مقالات

شركاء الأسد في “إنجازاته التاريخية!

الكاتب العربي الراحل مُحمّد خليفة/ سوريا

“المدارنت”
عندما مات حافظ الاسد في حزيران/ يونيو عام 2000 كتبت مقالي الاسبوعي عنه في صحيفة (الراية) القطرية، بعنوان: (الرجل الذي استطاع إعادة سورية الى القرون الوسطى!)
والحقيقة أن بشار واصل طريق أبيه وزاد عليه “انجازات” تاريخية تفرد بها وتميز عن جميع الحكام والقادة في تاريخ العالم منذ العصر الحجري إلى العصر الالكتروني. “انجازات” تصلح كلها أن تكون عناوين بارزة و”مانشيتات” في الصحف وفي كتب التاريخ حين تروى سيرته وسيرة أبيه, وأستطيع منذ الآن التنبؤ ببعضها:
الرئيس الذي دمر بلدا بكامله اسمه سوريا!
الرئيس الذي طرد شعبه كله من بلده!
الرئيس الذي خطط لاستيراد شعب بديل عن شعبه الذي رفض حكمه!
الرئيس الذي أجبر شعبا بكامله على التسول!
الرئيس الذي قتل أكبر عدد من مواطنيه بالقياس الى عدده الإجمالي!
الرئيس الذي استعمل الأسلحة الكيماوية المحرمة على نطاق واسع في القرن 21 ولم يعاقب, بل كافأه المجتمع الدولي بالاصرار على إبقائه في الحكم.
الرئيس الذي تسبب بخلق أكبر أزمة إنسانية في العالم منذ 70 سنة.
الرئيس الذي غير المجتمعات الأوروبية بمزجها بملايين السوريين دفعة واحدة.
في الماضي كان السوريون يتبادلون نكتة عن مدرس سأل تلميذا ما هي أهم السدود التي بنيت في عهد الحركة التصحيحية فأجاب التلميذ: سد الفرات وسد الرستن, وسد الفم!
هذه الانجازات ستسجل أيضا في باب عجائب التاريخ العالمي لأنها أكبر رزمة من الانجازات حققها حاكم واحد في زمن قياسي, والأعجب من كل ما سبق حدوثها في عالم يتباهى بالتحضر ووجود شرعة لحقوق الانسان وقانون دولي ومحكمة جنائية دولية تعاقب الحكام والرؤساء على جرائمهم, ورغم ذلك فقد نجى هذا الديكتاتور بالذات من الحساب والعقاب, وتنافست الدول على حمايته وتزويده بالسلاح ليواصل “انجازاته” الجنائية.
انجازات الأسدين الأب والابن تستحق مكانا بارزا في موسوعة (جينز) للأرقام القياسية لقرون قادمة, وتقترن باسمه كما اقترن اسم هتلر بالمحرقة, ونيرون بحريق روما, وفرعون باضطهاد بني اسرائيل, وهولاكو بتدمير بغداد.. إلخ, وأعتقد أن السبب الوحيد لإغفالها في وسائل الاعلام العالمية الآن على النحو السابق هو إدراك زعماء الدول الكبرى أن كل إنجاز للأسد له وجه آخر هو بمثابة إخفاق فاضح لهم! أي أن انجازات الأسد هي اخفاقات وهزائم للرؤساء أوباما وبوتين وكاميرون واولاند وشي جينبينغ, بل وأردوغان وخامنئي.. إلى آخر القائمة!.
إلا أن الرجل الذي يتقدم جميع الفاشلين السابقين هو الرئيس الأمريكي الذي يعد المسؤول الأول عن استمرار سفاح سورية بارتكاب جرائمه القياسية من دون تدخل حازم ولا حساب جدي.
وما يثير الاستفزاز والاشمئزاز معا أنه يعتقد أن اسلوبه في إدارة الأزمة السورية نموذجي ويفاخر به لأنه يعتمد تفعيل الديبلوماسية كوسيلة ناجعة لمعالجة بؤر التوتر الدولية.
إن اصغر خبير في الشؤون الدولية يعلم أن الادارة الأمريكية كان بإمكانها ردع السفاح, وتجنيب الشعب السوري الكثير من الآلام, وتجنيب أوروبا ما تحصده من هجرة جماعية لو أنها وافقت منذ اربع سنوات على إقامة منطقة حظر جوي فوق سورية, ومعاقبة الاسد على استعمال السلاح الكيماوي .
صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية كتبت يوم الثلاثاء الماضي أن إرسال الروس قواتهم الى سوريا للدفاع عن الاسد يمثل فشلا ذريعا للإدارة الحالية, وهو اتهام صريح وصحيح ومكرر. وينبغي توسيع الاتهام إلى أوروبا التي تتباكى على السوريين الآن وتستقبلهم كمكسب مجاني: لماذا فرضت أوروبا عقوبات شاملة وعديدة على روسيا بسبب تدخلها في أوكرانيا , ولم تعبأ بما يفعله بوتين في سوريا من جرائم تفوق ما اقترفه في القرم؟
لماذا تدخل الناتو هناك بسرعة, بينما أعلن رئيسه السابق راسموسن منذ بداية الأزمة السورية أنهم لن يتدخلوا حتما في الشرق الأوسط وكأنه يعطي اشارة الأمان للأسد ليمضي في جريمته وهو مطمئن.. لماذا لم يقل: نحن نراقب الوضع بقلق ..؟!
الأوروبيون الذين يتسابقون اليوم على اقتسام الغنيمة البشرية السورية, وحصول كل دولة منهم على حصتها المناسبة, هي دول ساهمت عن سابق وعي وعمد في الجريمة التاريخية الأكبر في العصر الحديث. إن أوروبا تتنافس على اقتسام الحصص من يد عاملة رخيصة, وجماعات بشرية تحل محل العبيد والاقنان, وهذه الأوصاف لزعمية حزب الجبهة الوطنية في فرنسا, وهي رغم عنصريتها تبق بحصة يأبى غيرها على نطقها.
الأسد يطرد شعبه بالجملة متأسفا, لأنه يتمنى لو استطاع ابادتهم بالكامل وهو بات يتلذذ بقتلهم, والروس يساعدونه على القتل, ويحمون ظهره بينما يرتكب الجريمة, والأوروبيون يقتسمون من يفر من السوريين, بعد اربع سنوات من تركهم للعذابات بأنواعها في مخيمات الذل والهوان في دول الجيران الأوفياء جدا!. والدول الغنية التي بخلت بتقديم الأموال لمنظمات الاغاثة لكي ترعى ملايين النازحين واللاجئين هي نفسها الدول التي تتنافس اليوم في إظهار سخائها بالانفاق على توطين السوريين بالمليارات..! فهل هذه السلوكيات المتناقضة مجرد مصادفات..؟
ومع ذلك فأوباما هو المسؤول الأول عن مأساة السوريين, والشريك الأكبر للأسد بالمعيار الأخلاقي, وهو مصمم أن يعطي الاسد فرصته لانجاز مشروعه طالما ظل هو في البيت الأبيض كما بشرنا في احدى مقابلاته. ولعل الملك سلمان بن عبد العزيز يكشف ذات يوم ما قاله له في قمته الأخيرة، تبريرا لنهجه وموقفه في ادارة الأزمة الأكبر في العالم من حجج بالية. 
 لقد اصبح البيت الأبيض بالنسبة للسوريين بيت الداء لا بيت الدواء!

نشر هذا المقال في مجلة “الشراع” اللبنانية في 11-9-2015.
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى