“المدارنت”..
انتهى رد “حزب الله” على اغتيال القائد العسكري الأول للحزب (فؤاد شكر) في قلب الضاحية ببيروت، ذلك الاغتيال الذي أقام الدنيا ولم يقعدها, واعتبر تجاوزا خطيرا لكل الخطوط الحمر في قواعد الاشتباك غير المعلنة بين الحزب والجيش “الإسرائيلي”، التي وضعت إطارا يشمل المكان المحدد بشريط حدودي لا يزيد عن 15 كلم داخل الشمال الفلسطيني، ونوعية الأسلحة المستخدمة، التي لا تشمل الصواريخ المحملة برؤوس تفجير كبيرة التدمير, ونوعية الأهداف التي تتراوح بين الفضاء غير المأهول وبعض المراكز العسكرية المحدودة.
ومع أن قواعد الاشتباك تلك تمّ وضعها والالتزام بها من جانب واحد، هو “حزب الله”, لكن الجانب الآخر لم يظهر الالتزام بها في كل الأوقات.
ألزم “حزب الله” نفسه بردّ قوي موجع على اغتيال قائده العسكري, وظل ذلك الرد محل تكهنات وانتظار خلال أسابيع، حتى فجر الأمس، مع خبر انطلاق مئات الصواريخ، ليس الصواريخ البالستية، ولكن صواريخ الكاتيوشا ذات المدى القصير والتدمير المحدود والدقة المنخفضة، والتي كانت المقاومة الفلسطينية تستخدمها في أواخر الستينات من القرن الماضي.
ومن أجل التغطية على عدم فعالية تلك الصواريخ، كردّ مناسب قيل إنها كانت لمجرد إشغال وسائل الدفاع، مِمّا يعرف بنظام القبة الحديدة وما يشبهه لدى “اسرائيل” في حين انطلقت المسيرات المحملة بالقذائف نحو أهداف في عمق الكيان الصهيوني.
وباعتبار أن أحدًا لم يعرف ماذا تمّ تدميره بواسطة صواريخ الكاتيوشا/ وماذا أصابت من أهداف وما هي الخسائر المادية والبشرية التي أوقعت بالعدو، فقد كان المعوّل على المسيرات التي سيكشف عما أصابت ودمرت (الأمين العام لحزب الله السيد) حسن نصر الله في خطابه المنتظر في السابعة مساء الأمس، لكن نصر الله، لم يحدد سوى هدف تلك المسيرات بقاعدتين عسكريتين، إحداهما ترتبط بالاستخبارات العسكرية قرب تل أبيب.
أما ماذا أنجزت تلك المسيرات، فأمر آخر، لا يعرفه نصر الله، لكنه وعدنا بمتابعة البحث والتدقيق في ما إذا كانت المسيرات قد نفذت الهدف المطلوب، أما إذا توصل البحث لغير ذلك، فلكل حادث حديث، ويبقى أمر الثأر لدم فؤاد شكر واردًا لدى الحزب.
كيف يمكن لأي امريء عاقل تقبل رواية كهذه؟ أهم ما فيها من ردّ قوي ومزلزل على اختراق حرمة الضاحية، وقتل القائد العسكري الأول لـ”حزب الله”، جاء بإرسال مسيرة أو مسيرتين باتجاه هدف يبعد أكثر من مئة كم عن الحدود اللبنانية ولا يعلم أحد ماذا حل بتلك المسيرات ولم يرصد أي صحافي أو شاهد في تل أبيب، أي انفجار، فلا صوت ولا حريق ولا إعلان عن أيّ خسائر، مهما كانت طفيفة، ثم يقول نصر الله مستهترا بعقول من يسمع، إنه سيتابع التحقيق في ما إذا أصابت المسيرات هدفها وتحققت الضربة!
واضح أن “اسرائيل”، مطمئنة لهذه النهاية السعيدة، لرد الفعل المزلزل لـ”حزب الله” على اغتيال قائده العسكري، وبلا شك، سوف يُسجل كبادرة حُسن نيّة نحو تطبيع العلاقة مع الحزب، أما العودة الى قواعد الاشتباك، فستتحملها “اسرائيل” في الوقت الحالي، لكن ليس لفترة طويلة.
اترك تعليقاً
