سوريا.. أهمية النقابات في المرحلة الانتقالية
“المدارنت”..
خرجت سوريا من العهد البائد، والدولة مُدمرة إلى حدّ بعيد، إعادة بناء الدولة تحتاج ليس فقط لإعادة الإعمار، ولكن لإعادة بناء الوطنية السورية, وشرط بناء الوطنية السورية هذه المرة ليس مجرد الخلاص من حكم الأسد ورجاله, هو أبعد من ذلك, إذ لم يعد بالامكان بناء الوطنية السورية خارج الحريات العامة, خارج المجتمع, خارج الحياة السياسية الحية, سابقا وجهت الضربات للوطنية السورية عبر نزع السياسة من المجتمع, عبر اعتبار أن الوطنية تعني الولاء للنظام السياسي, الولاء الأعمى, وتم استبدال الفعالية المجتمعية بهياكل كرتونية كالحزب والجبهة التقدمية.. أما النقابات فقد تمت السيطرة عليها أمنيا، وأصبحت في عهدة أجهزة الأمن المتعددة التي تتنافس في خنقها وإبعادها عن دورها المجتمعي الريادي.
أهم ما في المرحلة الانتقالية على الصعيد الداخلي، هو استعادة روح المجتمع في علاقته بالدولة التي يمثلها النظام السياسي، أكثر من أي شيء آخر أقلها في واقع سوريا.
هذا يعني نشوء استقلالية للهيئات الاجتماعية, أن تدار من قبل ذاتها وليس من قبل النظام السياسي.
يشمل ذلك ليس فقط النقابات، ولكن الجمعيات التطوعية والإتحادات الطلابية والعمالية, وغرف التجارة والصناعة.. الخ.. هنا تنشأ روح المجتمع المدني, وهي أحد أهم مصادر إنتاج الوطنية السورية.
لنعد قليلا الى النقابات, واقع سوريا الحالي، يمكن وصفه بسلطة تحصّلت على شرعيتها من خلال حسم الصراع مع النظام البائد، نيابة عن الشعب وثورته، ثم من خلال التأييد الشعبي بعد اسقاط النظام، وفي مقابلها ليس هناك من كيانات سياسية وازنة بل بقايا أحزاب شبه ميتة, ونخب سياسية ثقافية معزولة.
افتقاد الهياكل الاجتماعية – السياسية، يخلق فراغ قوة بين السلطة والمجتمع, في هذا الفراغ تجد العصبيات الطائفية اليوم حقلا للفعل السياسي، وهي تتمفصل من جهة مع النزعات الثأرية، ومن جهة أخرى، مع قوى خارجية يهمها دفع سوريا الى الفوضى وإفشال الحكم الحالي.
يمكن للنقابات، أن يكون لها دور ريادي كبيئة حاضنة للفعالية المجتمعية، البعيدة عن العصبيات ما قبل الوطنية، فالفرد فيها مُعرّف ليس بطائفته ولا بقبيلته ولكن بعمله المهني, وزميله ليس ابن الحيّ ولا ابن العائلة والقبيلة والطائفة، ولكن إبن المهنة التي تجمعهم, وهكذا يمكن فتح طريق نحو الوطنية.
ليس ذلك كل ما في الأمر، فهناك أيضا مهمة متصلة بما سبق، وهي إملاء فراغ القوة بين المجتمع والسلطة, فالسلطة لاتستطيع السماع لانتقادات الأفراد, وفي حالة سوريا التي لا نجد فيها قوى سياسية وازنة كما سبق ذكره، يمكن للنقابات أن تقوم بتلك المهمة الضرورية، بحيث لا تجد السلطة نفسها متحررة من كل قيد تجاه المجتمع, ولا يجد المجتمع نفسه في حالة عجز تجاه السلطة.
وبخلاف الأحزاب السياسية التي تثقلها “الايديولوجيات”، وتقودها نُخبٌ سياسية مفوهة منفصلة عن الواقع في كثير من الأحيان أو غارقة في حبّ الزعامة والتسلط، فالنقابات أقرب بكثير لنبض المجتمع, وقياداتها مقيدة ومختبرة من قاعدتها النقابية.
والأهم أنها وحدها اليوم في سوريا، المؤهلة لإحداث التوازن المطلوب بين السلطة والمجتمع.
لعل ذلك يفسر إلى حدّ ما، لماذا كان حيويا الدفاع عن استقلالها عن السلطة، أيّ عن حريتها في اختيار قياداتها النقابية, وفي هذه المرحلة الإنتقالية بصورة خاصة، وليس بعدها.
العهد الجديد، لم يعد بحاجة لمن يصفق له، بقدر حاجته إلى قوى اجتماعية منظمة، تحمل الهم الوطني السوري، وتقف لتصوب المسار السياسي في هذه المرحلة بالغة الخطورة على مستقبل سوريا.