مقالات

سوريا الجديدة.. خيارات صعبة!

“المدارنت”
تتلاحق الأحداث المهمة والخطيرة والقرارات في سوريا وحولها بشكل يومي. شملت الأنباء الأخيرة إعلان مجلس الاتحاد الأوروبي قرارا ببدء رفع العقوبات عن سوريا، وأنباء عن إجراء دمشق وتل أبيب محادثات مباشرة، وتصريحا لمبعوث أمريكا الخاص الى سوريا توماس باراك عن «خطأ» اتفاقية سايكس ـ بيكو التي قسمت سوريا «لتحقيق مكاسب إمبريالية»، وذلك بعد لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره السوري أحمد الشرع في الرياض، وتعليق السلطات الأمريكية عقوبات عن سوريا والاستعداد لرفعها من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

ما يلفت النظر في القرار الأوروبي تضمنه إدانة لتجاوزات وقعت خلال «عملية عسكرية غير منضبطة»، ويحمل المسؤولية لقيادات ميدانية «أعاقت حماية المدنيين» ويفرض عقوبات على فصائل محددة وخصت بالاسم عقوبات على اثنين من قياداتها العسكرية.
تربط هذه العقوبات بانتهاكات حصلت في الساحل السوري على أيدي فصائل محسوبة على وزارة الدفاع السورية الجديدة، وهو ما يمكن اعتباره امتحانا من قبل الاتحاد الأوروبي للحكومة الانتقالية التي أعلنت بعد تلك الأحداث إنشاء لجنة تحقيق لم تظهر عنها نتائج بعد، كما يؤذن بربط رفع كامل العقوبات بإجراءات أكثر حسما من قبل دمشق تجاه ما جرى في الساحل السوري وينبه إلى ضرورة إقفال ملف التجاوزات الأمنية والانتهاكات، التي تتواتر أنباء من حين لآخر عن حصولها.
يرفع هذا القرار علامة استفهام على مصداقية قرار توحد الفصائل المسلحة التي أسقطت نظام بشار الأسد، كما يمكن تفسيره كإشارة إلى الحكم الجديد بضرورة حسم ملف تلك الفصائل التي تمت تسميتها كمشاركة في التجاوزات.
من جهة أخرى، ورغم نفي أحمد الدالاتي، مسؤول الأمن الداخلي في محافظة السويداء، مشاركته في مفاوضات مباشرة لسوريا مع إسرائيل، فإن هذا لا ينفي وجود مباحثات بين الطرفين، وهو ما أكده الرئيس أحمد الشرع نفسه خلال لقاء له مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بدعوى أن الاتصالات تجري لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على البلاد، وضبط التوترات الحاصلة في الجنوب السوري، وما أعلن لاحقا عن تسليم السلطات السورية إسرائيل أرشيف الجاسوس إيلي كوهين.
أدت التوغلات الإسرائيلية في سوريا إلى سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على منطقة الفصل التي أقرت في اتفاق فصل القوات للعام 1974 بعد أن اعتبرت تل أبيب أن انسحاب الفرقتين 61 و90 التابعتين للنظام السوري السابق من مواقعهما مما خلق فراغا أمنيا وبررت إسرائيل ذلك بالخشية من استغلال «التنظيمات المتطرفة» هذا الفراغ لتنفيذ هجمات عبر الحدود. غير أن إسرائيل تابعت توسعها فسيطرت على 640 كيلومترا مربعا من الأراضي السورية خارج خط الفصل، كما هدد بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل، بتوسيع هذه المنطقة لتصل الى الطريق السريع بين دمشق والسويداء.
تبرير إسرائيل الآخر لهذا التوسع كان «الالتزام بحماية المجتمع الدرزي في سوريا»، مطلقة «برنامج مساعدات» لنحو 550 ألف مواطن سوري في جبل الشيخ ومنطقة السويداء، وبروز دعوات إسرائيلية تشجع الدروز على الانفصال، بالتزامن مع تداول خطط وتصريحات لقادة اليمين المتطرف الإسرائيلي تقترح إنشاء ممر يربط السويداء بمنطقة الحكم الذاتي الكردي في شمال شرق سوريا، وهي خطط تعتبرها دمشق خطرا وجوديا على كيان الدولة الجديدة.
يضع قرار الاتحاد الأوروبي الإدارة السورية أمام خيار صعب يفرض عليها تحدي التعامل مع جزء من الفصائل المنضوية في جيشها وهو أمر يمكن أن يساهم في دعم عملية خرط حقيقية لهذه الفصائل وبنائها على أسس عسكرية حديثة، كما يدفعها إلى التعامل مع القائدين العسكريين اللذين شملتهما العقوبات، ولكنه يمكن أن يؤدي إلى خلافات وتصدعات.
يخلق التحدي الإسرائيلي الخطير لسيادة سوريا، ولتدخلها فيما تسميه «المجتمع الدرزي» في سوريا، وكذلك خطط توسيع ذلك لضم القوات الكردية، خيارات صعبة أمام سلطات سوريا الجديدة الطامحة لتحقيق استقرار وازدهار لشعبها، وانفتاح على المحيط العربي والعالمي.
تضمّ هذه الخيارات إجراء تسويات سياسية وعسكرية مع القوى الكردية والدرزية تستجيب لمطالب اللامركزية مقابل الانخراط في الإطار العام للدولة، ووقف التجاوزات في مناطق الساحل، ولكن من ضمنها أيضا تأكيد السلطات السورية على رفض خطط إسرائيل عبر تعزيز التعاون مع الدول العربية و(تركيا) التي وفّرت إطارا سياسيا لخروج البلاد من العقوبات الأمريكية والأوروبية كما لإعادتها إلى محيطها العربيّ ودورها المهم في الإقليم.

رأي “القدس العربي” اليوم
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى