رسالة عاجلة الى أصحاب الشأن والقرار في سوريا!
خاص “المدارنت”..
قد يكون من المبكر جدًا جدًا، توجيه النقد للحكومة السورية الجديدة، إذ لم يمضِ على تكليفها إلا شهر. وقد سُمّيت هذه الحكومة بالمؤقتة وأعطيت مهلة حتى مطلع أذار/ مارس القادم.
وقد يكون من الأجدى التوجه بالحديث إلى الأخ أحمد الشرع، باعتباره رمز السلطة الجديدة والقابض على زمام القرار والأمر فيها.
وقد يكون مطلوبا التوجه إلى مجمل القوى السياسية وأصحاب الرأي في سوريا الذين غابوا عن الساحة مكتفين بمراقبة التطورات وانتظار ما يمكن أن يعطى لهم من أدوار دون أن يتقدموا ويقتحموا المشهد عارضين رؤاهم وأفكارهم وتطلعاتهم، على الشارع السوري أولا، وعلى القوى المتحكمة راهنا بالسلطة في دمشق.
والحق أن ما يدفع لجعل الرسالة عاجلة وموجهة لأصحاب الشأن على عموم الوصف أن كل من سبقت الإشارة إليه تقع عليه جانبا من الاستجابة لهذه الرسالة العاجلة التي صغتها من خلاصات ما تابعته وما تابعه أخوة لي، وما وصل إلينا وما عايناه بشأن الوضع الراهن في سوريا:
1/ المواطن السوري الذي عانى ما عاناه من النظام البائد أمنيا وحياتيا، استقبل النصر العظيم بالتكبير والسعادة والأمل بأن يحمل له المستقبل البشائر على المستويات كلها، وأولى هذه البشائر الأمن والأمل في المستقبل والحياة الكريمة، والحرية.
وبمجرد أن رفع سيف ذلك النظام وهبت نسائم الحرية شعر هذا المواطن بأنه بات في وضع وحالة جديدة، عادت البلد لتكون له، وعادت السلطة لتنتمي إليه، وعادت همومه لتكون هموم السلطة.
لكن مع أولى القرارات التي بدأت الحكومة الجديدة تأخذها بدأت بوادر خيبات الأمل تظهر، وكما قلنا بداية فإن من المبكر أن نوجه سهام النقد على حكومة لم يمر عليها غير شهر واحد، وما يجعلنا نتجاوز محظور قصر الفترة هو أن هذه الإجراءات والقرارات تمس حياة الناس اليومية، تمس غذاءهم، ودفأهم، ودخولهم، وتنقلهم، فهي تخص تكلفة حياتهم اليومية.
حينما يصحو رب الأسرة ليرى أن سعر ربطة الخبز قد زادت، وسعر جرة الغاز قد زادت، وسعر ليتر الوقود (البنزين، والمازوت) قد زادت، وقيمة الدولار في السوق المحلية قد انخفضت (أي أن قيمة الاعانة والدعم الذي كان يصله من الخارج قد تراجعت)، فهذا يعني أن هناك في السلطة الجديدة من بات يضغط بقوة على مجرى التنفس عند كل أسرة، هنا لا يعود لوعود زيادة المرتبات أي قيمة، لأن للوعد وقت ينفذ فيه، شهر أو ربما شهور، لكن الجوع والحاجة تضغط في كل وقت، في كل يوم. وهنا لا يجوز، ولا يعقل أن تطلب من هذا المواطن الصبر، وشد الأحزمة على البطون. ويزيد من الضغط اليومي ما يعلن عن تسريحات من الوظائف بدعاوى مختلفة، وعن كون الزيادات المرتقبة لن تطال أصحاب معاشات التقاعد….. الخ، كذلك فإن التخبط في قرارات فرض الجمارك والضرائب تزيد من الإحساس بأننا أمام “حكومة” لا تدرك تماما ما تفعل، ولعل الكثير من التعيينات الحكومية الإدارية في العديد من دوائر الدولة التي يعلن عنها والقائمة على قاعدة ” الاستئثار” وليس على قاعدة المشاركة، تزيد من الإحساس بغربة هذه الحكومة عن الروح الشعبية العامة التي انتظرت من هذه الحكومة أن تكون عونا لها على مواجهة المخلفات البائسة معيشيا وإنسانيا للنظام البائد.
ولولا أن الوقت مبكر جدا جدا، ولو أننا في مرحلة طبيعية، لكان مطلب إسقاط هذه الحكومة، وإقامة حكومة جديدة هي المطلب الطبيعي إزاء هذا الوضع. لكننا نطالب هنا بترشيد القرارات، وبالانتباه إلى فقه الأولويات، وبتقديم حاجة الناس على ما سواها، وبالشفافية في الوعود والإجراءات.
