جنود صهاينة: قتلنا (مدنيّين) فلسطينيّين مع علمنا أنهم يبحثون عن طعام!
“المدارنت”..
يستعد الجيش “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني) لتحويل مدينة رفح جنوبي القطاع والأحياء القريبة منها، إلى جزء من المنطقة الفاصلة. المنطقة، التي تنحصر بين محور فيلادلفيا جنوب ممر موراغ، كانت بيوتاً لحوالي 200 ألف فلسطيني قبل الحرب. ولكن في الأسابيع الأخيرة، أصبح هذا المكان فارغاً من الناس بعد أن زرع الجيش الإسرائيلي هناك دماراً كبيراً. في الفترة الأخيرة، بعد نهاية وقف إطلاق النار، طلب الجيش من السكان المدنيين هناك إخلاء المنطقة والانتقال إلى المنطقة الإنسانية المحاذية لخط الشاطئ في خان يونس والمواصي.
حتى الآن رفض الجيش الإسرائيلي إدخال مدن كاملة وكبيرة مثل رفح إلى المنطقة الفاصلة، التي تم ترسيمها منذ بداية الحرب لتكون على طول الحدود مع إسرائيل. هذا الطلب، حسب مصادر في جهاز الأمن، طرح بسبب قرار المستوى السياسي استئناف الحرب في الشهر الماضي، وعلى خلفية أقوال رئيس الحكومة بأن تسيطر إسرائيل على مناطق واسعة في القطاع. بمعنى ما، يبدو أن هناك نية لاستنساخ ما حدث في الشمال في الجنوب.
توسع المنطقة الفاصلة له أكثر من معنى. فلا يتعلق الأمر فقط بمنطقة كبيرة، 75 كم مربعاً، تشكل خُمس مساحة القطاع تقريباً، بل إن فصلها يحول القطاع عملياً إلى جيب داخل أراضي إسرائيل، ويبعدها عن الحدود مع مصر. هذه نقطة في خلفية اختيار رفح، حسب مصادر في جهاز الأمن. وحسب قولها، تقف وراء هذه العملية رغبة في خلق أداة ضغط جديدة على حماس. تبلور فهم لدى الجيش بأن إسرائيل لن تحصل على الدعم الدولي لعملية طويلة في القطاع، حتى من الولايات المتحدة، وأن تهديدات أعضاء الحكومة بشأن منع المساعدات الإنسانية بقدر الإمكان لن تُترجم إلى سياسة فعلية.
لذلك، يركز الجيش الإسرائيلي الحملة على المناطق التي يعتقد أنها ستشكل ضغطاً على قيادة حماس. منطقة رفح أصبحت بفضل مساحتها وموقعها على الحدود مع مصر، منطقة جذابة.
كجزء من الاستعدادات، يعمل الجيش الآن على توسيع محور “موراغ” من خلال تدمير المباني على طول هذا المحور. في مناطق معينة، سيكون عرض هذا المحور بضع مئات الأمتار وحتى ربما كيلومتراً. حسب مصادر في جهاز الأمن تحدثت مع الصحيفة، لم يتقرر إذا كان سيتم الاحتفاظ بالمنطقة مدار الحديث فقط كمنطقة فاصلة يحظر دخول السكان إليها (كما حدث في مناطق أخرى فاصلة)، أم أنه ستتم تسوية وتدمير جميع المباني، عملياً: تدمير مدينة رفح.
أخطار زائدة
عند بداية الحرب في تشرين الأول 2023 أعلن الجيش الإسرائيلي عن نيته خلق قطاع فاصل على طول حدود قطاع غزة بحيث يبعد التهديد على بلدات الغلاف مسافة 800 متر – كيلومتر ونصف. الأمر يتعلق بمنطقة مساحتها 60 كم مربعاً، أكثر من 16 في المئة من مساحة القطاع، التي كان يعيش فيها نحو ربع مليون غزي حتى 7 تشرين الأول. تقرير مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة الذي نشر في نيسان 2024 أظهر أن حوالي 90 في المئة من مباني المنطقة الفاصلة تم تدميرها أو تضررت.
لكن نشاطات الجيش الإسرائيلي الجديدة في المنطقة لا تقتصر فقط على المنطقة بين محور موراغ ومحور فيلادلفيا. في الفترة الأخيرة، بدأ الجنود باحتلال مواقع على طول المنطقة الفاصلة، كخطوة تمهيدية. “لم يعد هناك ما يمكن تدميره في هذا الممر، المكان كله غير صالح للسكن، ولا حاجة إلى إدخال عدد كبير من الجنود إلى هذه المناطق”، قال قائد قاتل مدة 240 يوماً تقريباً في القطاع وشارك في تدمير المباني وأعمال تعرية في هذا الممر وممر نتساريم. هو وآخرون، عبروا عن خيبة أملهم عقب نية استئناف العملية في هذه المناطق.
ضباط وجنود في الاحتياط قالوا للصحيفة بأن الجيش يكرر الرسائل التي قيلت في بداية الحرب دون النظر مباشرة إلى الواقع. “لا نصدق بأننا نعود إلى نقطة البداية بعد سنة ونصف”، قال جندي في لواء احتياط يخدم في القطاع. “العودة لتدمير ما تم تدميره في السابق، من دون أن يعرف أحد كمّ من الوقت؟ وما هو هدف العملية وأي إنجاز عملياتي مطلوب للقوات من أجل تنفيذ هذه المهمة؟”.
إضافة إلى عدم الثقة بالأهداف، يُطرح سؤال حول الأخطار الزائدة التي تكمن للجنود. “جميع البيوت في قطاع غزة قد تنهار”، أضاف الضابط: “فقدنا الكثير من الجنود بسبب انهيار المباني. وقد تعين علينا لساعات إنقاذهم من تحت الأنقاض التي كانت تسمى ذات يوم مبنى. وحسب قوله، “إذا لم يدرك قادة الجيش الإسرائيلي بأن الجنود مستعدون للقتال، وليس الموت في حوادث عملياتية لا لزوم لها، فعندها تنتظرهم مفاجأة”.
عندما يتحدث القادة والجنود عن حوادث عملياتية، فإن هناك أكثر من حادث يمكن اعتباره مثالاً على ذلك. كان الحادث الأصعب في كانون الثاني 2024، حين قتل 21 جندياً من الاحتياط خلال تفجير مبان في المنطقة الفاصلة قرب محور كيسوفيم.
فخخ الجنود في حينه مبنى من طابقين على بعد 600 متر عن الجدار. ولكن صاروخاً مضاداً للدروع أطلق كما يبدو على البيت الذي كان يضم عشرات الجنود، خلافاً لتعليمات الأمان والانضباط. مرت أكثر من سنة ولم ينشر الجيش حتى الآن تقريراً عن هذا الحادث. ولكن كانت هناك حوادث أخرى أيضاً. مثلاً، الجنود الخمسة من دورية “ناحل”، الذين قتلوا في كانون الثاني الماضي عقب انفجار مبنى، كانوا يتواجدون فيه في بيت حانون. والجنديان اللذان قتلا في كانون الأول 2023 كان بسبب انهيار مبنى في رفح.
منطقة حمراء وأخرى خضراء
عند استئناف عملية التعرية والسيطرة على أجزاء من القطاع، يتوقع طرح قضية أخرى تتعلق بالخوف من المس بالمدنيين في غزة. “نحن لا نستيقظ في الصباح ونأتي مع جرافة دي 9 لتدمير أحياء”، قال أحد القادة الكبار الذين قادوا القتال في القطاع، وأضاف: “إذا كان علينا التقدم إلى مناطق معينة، فلن نعرض قواتنا للخطر بتفخيخ العبوات”.
قادة وجنود، الذين قدم بعضهم شهادات إلى “نحطم الصمت”، يصفون المشهد في منطقة التوازن بين “لا نستيقظ في الصباح وندمر أحياء”، كما قال الضابط الكبير، وبين “لن نعرض قواتنا للخطر”. “إذا شخّصنا بـمشبوهين فسنطلق النار عليهم. نريد أن يتعلموا بأن الخروج (من البيت) محظور عليهم” قال جندي في المدرعات عمل في عملية تعرية المنطقة الفاصلة. “إذا كان هناك مبنى يطل على الجدار ويمكن الإطلاق منه فسيتم تدميره. جرافة دي 9 تسير وتهدم كل شيء أمامها، كل شيء.
انتهينا من ذلك وبحق، هذا هو. انتهينا من التفاهة ولم نعد نلعب”. وحسب قوله، فإن الانطباع هناك هو أنه “لا يوجد مدنيون في المنطقة، جميعهم مخربون. لا يوجد أبرياء. لماذا يقترب على مسافة 500 متر من دبابتي”.
يتبين من شهادات الضباط والجنود أن فرقة غزة أوجدت خارطة لمجال في المنطقة الفاصلة حسب الألوان. وهذه الخارطة كان يتم تحديثها بين حين وآخر. المناطق لونت باللون الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر (الأمر الذي يعني أن أكثر من 80 في المئة من المباني في هذا المجال تم تدميرها). خارطة الألوان شملت بيوتاً، ودفيئات، وأكواخاً ومصانع. “سمها ما شئت”، قال أحد الجنود. عملياً، الخارطة حولت نشاطات هدم المباني إلى منافسة بين القوات المقاتلة. كلّ قائد أراد الإظهار بأن منطقته خضراء. “فخر كبير”، قال مقاتل في لواء احتياط شارك في عملية تعرية المنطقة الفاصلة.
بشكل عام، أوامر فتح النار قد تطرح مرة أخرى للنقاش في ضوء لقاء محتمل بين جنود ومواطنين لم يتركوا بيوتهم، أو ضلوا طريقهم. “ليس هناك اتفاق واضح على أوامر فتح النار في أي مرحلة”، قال ضابط في المدرعات قاتل مئات الأيام في الاحتياط بغزة. “أي حركة للأشخاص كانت مشبوهة، لأننا حددنا ذلك. تجد شخصاً له علاقة وتطلق النار عليه… التمييز (بين البنية التحتية المدنية والبنية الإرهابية) لا يهم. لا أحد يهتم. هذا الأمر صحيح أيضاً في المنطقة الفاصلة. حددنا خط الحدود الذي يعتبر كل من يجتازه مشبوهاً. ولكن من غير الواضح لي كم هو عدد الفلسطينيين الذين يعرفون عن هذا الخط. لا علامات على الأرض، وهو خط يبعد كيلومتراً عن الحدود”.
حسب قوله، كان هذا نوعاً من مؤشر غير رسمي. الرجال البالغون يُقتلون. النساء والأطفال – يتم الإطلاق لإبعادهم. وإذا اقتربوا من الجدار يُعتقلون. لا يتم قتل النساء والأطفال والشيوخ. وأضاف من يدخلون إلى هذه المنطقة الفاصلة هم من البالغين الذين يبدو أنهم “لا يعرفون مكان خط القتل”.
“هناك حدث أتذكره جيداً حتى بعد مرور أشهر طويلة”. كما قال. “تقدم الفلسطينيون من القوات مرة تلو الأخرى، حتى بعد أن أطلق عليهم النار للتحذير. في مرحلة ما، عرفوا ما يحدث، لكنهم كانوا جائعين ويبحثون عن أي نوع من الطعام. أحضروا أكياساً لجمع الحبوب، أعتقد. لقد تمّ تجريم الناس بسبب حمل الأكياس في أيديهم. إذا جاء يحمل كيساً نجرمه ونعتبره إرهابياً”. هكذا استمر إطلاق النار عليهم. “المهم أن الجيش الإسرائيلي ينفذ في هذه المرحلة إرادة الجمهور القائلة: لا يوجد أبرياء في غزة، سنُريهم”.
تشوش بأثر رجعي
رغم الفترة الكبيرة التي مرت، وصفقات التحرير وانهيارها، والخطر الذي ثبت أنه قاتل بالنسبة للجنود والمخطوفين، في إحاطة قام بها قائد دورية غولاني قبل الدخول إلى محور موراغ، قال للجنود: “هدف العملية هو إعادة المخطوفين حتى لو لم نصل إلى فتحة نفق أو مبنى فيه مخطوف… حتى الآن، هكذا عاد المخطوفون. كل من تجدونه فهو عدو. إذا لاحظتم أحداً فعليكم إطلاق النار عليه وتدميره والتقدم إلى الأمام. يجب عدم التشوش في هذا السياق”.
الضباط والجنود الذين تحدثت معهم “هآرتس” قالوا إنه في المرة السابقة التي قاتلوا فيها في مناطق تم تطهيرها وإخلاؤها وتسويتها، تبين بأثر رجعي قدر غير قليل من التشويش. “على الأقل بضع عشرات من البيوت التي دمرناها، تم تجريمها من قبل الجيش، لكن بعد ذلك وجدت فيها أغراض لمخطوفين. من كان هنا ومتى وما هي الفترة؟، هذه أسئلة بدون إجابة.