“سوق الملح” والبحث الدؤوب عن الهوية والانتماء
كتبت الزميلة لورا مقدسي/ لبنان.
أدهشتني رواية “سوق الملح” للكاتب عمر سعيد، لموضوعاتها وشخصياتها وحبكتها وتنقلّها برشاقة بين حي الصفيح في لبنان (أو أي مكان آخر في العالم العربي) إلى استراليا، فإلى صنعاء وغيرها من الأمكنة الغريبة التي تنبض بحكايات أكثر غرابة.
الرواية هي قصص متلاصقة؛ متماسكة لشخصيّات مثل علي أو نواف، وماجد، والفلسطيني الرقاش، والمستشرق لامبير.
وإذا كان الفقر هو في صلب يومياتهم فإنّ البحث عن الهوية والانتماء هو اللازمة التي تدفعهم الى أقاصي الأرض وتمزّق أرواحهم وتقذف بهم في أعماق الحزن والاضطراب هربًا من الماضي البائس. وتأتينا الحكمة من المستشرق لامبير الذي هجر بلاده منذ ربع قرن من الزمن ونذر حياته للبحث العلمي: إنّ الهوية ليست في الأوراق الثبوتية أو الانتماء الجغرافي والعشائري أو نقاء الدم وتسلسله عبر الأجيال بل بما يقدّمه الإنسان للبشرية.
وبمحاذاة السرد السلس لمصائر أبطال الرواية نفاجأ بمعلومات كثيرة عن تجارة الملح والثورة الفرنسية والعائلات الأغنى عبر التاريخ وجبال مسندم في سلطنة عمان وتفاصيل عن اليمن وعشائرها والقوافل التي تعبر الصحاري بين عدن وأسوان؛ حتى نكاد نشعر أن التاريخ الإنساني برمته هو الرواية أو هو جزء أساسي منها.
تشكل “سوق الملح” لوحة فنية بديعة عن مواضيع الفقر والجهل والطاقات الإنسانية المهدورة في مدن الصفيح المنتشرة في أنحاء العالم العربي.
ويقع القارىء أسير أبطال الرواية ومصائرهم وعراكهم المتواصل مع الحياة من أجل حفنة من الكرامة الإنسانية؛ ويحزن لأحزانهم ويفرح لقدرتهم على الانعتاق والتحرر من الجهل والأوهام.
باختصار، تعالج رواية “سوق الملح” قضية عزيزة على قلبي تتعلق بشريحة عريضة من مكتومي القيد في لبنان، التي كنت، وقناعة مني بعدالتها، قد خصيتها قبل بضعة سنوات بفيلم وثائقي عرض على إحدى القنوات الكبرى.