإسلامية، وبلوغه الغاية من التقوى، وألمعيته في إدارة الحوزات، واهتمامه البالغ برفع مستوى العلماء، علميا ومعيشيا، وفي رعايته للمسلمين الشيعة، كان أبو القاسم الخوئي، منذ أيامه الأولى يعدّ بحق، زعيم المرجعية الأبرز، حتى أصبح رمزًا بارزًا من رموز المرجعية وعلمًا من أعلام الفقه الشيعي.
بعد رحيل المرجع الديني آية الله العظمى السيد حسين الطباطبائي البروجردي، طرحت مرجعية السيد علي الخوئي بقوة، وأصبح الرقم الأوّل في الوسط الحَوزوي والعلمي، بعد أن سلّمه السيد يوسف الحكيم، الأموال الشرعية والحقوق المالية كمرجع للشيعة بعد رحيل والده مرجع الطائفة الإمام السيد محسن الطباطبائي الحكيم. وتخرّج على يديه العديد من العلماء والفقهاء الشيعة، منهم السيد محمد باقر الصدر، والميرزا جواد التبريزي والسيد على السيستاني.
على الرغم من لقاء السيد الخوئي بزوجة الشاه محمد رضا بهلوي، أيّد “الثورة الإيرانية” ضدّ الشاه، وأصدر بيانًا عقب إنتصار “الثورة”، دعا فيه العلماء والمراجع الدينية والشعب الإيراني الى السير في طريق “الثورة”، والى الحفاظ على الموازين الشرعية، وفي كانون الأول 1979، تمنّى الخوئي، على الشعب الإيراني، أن يشترك في الاستفتاء الدستوري، والتصويت لصالح “النظام الجمهوري الإسلامي” في إيران، كما دعا تلامذته إلى الإسهام في “الثورة”، وأجاز العمل بالوجوه الشرعية، من أجل توفير ما يحتاجه المقاتل الإيراني في حربه ضدّ النظام العراقي في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين (المولود 28 نيسان 1937.. أعدمته القوات الأميركية الغازية للعراق فيى العام 2003، صبيحة عيد الأضحى المبارك الواقع فيه 30 كانون الأول 2006).
أصدر الخوئي، بيانات وإعلانات ضد إجراءات حكم آل البهلوي في ايران، قبل توليه المرجعية العليا للشيعة، ثم اعتمد سياسة الصمت لعشر سنوات، قبل إعلان تأييده لـ”الثورة الإيرانية”، الامر الذي أدّى الى إخضاعه للإقامة الجبرية في منزله في العراق.
بعد طرح فكرة الولي الفقيه، وإصرار الخميني على إقامة “جمهوريته” في إيران، عقب انتصار “الثورة”، لم يقتصر انتقاد ما يُسمّى “نظرية ولاية الفقيه” على الفقهاء والمراجع الشيعة في إيران، بل شمل عددًا كبيرًا من كبار الفقهاء الشيعة في العالم، من هذه الشخصيات، المرجع الشيعي في العراق أبو القاسم الخوئي، الذي رفض الإقرار بـ”ولاية الفقيه”، حيث أوضح في كتابه: “التنقيح في شرح العروة الوثقى”، “الفرق بين الولاية الممنوحة للنبي والأئمة من جهة، والولاية التي يجوز للفقهاء أن يدَّعوها في زمن الغيبة”.
وقال الإمام الخوئي: “إن الولاية لم تثبت للفقيه في عصر الغيبة بدليل، وإنما هي مختصة بالنبي والأئمة، بل الثابت حسبما يستفاد من الروايات أمران: نفوذ قضائه وحجية فتواه، وليس له التصرف في مال القصّر أو غيره، مما هو من شؤون الولاية إلاّ في الأمر الحِسبِي…”.
أضاف الخوئي في كتابه: “إن الفقيه له الولاية في ذلك لا بالمعنى المدعى، بل بمعنى نفوذ تصرفاته بنفسه أو بوكيله وانعزال وكيله بموته، وذلك من باب الأخذ بالقدر المتيقن لعدم جواز التصرف في مال أحد إلاّ بإذنه، كما أن الأصل عدم نفوذ بيعه لمال القصّر أو الغيّب أو تزويجه في حق الصغير أو الصغيرة، إلاّ أنه لما كان من الاُمور الحِسبية ولم يكن بدّ من وقوعها في الخارج كشف ذلك كشفاً قطعياً عن رضى المالك الحقيقي وهو الله (جلّت عظمته)، وأنه جعل ذلك التصرف نافذاً حقيقة، والقدر المتيقن ممن رضى بتصرفاته المالك الحقيقي، هو الفقيه الجامع للشرائط فالثابت للفقيه جواز التصرف دون الولاية.
وتابع: “وبما بيّناه يظهر أن مورد الحاجة إلى إذن الفقيه في تلك الاُمور الحِسبية، ما إذا كان الأصل الجاري فيها أصالة الاشتغال، وذلك كما في التصرف في الأموال والأنفس والأعراض، إذ الأصل عدم نفوذ تصرف أحد في حق غيره”.
يتضح مما ورد في كتاب الخوئي: “التنقيح في شرح العروة الوثقى”، أنه يعارض قيام “ولاية الفقيه، لما لها من خطورة على حريات الناس من دون اللجوء الى الشورى، وتجاوزًا واضحًا لحصر الولاية العامة بالنبي والائمة، من بعده.
وعمل الخوئي على تثبيت مرجعية الشيعة في العراق، استنادًا الى فقه الولاية الحصرية والمنوطة بالنبي والأئمة من بعده، عازيًا الأسباب الى أن الولي الفقيه، لا يمكن ان يلعب دور النبي والائمة في الولاية العامة، بل حصرها في أمور دنيوية محددة، لا تتجاوز صلاحيات الولي في الأمور الدنيوية.