سلامة من بكركي: لا مبرر للقول أن لبنان في خطر الإفلاس
أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أن “وضع الليرة مستقر”، مشيرا الى انه “من الضروري جدا اليوم، ان ننظر الى ما يجري حولنا في العالم”، لافتا الى “دعوة صندوق النقد الدولي الحكومات في العالم، الى تخفيف حدة الصراعات السياسية”.
وقال سلامة خلال مشاركته في أعمال اليوم الثاني من “منتدى بكركي الاقتصادي – الاجتماعي الثاني، والي تنظمه بكركي في قاعة مؤتمرات الصرح البطريركي: “ان تخفيض التوقعات للنمو العالمي هذا العام يعود أساسا الى أجواء السياسة المتأزمة عالميا. ان جزءا من هذا التأزم ناتج من الحرب التجارية على كل الدول ولا سيما على الصين. وهذا الأمر كانت له تداعياته على اسعار المواد الأولية وتأثيره على مداخيل اللبنانيين لأنهم يعملون في دول ترتكز اساسا في مواردها إلى المواد الأولية. ونحن بعد ال2008 بدأنا بالخروج تدريجا من العولمة وهذا امر يتأكد اكثر فأكثر، وما يحدث اليوم في اوروبا وبخاصة في انكلترا يؤكد أن التعاطي الاقتصادي المستقبلي سوف يكون مختلفا، وهذا أمر يؤثر علينا في المنطقة وفي لبنان”.
أضاف: “اعتبر صندوق النقد الدولي ان النمو في الشرق الأوسط ستكون نسبته 1% في خلال العام 2019، وهذه نسبة منخفضة تأثرنا بها. وتوقعنا في لبنان أن يكون النمو لهذا العام نحو 0%، وهذا الأمر يؤثر على لبنان لناحية تخفيض قدراته على التصدير، وبحسب الأرقام التي لدينا فان التصدير تراجع الى ملياري دولار كما انه يؤثر على حركة التحاويل الخارجية الى لبنان، وايضا في هذا المجال تشير توقعات البنك الدولي إلى ان تكون هذه التحاويل نحو 7 مليارات دولار بعد ان كانت عامة نحو 9 مليارات دولار، وهذا الفارق الذي تأثر به لبنان، يجب على المصرف المركزي العمل لتأمينه سنويا. وهذا العام شهدنا انخفاضا في ميزان المدفوعات بحدود 5 مليار و300 مليون دولار، انما هذا الانخفاض ناتج من تسديد الدين الذي قام به مصرف لبنان عن الدولة اللبنانية بحدود 3 مليار و200 مليون دولار، ونحن نسترد المبلغ عند إصدار سندات سيادية لبنانية من جديد في خريف العام 2019، عندئذ تتغير المعطيات الا ان الدفعات المهمة تمت أواخر أيار، ولمسنا في شهر حزيران توازنا في ميزان المدفوعات، وفي شهر تموز تدفقات ايجابية الى لبنان مع قيام عدة مصارف بمنتجات مالية استقطبت استثمارات من اللبنانيين من الخارج الى لبنان”.
وتابع: “لهذه الأوضاع آثارها الاقتصادية سواء في العالم او في المنطقة او لناحية السيولة التي انخفضت في لبنان، وهي آثار مباشرة على مستوى الفوائد الموجودة في السوق اللبنانية. نحن نتابع ما يجري نسبة للمردود على السندات اللبنانية السيادية في اسواق لندن بحيث تراوحت بين و 12و 11%. في السوق المحلية في لبنان ومقارنة مع تشرين من العام 2017، وتزامنا مع استقالة الرئيس الحريري في السعودية، بدأت الفوائد ترتفع في لبنان فتراجعت السيولة. وهنا نجد ان معدل الفوائد المدينة في لبنان ارتفع الى 2% نتيجة القروض المدعومة التي يقوم بها البنك المركزي ولولاها لكان الارتفاع تجاوز 3%. من هنا تدخل مصرف لبنان في العام 2018 في السوق لإبقاء التقديمات التي يقوم بها بالنسبة لدعم الفوائد وهذا الأمر ساعد، كما تدخل لدعم تخفيض كلفة المديونية للدولة بحيث أنه أقرض الدولة نحو 8 آلاف و800 مليار ليرة اي ما يساوي 5 مليار و500 مليون دولار للتسليف بنسبة 1%. وهذا الأمر اوجد وفرا كبيرا على القطاعين الخاص والعام وبالتالي تحمل البنك المركزي هذه الكلفة ذلك ان ميزانيته تسمح له بتحمل هذه المبادرات”.
أضاف: “بالنسبة إلى موضوع القروض المدعومة، أراد مصرف لبنان في 2019 وضع رزمة من هذه القروض في السوق. لذلك سندعم ما يساوي 250 مليون دولار من القروض السكنية لهذا العام وبدأنا بالعمل على ذلك ونحن نتلقى الطلبات من المصارف التي لم تدخل كلها في تعميم مصرف لبنان في القروض السكنية وانما التزم عدد كبير منها وهو يلبي الزبائن بهذا المعنى. كما ان مصرف الإسكان يقوم بنشاط ملحوظ لتأمين القروض السكنية، وهناك قرض من دولة الكويت ب167 مليون دولار يفترض ان تستفيد منه مؤسسة الاسكان وبنك الإسكان اضافة الى 250 مليون دولار التي يدعمها البنك المركزي. يضاف الى هذا نحو 100 مليون دولار مدعومة من البنك المركزي على شكل قروض تتحول في معظمها الى القطاع السكني. كما اننا دعمنا لهذا العام نحو 150 مليون دولار للقروض الإنتاجية للأسف لم يستعمل منها لغاية اليوم سوى 100 مليون دولار وهي متوفرة في السوق، ولكن الطلب الذي نشهده ونظرا للحركة الاقتصادية في البلد هو خجول على القروض الانتاجية ومعظمه يتم على قروض لها علاقة بالطاقة. ان الوضع التسليفي في لبنان هو وضع دقيق ذلك ان السيولة اصبحت منخفضة. والقطاع المصرفي لديه تسليفات بحدود 67 مليار دولار للقطاع الخاص اي ان تسليفات القطاع المصرفي باتت أساسا مع القطاع الخاص، وهذا رقم مرتفع بالنسبة للناتج المحلي اللبناني المقدر رسميا بحدود 56 مليار دولار. من هنا، نحن نفهم ان قدرة المصارف على تطوير التسليفات او سوق التسليف في الوقت الحالي محدودة والمصارف سوف تنكب حاليا على تخفيض نسبة التسليف الى الناتج المحلي وهذا جزء من الانكماش الاقتصادي الذي نعيشه”.
وقال: “الأمر الجيد هو أن التخلف عن التسديد منخفض في لبنان. القروض التي لم تسدد لم تتعد ال6% من مجمل المحفظة التسليفية، وهذا أمر إيجابي للبنان ويؤكد ان لبنان لديه الملاءة وان كل الكلام عن ان لبنان بلد بخطر الإفلاس هو كلام غير مبرر علميا وبالأرقام. نحن نعتبر كبنك مركزي انه اذا اردنا الخروج من هذا التباطؤ الذي نعيشه، هناك عمل يجب ان يتم ما بين القطاعين العام والخاص. وبالفعل نحن نعتبر ان القطاع العام قد توسع وبات حجمه اكبر مما يتحمله الإقتصاد اللبناني، والقطاع الخاص بحاجة الى اعادة تحفيز وتشجيع من القطاع العام، وما يحصل اليوم سواء لناحية الموازنة او لناحية مشروع الكهرباء او مؤتمر “سيدر” هي مبادرات يمكنها خلق الإصلاحات الضرورية لتخفيض العجز ولكن لإعادة تفعيل روح المبادرة في لبنان ليعود النهوض الإقتصادي وتتأمن فرص العمل. ولغاية لمس هذا التغيير نحن نقوم بمبادرات لدعم الإقتصاد في هذه المرحلة الضيقة ونحن نقبل بجدولة الديون بحسب الحالات ويشترط ان يتم الدين بالدولار الأميركي منعا للمضاربة على الليرة اللبنانية ويمدد لآجال طويلة بالإتفاق مع المصرف المعني وعلى مسؤوليته، ولكننا سنتجاوب كبنك مركزي مع طلبات المصارف. كما اننا نقبل الطلبات بتسديد الدين من خلال تملك عقار من المصرف على ان يتم التقييم لقيمة العقار بين المصرف والعميل ويعتبر العميل بأنه سدد دينه لذا لا يصنف”.
