“سوق الملح”.. رواية لعمر سعيد.. للسوق مداخل.. وللرواية قضية..
“المدارنت”.. كتب حكمت حسن…
رواية “سوق الملح” لعمر سعيد ٢٠٢٠/، والمدخل إلى هذه القضية قلم عمر سعيد الشائك، المحفز والصادق، قلم يخط حيوات لشخصيات نمت وترعرعت في حضن حيّ صفيحي المظهر، ليّن العواطف، شرس المواقف . شخصيات تداولت حيز الرواية ، فهي أم/ أخت تستبدل موت ابنها ذي الاحتياجات الخاصة ، بحياة أخيها الحامل لكل مستقبل ال ( بدون) ، فتحيي ابنها نواف ورقيّا بموت أخيها علي وتهديه أوراقه الثبوتيّة . أخته أمّ والأمّ في دورها الغزير الكثيف في هذه الرواية، هي الأم الصلبة الحاضنة القوية الداعمة، في مقابل دور الأب العاطفي المنهمك في لملمة دموعه، فنراه مثابرا على متابعة الصحيفة التي تنشر مقالات لابنه ( علي/نواف) وهو المغامر الذي يترك وطنه على الرصيف لانقاذ عائلته( والد الرقاش الفلسطيني) وهو الأب الأمي الذي يتمسك برسالة ابنه من دون معرفة محتواها، الابن الذي ألقى بنفسه في جامعات الغرب يتلقى العلم لينقذ عالم ال ( بدون) الذي لا يمتلك أوراقا ثبوتية تجعله معترفا بوجوده رغم شروط حياته المتدنية( الأوحال التي كانت مصدر تهكم في المدرسة والجامع عليه ) .
هذا القلم نفسه، قلم المؤلف الروائي عمر سعيد يظهر لنا مدى عمق المعرفة التي يمكن أن يحتضنها أي فكر وفي أي بقعة، فالرقاش يخط بحكمة كل تجاربه ، والعود يمتلك الفراسة في عمق الانسان ويظهرها لمن يتقبلها ، والعجوز في كمزار تدرك غاية زيارته ، وضريح الشيخ المقتفي يوجّهه، ويعرف ما في داخله، وينطق بالحكمة .
وفي الرواية التي خطّها ذاك القلم، نجد:
١-تداخل المجالات الوطنية ، الانسانية ، الموروثات الثقافية، الاحداث التاريخية والعوامل النفسية . كل هذه المفاهيم تجعل حيز الرواية واسعا يستطيع القارىء أن يتنقل فيه ، ما لا يلغي امكانية بذل الجهد من قبل القارىء وتحفيز امكانياته وفي هذا إشادة للأسلوب الذي اتبعه المؤلف عمر سعيد .
٢-المفردات التي وصفت الحالة الانفعالية الشعورية للشخصيات ، والتنوع الذي اعتمد في تراكيب الجمل ، والابتعاد عن تكرار الصورة النمطية لدواخل هذه الشخصيات. كل هذه التقنيات تدل على غنى المؤلف الثقافي ومخزونه اللغوي العميق.
٣- الأحداث التي سارت خارج إرادة القارىء، فهي أرغمته على اللحاق بها رغم معرفة هذا القارىء بأنها ستهوي الى حيث لا يستطيع رجاءه أن يعيدها أو يستعيدها.
٣-البعد التاريخي وأحداثه يظهر جليا في الرواية ، وهو مهم بالمقدار الذي مد المؤلف الجسور اليه كي نفهم الحاضر الذي تتفاعل فيه الشخصيات.
٤-البعد الجغرافي وتأثيره في العادات وتأثرها به .
٥-البعد الثقافي وخاصة في مظهر تلاقح الثقافات الذي يرجى منه المظهر الايجابي والذي يعود بالنفع على الجهتين معا.
٦- إعطاء قيمة للعقل العربي الذي تعاطى مع العصر الحالي ، وتعامل مع العقل الغربي ابداعيا في المستوى نفسه.
٧-قضية ال( بدون) او ( مكتومي القيد) او اي مجموعة وبأي تسمية ، وتأثرهم بالبعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في اي دولة في العالم العربي ،
رغم تشاركهم في عوامل الطبيعة والبيئة والزمان والهواء مع الآخرين ، والتي تشكل فاصلا لهم كما لو انهم ولدوا في غير زمان ومكان.
٩- التماهي: وهو الفاصل الاهم لي كقارئة ودلالاته:
– تماه لشخصية اساسية مع الموت. (علي/نواف) ووقوفه امام الجثة في قسم التشريح وتساؤله عن موقف رأس وجسد مترابطين برباط العلم والتقدم التكنولوجي ومغايرين من حيث خصائصهما ، وفي هذا الموقف قمة ومأزم الرواية الفعلي( البعد الآخر في الزمن المعاش).
-تماه بين مخطوط ل كاتب مغمور والمؤلف ( العنوان).
-تماه بين بيوت الصفيح في مخيم البدون والجدران الحجرية في كمزار.
قلم عمر سعيد له قضية واحدة ، (الانسانية )، ومفارقته أن هذه القضيةعليها أن تدمج ما بين الثقافات ليتناسب ما في الرأس من قدرات مع مقومات الجسد . وهي الإشكالية التي ان تساوت سلمنا كبشر على هذه الأرض.
مبارك للروائي عمر سعيد انتاجه القيم، على أمل المزيد من العطاء الادبي.