2/ لا شك أن العبء على الأخ أحمد الشرع باعتباره المسؤول السياسي الأول في هذه المرحلة عبء كبير، وحمل قد لا يستطيع شخص بمفرده أن يقوم به، وإذ يحرص في مختلف لقاءاته وتصريحاته على توكيد أن القضية الرئيسية الذي يسعى لمواجهتها وتحقيقها هي “الأمن الداخلي”، فإنه بذلك يعبر عن أهم ما يقلق السوريين في هذه المرحلة، وهو أمر يمس أمن المواطن وأمن الوطن.
هناك لعب على المكشوف وكذلك من وراء ستار، لعب بأمن المواطن من خلال العصابات والجماعات، والقوى التي تتغذى على ما كان بناه النظام البائد، وعلى خلاياه النائمة، وعلى استطالاته الخارجية.
هناك أمن مفتقد في كل مكان تتواجد فيه الانفصالية الكردية ممثلة بقسد (pyd، pkk)، بدءا من حلب وريفها، وصولا إلى الرقة ودير الزور والقامشلي والحسكة، وكل القرى والبلدات المتصلة بهذه المحافظات.
هناك دعم وتواصل إيراني مستعينا بحزب الله، وبالحشد الشعبي العراقي مع هذه الانفصالية الكردية، ومع العصابات الأسدية في الساحل، ومع داعش وخلاياها النائمة داخل جسد قوى الثورة نفسها، وهناك تدخل وتواصل ورسائل تحريض يقدمها العدو الصهيوني للعديد من قوى الثورة المضادة في سوريا.
هناك ما أسماه الجنرال الإيراني “بهروز اثباتي”، أو ما نقل عن لسانه بشأن التواصل مع ضباط من العهد البائد، أو ممن اعتبر منشقا عن ذلك العهد، وخلايا أخرى للتحرك لإسقاط الثورة وقواها.
هناك مطالبات النظام الغربي بكل تكويناته وتجلياته الذي بعث بمسؤوليه للقاء القيادة الجديدة وللبحث عن ثغرات وعثرات تسمح لهم بالنفاذ إلى داخل “سوريا الجديدة” ليعيثوا فيها فسادا من خلال شعارات “الأقليات، الحرية النسوية، العلمانية، الفدرالية، تجاوز مفهوم الهوية العربية الإسلامية للمجتمع السوري”.
كل هذه مخاطر تواجه سوريا، ويتصدر الأخ الشرع لمواجهتها ومعه فريقه السياسي، وكما قلنا فهذا حمل ثقيل، نشك أن يستطيعه فرد لوحده، ولا جماعة لوحدها، مهما اعتقدت في نفسها القدرة على ذلك، الأمر يحتاج إلى حشد للقوى السياسية والاجتماعية والفكرية التي تريد أن تبني سوريا المستقبل على قواعد “المواطنة والحرية والعدالة الاجتماعية، والديموقراطية السياسية”، وقد أعلن الشرع من سابق أن هذه القواعد في عمومها هي ما يلتزم بها ـ ورفاقه ـ ويعملون لأجلها.
ورغم تزاحم مشاهد انشغال الشرع في استقبالات المسؤولين من الدول العربية والأجنبية، فإن الاهتمام بلقاء القوى والفعاليات السياسية السورية لم يرتق إلى مستوى الحاجة التي يفرضها هذا الوضع السوري، وكما سجلنا بروز روح “الاستئثار، والقلق” في قرارات الحكومة الحياتية والتعيينات والقرارات الإدارية، نسجل الروح نفسها في التحرك السياسي، ولعل ابتعاد القيادة السياسية عن لقاء أي قوة سياسية سورية، أو جهة سياسية سورية ولو من قبيل التشكيلات النقابية، أو الأدبية، أو الفنية، أو الدينية، أو حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني. دليل أو مؤشر على ما نذهب إليه.
ويقدم القلق والتردد في ملف ” المؤتمر الوطني العام” بكل ما يتضمنه هذا الملف من تحديد للجنة التحضير، وإعداد للوثائق، ومن تحديد للحضور، ومن موعد للانعقاد، مؤشرا إضافيا لما ذهبنا إليه، ونضيف على ذلك الإشارة إلى العديد من القرارات العليا التي صدرت، ولها الطبيعة نفسها، ولعل من بينها القرار الخاص بإلغاء التجنيد الاجباري ” خدمة العلم”، وهو قرار لقي ترحيبا من جها ت عدة، لكن لم ينتبه المرحبون إلى خطورة هذه القرار على مفهوم “الوطنية”، وحق الوطن على أبنائه في الدفاع عنه.
وحتى على نطاق المفاهيم العامة التي تطرحها هذه القيادة نجد غموضا يحتاج إلى التوضيح خصوصا ما اتصل بالنظام الاجتماعي، فحينما تحدث الشرع مبكرا عن الالتزام بنظام “الاقتصاد الحر” فإنه ألقى بالمجتمع في بحر لجي، لأن “الاقتصاد الحر” معنى غير محدد المعالم، وقد دخل عليه من التطورات والتغييرات والتقييدات وما زال الشيء الكثير، وخطورة تبني مثل هذا المصطلح أنه يأتي تحت شعارات إسلامية، فكأنه يعني أن “النظام الاقتصادي الإسلامي” يتبنى مفهوم نظام “الاقتصاد الحر”، وفي هذا كارثة اجتماعية لا حدود لها، وكارثة فكرية ومنهجية تصيب الفكر الاجتماعي الإسلامي بمقتل.
3/ وإذا كنا نشير الى الحكومة المؤقتة وما تقوم به من قرارات وتعيينات وإجراءات، ونشير إلى الهموم والمهام التي يتولاها رئيس الإدارة السياسية في سوريا، فإن مما يثير الاستغراب “اختفاء أو استقالة” القوى السياسية السورية، والقوى المنظمة في سوريا بمختلف أشكالها عن الحركة والفعل والمشاركة، سواء كانت هذه ممن كان يعمل داخل سوريا زمن النظام البائد، أو ممن كان يعمل خارجها: هيئة التنسيق الوطنية، الائتلاف الوطني، المنصات المختلفة، جمعيات المجتمع المدني وحقوق الانسان، النقابات، الشخصيات السياسية العامة، والهيئات الاجتماعية، كلها غابت عن المشهد منذ النصر الذي تحقق بإسقاط النظام الأسدي في الثامن من الشهر الفائت.
لم يقم أحد منهم بحركة أو بعقد مؤتمر صحفي، أو بالإعلان عن مؤتمر، أو مهرجان، أو حشد لتأييد الثورة، أو للمطالبة بشيء محدد، وكأن الجميع بات ينتظر أن يدعى كي يقدم ما عنده.
الغياب المشهود مثير للحيرة، ويخشى أن يؤدي هذا الغياب إلى القول: “إن الغائب لا وجود له”، ونحن نعلم أن هؤلاء جميعا كانوا موجودين، وبغض النظر عن الاختلاف في تقييمنا لأدائهم، فقد أدى كل منهم ما استطاع من دور، وتحمل بعضهم عنت وظلم وضغوط النظام البائد، وتمسكوا في البقاء داخل الوطن، وقيدوا أنفسهم بحركة تسمح لهم بالبقاء بأقل المخاطر الممكنة، ودفع العديد من قادة هذه القوى حياتهم ثمنا لمواقفهم الثابتة والصلبة، والذي كان خارج سوريا فعل ما استطاع عليه، فأصاب وأخطأ، ولكل هؤلاء دور في صنع مسيرة الثورة، ولكل هؤلاء دور في تصميم مستقبل هذا الوطن، وإذا كان من الخطأ والخطر الاستئثار في القرار والتوجه، فإنه من الخطأ والخطر عزوف هؤلاء عن المبادرة إلى المشاركة، بل إن في هذا العزوف مساعدة لقوى الثورة المضادة على تحقيق أهدافها.
ليس مهما أن توافق القوى الحاكمة على رؤى كل أطراف الحراك الثوري السوري الذين أسهموا في مسار الثورة السورية منذ مارس 2011. المهم أن نقف ونشارك ونقول رأينا ونقبل ونرفض، ونقوم بدورنا كقوى، وأحزاب، وهيئات، وشخصيات.
يجب أن توضع التصورات، والبرامج، وتعقد الاجتماعات واللقاءات، ويدعى إليها الناس والشخصيات المؤثرة، وتناقش فيها كل القضايا: العقد الاجتماعي الجديد، الدستور الجديد، طبيعة السلطة المنتظرة، معنى الحريات والديموقراطية، طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي المرتقب… الخ.
وإذا كان المؤتمر المزمع عقده تتوفر له صفة” المؤتمر الحقيقي”، فإنه أحرى أن تقدم له كل هذه الرؤى، وأحرى أن يكون مجالا لكل حراك سياسي وفكري ومفاهيمي، وأحرى أن يتم لاحقا الخضوع لمخرجاته حتى ولو كانت تخالف ما يرى كل منا ما دام المؤتمر يعتمد طريقا ديموقراطيا للتغيير والتعديل.
الوطن ومستقبله يحتاج إلى الجميع، والأدوار لا تمنح وتعطى، وإنما تنال وتؤخذ بالعمل والجهد والمبادرة.
هذه رسالتنا الى أصحاب القرار والشأن في سوريا، الحقيقيين والمفترضين، وأشير هنا إلى أن ” نون الجماعة” في هذه الرسالة هي إشارة إلى أن هذا الرأي ليس رايا فرديا، وإن صاغه فرد، وإنما هو رأي لمجموعة من السوريين يتطلعون لمستقبل آمن ومشرق لسوريا الغد بهويتها العربية الإسلامية، لا يظلم فيه مواطن، ولا يجوع فيه إنسان، ولا يميز فيه أحد على غيره، بسبب عرق أو جنس أو دين أو مذهب أو منطقة، وإنما يميز بقدر ما يقدم من عمل وجهد وخير لمجتمعه، ولأمته، وللإنسانية جمعاء.