أضاف: “وسيقوم مصرف لبنان بطلب من جمعية الصناعيين بزيادة نسبة المساهمة بالقرض المدعوم، اي انه يتحمل كلفة اضافية لكي يتمكن المصرف التجاري من تقديم تسليفات ضرورية لقطاعات الصناعة ومنها رؤوس الأموال التشغيلية لهذا القطاع. نحن تاريخيا ندعم القطاعات الإنتاجية ولا سيما الصناعة. كذلك ستطلق الأسواق المالية المنصة الإلكترونية للتداول والتي ستوجد سيولة في الأسواق. أخذت مجموعة بورصة اثينا و”بنك عودة” الرخصة لتمويل هذه المنصة، ونحن نتأمل انه في الفصل الأول من العام 2020 ان تبدأ هذه المنصة بالعمل مع التزام المجموعة التي حصلت على الرخصة تأمين 100 مليون دولار لتأمين السوق السنوية وسيكون الإشراف على هذه المنصة من هيئة الأسواق المالية وسيكون هناك امكانية للتدخل من أي عميل حول العالم ليتداول على هذه المنصة بشكل آني والكتروني. يعود البنك المركزي ليؤكد استقرار سعر صرف الليرة ونحن لمسنا أخيرا في الأسواق العودة الى أسواق طبيعية، ولم يعد هناك تحويل من المودعين من الليرة الى الدولار، وطلب المصارف في معظمه طلب تجاري. ونحن ملتزمون الحفاظ على ملاءة المصارف اللبنانية المرتفعة والتي تبلغ نحو 16%، وهناك نسبة سيولة تتعدى 10% وهذه المصارف سليمة”.
وأعلن سلامة: “كالعادة هناك دائما شائعات سلبية في الأسواق اللبنانية حتى ولو ان مؤسسات التصنيف خفضت تصنيف لبنان إلا ان هذا الأمر لن يؤثر على القطاع المصرفي، فتأثيره يدني الملاءة من 16 الى 12%، وهنا ايضا لا يزال الرقم أكبر مما هو مطلوب عالميا. ونحن نؤكد ان لبنان يحافظ ويطور نظام الامتثال الموجود لديه وعلاقتنا بالخارج جيدة وباعترافهم “ان لبنان قادر على القيام بما هو مطلوب لمواجهة كافة القوانين الجديدة التي ترعى العالم المالي حاليا سواء على صعيد مكافحة تبييض الأموال، لبنان ممتثل او لناحية مكافحة التهرب الضريبي ايضا لبنان ممتثل باعتراف الجهات المختصة، وسنقوم خلال هذين العامين بتطوير الصيرفة الإلكترونية”.
وتابع: “نحن نواجه مجموعة من المحترفين في صناعة اليأس ولكننا نؤكد الاستقرار مرتكزين على أرقام ومعطيات قائمة على العمل الاستباقي الذي يقوم به المصرف المركزي. لدينا قاعدة ودائع هي جيدة ومستقرة ويمكننا القول إنها الافضل في المنطقة وموجوداتنا الخارجية مستقرة سواء في البنك المركزي او موجودات المصارف التجارية ونحن متفائلون بان الدولة بدأت بوضع انتظام لتخفيض العجز”.
وختم: “ان الاستقرار النقدي لا يكفي لنهضة البلد اقتصاديا واجتماعيا واخلاقيا. الحكومة قادرة على تأمين سياسة رشيدة ورشيقة وسريعة ونأمل بان تعاود اجتماعاتها ومبادراتها فالمرحلة دقيقة جدا وتتطلب حكمة وجرأة ورجاحة عقل”.
وردا على سؤال عن القروض السكنية ونسبة الفائدة اكد سلامة ان “تعميم مصرف لبنان ابقى القروض بالليرة اللبنانية. والقروض الجديدة التي تصدر هي بالليرة اللبنانية للاسكان وبالدولار للقروض الإنتاجية مع ارتفاع الدولرة وتوفر امكانيات التسليف بالدولار. المصارف تضع الودائع في البنك المركزي الذي يضخ السيولة في الأسواق كالقروض المدعومة. اليوم المشكل على الطلب وليس العرض. والفوائد ستبقى مرتفعة ذلك ان مخاطر البلد مرتفعة بدورها. والفوائد لا تنخفض الا بإصلاح مالي وهو اصلاح يتطلب توافقا سياسيا وعقلنة سياسية لطمأنة الأجواء. المشكلة ليست في الفوائد فقط وانما هي مشكلة اداء من القطاع العام والمشكلة في الحركة التي يجب ان تقوم بها الحكومة، كذلك هي مشكلة وجود النازحين السوريين المكلف وعمليات التهريب والفساد والتأخير في التعيينات، كلها عناصر ثقة نحتاجها لنفعل اقتصادنا. الثقة هي اساس الإقتصاد وليس الفوائد”.