رحيل الفرسان الصامت..!

“المدارنت”..
كتب أحمد عقل، على صفحات موقع “طامحون”، في رحيل الأمين العام السابق لـ”الإتحاد الإشتراكي العربي” عمر حسين حرب:
.. ترجّل “بو حسين”، عمر حرب، ومضى كما عاش، بصمتٍ يليق بالكبار، كان ظِــلًّا للنضال، صدىً للمقاومة، ومثالَ المقاومين، ووهجًا لا ينطفئ في ليل الاحتلال..
لم يكن رجل شعارات، وصاحب خطابات شعبوية تافهة، ولا حكى عن أشراف ولا أطهار ولا سنة ولا شيعة، رجل أفعال، خطّ بدمه حكايةً لا تشيخ، محفورةً في وجدان الأرض وأزقة المصيطبة وبرج بو حيدر ومتفرعات البربير وبربور، بل كانَ بصيصاً تَوَهَّجَ في عتم نفق سليم سلام … فوق عربات الخضار و سوق الخُضرجيي..
وصلت الرسالة إلى الرفيق عمر، مكتوبة بالعربية بيد أحد العملاء المؤمنين الذي بدأ الرسالة بالبَسمَلَة، بلغة عربية ركيكة، وبخط يد يدلّ على ان كاتبها جاهل لا يعرف المدينة ولا يعرف الرجال، حين احتشدت الدبابات في شوارع بيروت، لم يكن بينه وبينها سوى يقينه وسلاحه، ناداه الاحتلال ليستسلم خلال نصف ساعة، فكان جوابه كمينًا جعل الحديد رمادًا، والرهبة شجاعة، لم ينتظر المجد، بل كان صانعًا له، يتنقل بين جبهات بيروت والجنوب والبقاع الغربي، حيث لا صوت يعلو على صوت الرصاص المقاوم، اتفق سِراً باشتراكه بـ”جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية”/ (جمول) مع الرفاق جورج حاوي، ومحسن ابراهيم، من دون ضجيج، ولا صراخ، ولا مِنَّة، ولا تشبيح، ولا إعلان عن ذلك..
آمن بوحدة السلاح، وقَرَّرَ أن الرصاص يكون في الشوارع، حماية للمدينة، ودفاعاً عن أهلها، لم يذهب كما الآخرين الذين وصلوا إلى جبهات البصرة والبوسنة والهرسك بنفس التاريخ وبنفس الزمن، فامتزج دمه مع رفاقه في كل ساحات وزواريب بيروت، وأزقة الحياة النابضة، لم يكن صوته عاليًا، لكن أثره كان مدويًا. وحين تبدلت الوجوه وانحرفت البوصلات، بقي هو ذاته، شامخًا كجبال وطنه، لا يساوم ولا يلين..
لم يهادن، ولم يساوم، ولم يغيّر نبضه القومي الوطني ومزاجه العروبي، كان صمته أقوى من الكلمات، وموقفه أنقى من كل الحسابات، وأنبل من الإرتهان ومبايعة تجار الدين والسياسة والمتسلّقين فوق ظهر القضية، رحل اليوم، من دون حشود ولا مُدن رياضية، ولا مرقد يتبارَك منه المنافقون..
الرفيق أبو حسين عمر حرب، حكاية لا تعرف النسيان، جذور تمتد في عمق الأرض في مدينة بيروت، الذي جعل من يوم الكمين في نفق سليم سلام، يوماً مجيداً حقيقياً لها، خالِ من التفاهة والحسابات، ومشاريع السياسات الخاطئة.
غاب اليوم، وظَلَّ كوعدٍ لا يسقط بالتقادم، والخذلان..