عربي ودولي

سوريون يعودون إلى أحيائهم المدمرة في حمص على وقع الحماسة ومرارة الذكريات!

أحد أحياء مدينة حمص السورية

“المدارنت”..
يتحدّى سكان ومقاتلون سابقون من مدينة حمص بوسط سوريا، حيث انطلق الحراك المسلح ضد حكم المخلوع بشار الأسد، الدمار، والظروف الإقتصادية الخانقة للعودة،
بعد نزوح طويل، إلى ما عُرف بـ “عاصمة الثورة السورية”.
بين ركام أحياء شهدت أقسى ظروف الحصار والحرب، يستعيد العائدون ذكرياتهم وقصص ضحاياهم، وبينها ذكرى الصحافية الأمريكية ماري كولفن، التي قتلت في حي بابا عمرو الشهير في 22 شباط/فبراير 2012، بينما كانت تنقل صوتهم للعالم.

وتقول دعاء تركي (30 عاماً) في بيتها المتداعي ذي الجدران السوداء في حي الخالدية: “البيت محترق، لا نوافذ فيه، لا كهرباء، أزلنا الركام وفرشنا بساطاً وجلسنا”.
ويطلّ بيتها على شارع اختفت معالمه وحدوده، وعلى جدران ذات ثقوب كبيرة يمكن عبرها رؤية بقايا مبان كانت ذات يوم تضج بسكانها.
وتضيف، بينما يتردد صدى الأذان من مسجد خالد بن الوليد التاريخي المجاور بين أرجاء الحي المنكوب: “رغم كل هذا الدمار نحن سعداء بالعودة. هذا حيّنا، وهذه أرضنا”.
قبل شهر، عادت دعاء مع زوجها وأطفالها الأربعة إلى البيت، الذي يخلو سوى من بضع أوان وُضعت على رفوف خشبية، وجهاز تلفزيون لا تصله الكهرباء. ويبحث زوجها عن عمل “في أي مكان”، بينما تمضي هي نهارها مع العائدات من جاراتها يترقبن من فتحات نوافذهن وثقوب الجدران أن يكون بين المارة القلائل عاملون في مؤسسات إنسانية يمدّون لهن يد العون لتأمين أساسيات الحياة.
كانت حمص من أوائل المدن التي شاركت، في آذار/مارس 2011، في الانتفاضة الشعبية ضدّ الأسد الذي حكمت عائلته سوريا لأكثر من نصف قرن.


وكانت أول مدينة شهدت مواجهات مسلّحة، عندما تحوّل قمع السلطات للتظاهرات الشعبية إلى اشتباكات. وتحوّل حيّ بابا عمرو حينها معقلاً لـ “الجيش السوري الحر”، الذي تشكّل من عسكريين منشقّين ومدنيين معارضين حملوا السلاح، قبل أن يستعيد النظام السيطرة عليه في آذار/مارس 2012.
وفرضت القوات الحكومية بعد ذلك حصاراً خانقاً حول أحياء حمص التي تعرّضت بشكل شبه يومي لقصف أدّى إلى دمار واسع ومقتل المئات.
خلال عامين من الحصار، عُزل سكان هذه الأحياء عن العالم من دون كهرباء أو اتصالات، وأكلوا أعشاباً ونباتات وأطعمة مجفّفة، إلى أن أُجلي مقاتلو المعارضة عن المدينة على دفعات، بموجب أول اتفاق بين السلطات والمعارضة منذ بداية الحرب في العام 2014، ثم في العام 2017.
ومع المقاتلين، خرج معظم المدنيين، بينما اكتسبت حمص اسم “عاصمة الثورة” بين الناشطين.
وتقول تركي: “بقينا محاصرين في حمص سنوات. لا أكل ولا شرب، قصف جوي وبراميل، ثم أخرجتنا الأمم المتحدة إلى المخيمات في الشمال”، في مناطق بقيت تحت سيطرة فصائل المعارضة.
على بعد مئات الأمتار، تقول أم حمزة الرفاعي (56 عاماً): “ليس في الحي متاجر، نذهب إلى الأحياء المجاورة لشراء أغراضنا”، مضيفة: “نلتقي بجيراننا العائدين، نتذكّر بعضنا، أبناؤهم كبروا”.
وتعيش الرفاعي مع ابنها البالغ 21 عاماً، والذي تطوّع في “الجيش الجديد”، وتأمل أن توفّر قريباً مبلغاً من المال يتيح لها فتح متجر بقالة كالذي كانت تملكه قبل تدمير الحيّ.

قافلة العودة
عند مدخل المدينة، التقى فريق وكالة فرانس برس قافلة تضمّ 48 عائلة نظمّها ناشطون تجمّعوا تحت اسم “تنسيقية أبناء حمص”، وتكفّلوا بنفقات النقل.
ويسود التأثر، وغالباً الدموع لدى نزول الواصلين من الحافلات. بينهم عدنان أبو العز (50 عاماً)، الذي فقد ابنه في قصف مدفعي أثناء الحصار.
ويستذكر بغصّة كيف منعه عناصر نقطة تفتيش تابعة لجيش النظام السوري آنذاك من نقل ابنه المصاب خارج الحيّ، فمات: “رفضوا أن أمرّ، كانوا يسخرون مني”.
ويضيف: “عرفت أن بيتي شبه مدمر، لكنني عائد إلى تراب حمص الغالي”.
ويروى رجل آخر قدّم نفسه باسم أبو المعتصم لمن حوله أنه اعتُقل في فرع المخابرات الجوية السيئ السمعة في المدينة، بتهمة المشاركة في تظاهرة.
ويضيف: “حين اقتربتْ سيارة الأمن إلى جوار الفرع، سألت الله أن تنزل قذيفة علينا وأموت قبل أن أصل إلى أقبيته” بسبب التعذيب الذي كان يتعرّض له المعتقلون في سوريا.
ويشير الى أن والده “دفع مبلغاً كبيراً من المال لضابط يعرفه، فخرجتُ بعد أيام”.

الشهيدة ماري كولفين
رافق عبد القادر العنجاري (40 عاماً) فريق فرانس برس في جولة في شوارع بابا عمرو المقفرة، إلا من بعض السكان العائدين وقطط هائمة بين الأنقاض، وصولاً إلى المبنى الذي ضمّ “المكتب الإعلامي لبابا عمرو”، ويقيم فيه حالياً أصحابه.
ويقول مهندس الإلكترونيات، الذي نشط عام 2011 ضمن مجموعات إعلامية زوّدت وسائل الإعلام الأجنبية بالأخبار، إن المكتب استقبل “صحافيين من كل العالم. هنا وضعنا أول جهاز إنترنت للتواصل مع العالم الخارجي”.

الشهيدة ماري كولفن

أضاف: “هنا استُشهدت ماري كولفن، باستهداف من النظام الذي لم يكن يريد توثيق ما يجري”. ويصفها بـ “الصديقة” التي تحدّت “تعتيم النظام على الإعلاميين والموثّقين الأحرار”.
وقتلت كولفن والمصوّر الفرنسي ريمي أوشليك بقصف على الحي المحاصر آنذاك.
وأمرت محكمة أمريكية في العام 2019 دمشق بدفع أكثر من 300 مليون دولار لعائلة كولفين، بعد إدانتها بارتكاب هجوم “غير مقبول” ضد وسائل الإعلام.
بعد خروجه من حمص، شارك العجوري في معارك كثيرة، آخرها الهجوم الذي أطاح بالأسد، وتمكّن خلاله من العودة الى حمص بعد 12 عاماً.
ويقول: “تعجز الكلمات عن وصف ما شعرت به حين وصلت إلى أبواب حمص”.
إلا أنه يستعدّ اليوم للعودة إلى حياته “المدنية”. ويقول: “نحن فعلنا ما أمكن فعله، (…) والمرحلة لا تتطلب مقاتلين، بل من يبنون الدولة”.

المصدر: “AFB”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى